خاص : كتبت – هانم التمساح :
ألقت قضية الإفراج عن العميل الإسرائيلي، “عامر الفاخوري”، الضوء مجددًا على تحالف مصالح الطبقة السياسية في “لبنان” على مصلحة الوطن والمواطن وعلى حساب أمنه القومي؛ ودشن نشطاء لبنانيون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد (حزب الله) اللبناني، والرئيس “ميشال عون”، في فضيحة الإفراج عن المتهم، الذي تسبب بقتل سجناء في معتقل “الخيام”، التابع للاحتلال الإسرائيلي، في تسعينيات القرن الماضي.
وصمة تُطارد السلطات..
وتحولت قضية إخراج العميل الإسرائيلي، “عامر الفاخوري”، الحائز منذ 2003 على الجنسية الأميركية، من السجن وتهريبه إلى “الولايات المتحدة”، عبر مروحية أميركية، نقلته الخميس 19 آذار/مارس الجاري، من مقر السفارة في منطقة “عوكر”، شمال “بيروت”، إلى “قبرص” ومنها إلى دولة الاحتلال، إلى وصمة تُلوث أيدي مسؤولين وسياسيين لبنانيين، كلما تحدثوا عنها، وجعلتهم عُرضة للحملات والشكوك.
وأحدثت الأخبار الواردة حول هذه القضية في الوسطان، السياسي والإعلامي، فضيحة مدوية سواء بفعل القرار القضائي الذي أوقف التعقبات بحق “الفاخوري”، الذي عمل مع احتلال “إسرائيل” لـ”جنوب لبنان”، سنوات قبل انسحاب عام 2000، وهربه إلى “إسرائيل”، ثم إلى “الولايات المتحدة”، بات فائق الإحراج للسلطة السياسية، وخصوصًا لفريق رئيس الجمهورية، “ميشال عون”، وبالتالي لحليفه الرئيس، (حزب الله)، الذي بات متّهمًا بغض النظر عن وقائع العملية وبشتى السيناريوهات.
شكر “ترامب” يُزيد الشكوك..
ومن جهة أخرى زاد توجيه الرئيس الأميركي، “دونالد ترمب”، الخميس 19 آذار/مارس، الشكر للحكومة اللبنانية على تعاونها في إخلاء سبيل “الفاخوري”، الأمور تعقيدًا وريبة من أن يكون إطلاق سراح “الفاخوري” جاء في إطار مفاوضات تتعدى “لبنان”، باعتبارها تابع لـ”إيران”، في شأن أميركيين محتجزين في الخارج، حيث يسعى “ترمب” إلى إطلاق سراحهم من أجل استثمار الأمر شعبيًا في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، في مواجهة مرشح “الحزب الديمقراطي”، خاصة وأن الرئيس الأميركي تحدث في المؤتمر الصحافي ذاته عن اتصالات تُجرى مع “سوريا” لتحرير الصحافي الأميركي، “أوستن تايس”، الذي اختفى فيها عام 2012، (خصص جهاز (إف. بي. آي) مليون دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه)، واعدًا الجانب السوري بتقدير تعاونه من أجل تحريره. كما أن وزير الخارجية، “مايك بومبيو”، لفت في بيانه عن إخراج “الفاخوري” إشارته إلى إطلاق “إيران”، الأميركي “مايكل وايت”، الذي اتهمته “طهران” بالتجسس لأسباب صحية، على أن لا يُغادر البلاد ويبقى في “السفارة السويسرية”، التي ترعى المصالح الأميركية. هذا في وقت أفرجت فيه السلطات الإيرانية عن 85 ألف سجين، منعًا لتفشي فيروس “كورونا” في السجون، في ظل ما يتردد عن اتصالات تُجرى تحت الطاولة معها في شأن خفض العقوبات القاسية عليها.
وما يؤكد هذه المخاوف أن الحكومة اللبنانية لا علاقة لها بكل ما جرى، حتى إنّها لم تُناقش الموضوع خلال اجتماعين عقدتهما بعد قرار المحكمة العسكرية إطلاق سراحه !
حملات التواصل الاجتماعي تُحرج “حزب الله”..
