شخصيا أؤمن بالمؤامرة بعمومها بصفتها سنة تدافع كونية بين البشرعلى وفق مصالحهم كجزء من الصراع البشري منذ فجر التأريخ على سطح الكرة الارضية ، يجيد استخدامها من يجيد ويخفق فيها من يخفق ،بمعنى انها داخلة في إطار الحرب والخدعة والمناورة وفرض الارادة وبسط النفوذ، السيطرة على الثروات ، تحقيق المكاسب ، توسيع الممالك والامبراطوريات ، الثأر التأريخي ، إحداث التغيير الديمغرافي ، تصديرالعقائد والايدولوجيات وصدام الحضارات بصرف النظرعن نبل وإنسانية تلك الوسائل من عدمها ، والبقاء يكون بذلك التدافع في الاعم الاغلب اما للاقوى واما للاصلح واما للادهى وإما للاصدق ، الا انني لا أؤمن بنظرية المؤامرة والتي يحلو لي تسميتها بـ” فوبيا المؤامرة ” والذي اراه وصفا اكثر دقة من سابقه وأقرب للصواب منه لكون الأخيرة لاتدخل في سنة التدافع بقدر دخولها في اطارالتسويغ والتبرير وبمثابة – الشماعة – التي يعلق المهمشون ، المسحوقون ، المظلومون ، المهزومون كل هزائمهم وأخطائهم وخطاياهم عليها على مدار الساعة ، بل ويتوسع بعضهم ليفسركل ما يجري من حوله كونيا بمقتضاها على وفق هواه ، حتى القرارالجيد و الانجاز الحسن الذي ينجز على يد خصمه يفسره على انه سيء للغاية ويجب مناهضته ورفضه والتقليل من شأنه وان كان يصب في خدمة الصالح العام !
قبل يومين سألتني احدى الزميلات العزيزات قائلة” شنو رأيك بحظر التجوال والمبالغة بأخبار فايروس كورونا ..أكيد كلها لعبة لإنهاء التظاهرات !” قلت ” الكورونا حقيقة وحظر التجوال قرارصائب وان كنت اشكك في مدى إلتزام العراقيين به على الوجه الامثل !” زعلت الزميلة !!بمعنى انها تريد ان تتذاكى انطلاقا من فوبيا المؤامرة واية اجابة تشكك بتذاكيها ذاك تعد بحد ذاتها من وجهة نظرها مؤامرة فوق المؤامرة وربما اعتبرتني من اتباع النظام ايضا من جراء ذلك !
المصاب بفوبيا المؤامرة – الشيعي – يفسر توقيت حظر التجوال مع زيارة الامام الكاظم على أنها مؤامرة – سفيانية ..أموية ..يزيدية ، عباسية ، عثمانية ، صهيونية ،اميركية ، سعودية، قطرية ..الخ – لمنع الزيارة وليس بوسعه تفسيرها على نحو افضل واقرب للحقيقة من ذلك اطلاقا وبناء عليه فلن يلتزم بالحظر ..والا قلي بربك كيف تفسر الجمعة المليونية الوحيدة في مدينة الصدر في هذا التوقيت الحرج من تأريخ المنطقة والعراق والعالم ووباء كورونا المستجد يسقط دولا متقدمة ويجعلها خارج نطاق السيطرة كإيطاليا والمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا ، اليوم وبعد ان شاهدت صورا لألوف الاتباع وهم يفترشون الارض فيما نظراؤهم وهم ألوف ايضا في الزيارة سيرا على الاقدام قلت في نفسي : ” لقد اوقفتم الجمعة لقرون طويلة مع ان النص القرآني صريح وواضح وغير قابل للتأويل بوجوب اقامتها والسعي اليها ، اوقفتموها بذريعة انها فرض مشروط لاتقام على الوجوب الا بوجود الامام المعصوم او بوجود نائب الامام او بوجود الحاكم العادل مبسوط اليد لأنها – واجب تعييني – فيما تقام على سبيل التخيير لا الوجوب بمعنى – واجب تخييري- بغيابهم فمن شاء صلى الظهر ومن شاء صلى الجمعة ويبدو ان الجميع قد اختار الخيار الثاني – صلاة الظهر جمعا مع العصر – بدلا من اداء الجمعة منفردة في جماعة ..ولم تقم الجمعة عندهم الا بعد الثورة الايرانية 1979 وبهذا يحق للجميع السؤال ” اذ كنتم قد عطلتم الجمعة قرونا متواصلة من دون مسوغ شرعي ، اليس من باب اولى تعطيلها مؤقتا لبضعة اسابيع بسبب كورونا المستجد القاتل حفاظا على الصحة العامة ؟الا ان الديماغوجية تتدخل هنا بقوة وتحول من دون ايقافها مادامت مصلحة القيادة في اقامتها قائمة ولو لم تكن كذلك لأوقفت ولسيقت الذرائع لإبقافها على طبق من ذهب وما على الاتباع سوى الطاعة الواجبة والإتباع من غير نقاش ..اوقفوها في زمن الرخاء فتوقفت ..صدر الامر بإقامتها في زمن الوباء فأقيمت ..وما هكذا تورد ياسعد الابل !