في سياق متصل؛ اتهمت الحملة ضد (حزب الله) على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه وراء صفقة ما. وبعض التعليقات تعتبر أن قرار “هيئة المحكمة العسكرية”، التي منعت المحاكمة عن “الفاخوري” لسقوط التهم في حقه بالتقادم، لم يكن ليتم لولا غضّ النظر من الحزب، لأنّ رئيس المحكمة، العميد “حسين عبدالله”، وبعض أعضائها من الموالين للحزب، ولأن تعيين قضاة هذه المحكمة يحصل، وفق ما درجت العادة في السنوات الماضية، لضباط من الموالين للحزب وحليفته، (حركة أمل)، التي يرأسها رئيس البرلمان، “نبيه بري”.
وربطت بعض هذه التعليقات؛ بين هذه الاتهامات وتساهل الحزب مع قرار “المحكمة العسكرية” بما تسرّب من معلومات صحافية، عن أن الإفراج عن “الفاخوري” تم نتيجة وساطة تولّتها “سلطنة عُمان” مع “إيران”، قادت إلى إخراج مواطن أميركي من السجون الإيرانية ومعه “الفاخوري” في “لبنان”.
وقالت اتهامات أخرى، للحزب؛ أنه كان يُراعي حليفه الرئيس، “ميشال عون”، ورئيس (التيار الحر)، “جبران باسيل”، الذي عقد الصفقة مع “واشنطن” من أجل تجنب عقوبات هدّدته بها يوم كان وزيرًا للخارجية في الحكومة السابقة، ومعه الوزير السابق، “سليم جريصاتي”، مهندس المخارج القانونية في القصر الرئاسي، بعدما شاعت أنباء أن هذا الفريق كان وراء الاجتماع الليلي للمحكمة في يوم إجازة، الأحد 15 آذار/مارس الجاري، لتهريب قرار منع المحاكمة والإفراج عنه في اليوم التالي.
“حزب الله” يُدافع عن نفسه..
وتستمر الحملة ضد (حزب الله)؛ بالرغم من أنّ الحزب سرّب معلومات بأنّ رئيس المحكمة، العميد “عبدالله”، اتصل قبل أيام بقيادة الحزب لينبئها بتزايد الضغوط عليه من أجل إخلاء سبيل “الفاخوري”، فكان الجواب أن هذا غير وارد بالنسبة إليه لأنه لا يمكن أن يتساهل تجاه عميل تسبّب بقتل لبنانيين تحت الاحتلال. وأفادت التسريبات بأنّ الحزب فوجيء بعدها بقرار المحكمة، ولذلك أصدر بيانه الذي أشار إلى: “الضغوط والتهديدات الأميركية سرًا وعلانية لإجبار لبنان على إطلاق الفاخوري”، واصفًا ما حصل بأنه: “قرار خاطيء للمحكمة يدعو للأسف وللغضب والاستنكار، وكان من الأشرف والأجدى لرئيس المحكمة العسكرية وأعضائها أن يتقدموا باستقالاتهم بدل الإذعان والخضوع للضغوط التي أملت عليهم إتخاذ هذا القرار المشؤوم”.
وكان “باسيل” قد اتصل هاتفيًا بالأمين العام، السيد “حسن نصرالله”. وطرح خلال اتصاله مسألة الإلحاح الأميركي الضاغط على إخلاء سبيل “الفاخوري” ونية تسليمه إلى السلطات الأميركية، فكان جواب “نصرالله” رفض الفكرة؛ لأنّ الرجل متهم بقتل لبنانيين تحت سلطة الاحتلال.
“كورونا” ضاعف الفضيحة !
ومن أسباب الزوبعة الإعلامية/السياسية، التي أثارها إطلاق “الفاخوري” أيضًا؛ أنه في ظل معاناة البلد من فيروس “كورونا” والسجالات السياسية حول فعالية الوقاية الحكومية من تفشيه، برزت قضية إكتظاظ السجون اللبنانية وضرورة إتخاذ قرار بإخلاء قسم كبير منهم، منعًا لانتشار الوباء في صفوفهم في ظل ضعف إمكانيات النظام الصحي، خصوصًا أن بينهم كثير من أنهوا محكوميتهم، لكنهم لا يملكون المال الكافي لدفع ما يتوجب عليهم تنفيذًا لأحكام بحقهم، أو لدفع رسوم إخراجهم من السجن. وقد ملأت شاشات التلفزة، خلال الأيام الماضية، فيديوهات مُسربة من سجن “رومية” المركزي عن الحالة البيئية المُزرية التي يعيشها السجناء، مطالبين بإطلاقهم مخافة تسرب “كورونا” إليهم، ظهر فيها سجناء يتوجهون إلى الزعامات السياسية، ومنهم “نصرالله”؛ والرئيس “بري”، مطالبين بإطلاقهم. وبعضهم سأل كيف يُطلق عميل إسرائيلي ونحن نبقى في هذه الحالة ؟
وتقدّم الأسيران المحرران من سجن “الخيام”، “سهى بشارة” و”نبيه عواضة”، بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية ضد كل من يظهره التحقيق من السياسيين وقضاة المحكمة العسكرية والقادة الأمنيين بجرائم المس بهيبة وكرامة الدولة اللبنانية، والتآمر مع دولة أجنبية، وخرق سرية المذاكرة، ومخالفة قرار قضائي بمنع السفر، كانا استحصلا عليه من محكمة مدنية غداة قرار المحكمة العسكرية.
وفعلت الحملة على الحزب فعلها وسط البيئة السياسية والشعبية المؤيدة له؛ كونه رأس الحربة في مواجهة “إسرائيل”.
رجال الدين السُنة يبررون لـ”حزب الله” !
الغريب ما صُدر، الخميس الماضي، عن أحد أبرز رجال الدين السُنة المحسوبين على (حزب الله) والمؤيدين له بحجة مقاومته لـ”إسرائيل”، الشيخ “ماهر حمود”، رئيس “الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة”، الذي عقد مؤتمرًا صحافيًا عن تهريب “الفاخوري”، طالب فيه، الرئيس “عون”: بـ”إصدار قرار وطني جريء يُنهي به بعض عذابات اللبنانيين، وهو طرد جبران باسيل من الدائرة المقربة منه، لأنه إرتكب الموبقات باسمك، وشوّه صورتك، وإنحرف بالتيار عمّا أسّسته له”. وقال “حمود”: “أنت تعلم مقدار المعزة التي نكنّها لشخصك الكريم، لكنّ الأمور تغيرت”.
وأشار “حمود” إلى أنّ: “المطلوب من باسيل الاستقالة من النيابة، فهو لم يُعد يُمثل الشعب اللبناني وليذهب إلى أميركا، وليأخذ منصبًا هناك، لعله رئيس بلدية أو زبال كما قال (وليد) جنبلاط يومًا ما، وهو لا يستحق أن يكون نائبًا في البرلمان”. أضاف: “رئاستك للتيار الوطني الحر لم تُعد تناسبك أبدًا”.
واستدعى الأمر ردًا من “باسيل”، على “حمود”، في بيان عن (التيار الحر)؛ اعتبر أن: “الكلام من غير علم عن الآخرين ظلم كبير وإساءة الظن أمر لا يجوز، لا بل مُحرم في كل الشرائع. وقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا، اجتنبوا الظن، إنّ بعض الظن إثم). والكلام عن الآخرين، من دون بيّنة لهو أمر يؤدي إلى الوقوع في المعصية، والتي هي اتهام الناس بالباطل”.
وسبقه بيان آخر أشار إلى أن التيار ورئيسه: “يتعرّضان لحملة إفتراءات متواصلة تتغيّر فصولها بحسب طلب صانعيها، وكشفت هذه المرّة عن تناقض القائمين بها من أصحاب نظريات المؤامرة الدائمة، فهم اتّهموا باسيل سابقًا بأنّه سهّل دخول عامر الفاخوري إلى لبنان تجاوبًا مع طلب إيراني، وهم أنفسهم يتّهمونه اليوم بتسهيل خروجه من لبنان تجاوبًا مع طلب أميركي”. وإذ نفى علاقته بـ”الفاخوري”، أكد “باسيل”؛ أنه: “لا يحتاج إلى شهادة في الوطنية من أحد”، مشدّدًا على أن: “سياسة تلقّي الأوامر من السفارات ليست سياستنا، بل سياسة من يتّهمنا”.
كما أن فضيحة إخراج “الفاخوري” من الأراضي اللبنانية؛ على الرغم من صدور قرار قضائي بمنع سفره، دفعت وزير الخارجية، “ناصيف حتي”، إلى استدعاء السفيرة الأميركية، “دوروثي شيا”، ليسألها عن: “حيثيات وظروف إخراجه من لبنان”. فالحكومة أُحرجت من شكر “ترمب” لها في وقت لا ناقة ولا جمل لها في القضية.