المصاب بفوبيا المؤامرة – السني – يفسر توقيت اغلاق المساجد وايقاف الجمع والجماعات في هذا الوقت على انه مؤامرة لإضعاف السنة في العراق وكسر ارادتهم وتحجيمهم والتضييق عليهم واقصاءهم وتهميشهم اكثر واكثر وبناء عليه تراه متضايقا من الحظر انطلاقا من هذا المفهوم اكثر من حزنه على فوات أجر الجمعة والجماعة واعمار المساجد ماديا ومعنويا ووو!
المصاب بفوبيا المؤامرة – من الناشطين والتنسيقيات – يفسر حظر التجوال على ان الهدف منه هو إنهاء الاعتصامات والتجمعات والتظاهرات في جميع الميادين والساحات بعد اربعة اشهر من اندلاعها برغم كل التضحيات ولا شيء آخر سواها وبناء عليه فلن يلتزم بالحظر!
المصاب بفوبيا المؤامرة – العلماني – يفسر الحظر على انه تقييد للحريات الشخصية ومحاولة – الاحزاب الاسلاموية – فرض ارادتها لغلق البارات والملاهي والنوادي والكافيتريات والمطاعم والمتنزهات والسينمات وما شابه ولاشيء آخر غيرها وبناء عليه فلن يلتزم بالحظر!
المصاب بفوبيا المؤامرة – الموالي لإيران – يفسر الحظر على انه محاولة لحجر الناس في منازلهم تمهيدا لفرض رئيس وزراء جديد مزدوج الجنسية – اميركي- خلفا لعلاوي وقبله عبد المهدي رغما ان انف الموالين لإيران ورغبتهم وبناء عليه فلن يرضى بالزرفي ولن يطبق الحظر !
المصاب بفوبيا المؤامرة – الموالي لأميركا – يفسر الحظر على أنه محاولة لإنقاذ الجماعات التابعة لإيران من الرد الاميركي على عملياتها ضد معسكراته في العراق وبناء عليه فلن يؤمن بالحظر !
المصاب بفوبيا المؤامرة -يساري الهوى – يفسره على انها مؤامرة امبريالية غربية وحرب بايولوجية انطلقت من مختبرات امريكا لتخفيض اسعار النفط وبيع اللقاح المخبأ حاليا بترليونات الدولارات لاحقا فضلا عن تدمير الصين وروسيا اقتصاديا ..المصاب بفوبيا المؤامرة – غربي الهوى – يفسره على انه مؤامرة صينية شيوعية وحرب جرثومية انطلقت من مختبراتها للسيطرة على العالم وشراء اسهم الشركات الغربية في اراضيها بأبخس الاثمان وتدمير اوربا وافلاسها …!
وهكذا تستمر التوصيفات للحظر مزاجيا ترافقه التفسيرات الواحدة تلو الأخرى من دون ان يعترف أي منهم بأن الحظرما هو الا إجراء طبي طبيعي دقيق أوصانا به النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم قبل المنظمات الصحية العالمية بـ قرون طويلة تلجأ اليه الامم ساعة انتشار الجائحات الوبائية القاتلة لحماية مواطنيها من الخطر الداهم …وابوك الله يرحمه !
ومايصدق على العراق في ذلك يصدق على الوطن العربي من المحيط الى الخليج والنتيجة = ان الشعوب العربية لم تلتزم ولن تلتزم بالحجر الصحي ولا بالحظر لأنهما بنظرها وعلى اختلاف مكوناتها مجرد ..مؤامرة وكما يقول المثل الشعبي ” كل واحد عدوه كبال عينه ” !اودعناكم اغاتي