خاص: حاورته- سماح عادل
“محمد بركة” روائي وقاص وناقد فني وصحفي مصري، يعمل بمؤسسة الأهرام، من مواليد محافظة دمياط عام 1972، حاصل على ليسانس الآداب والتربية قسم اللغة الإنجليزية بجامعة المنصورة عام 1994، التحق بمؤسسة الأهرام الصحفية بالقاهرة عام 1997.
صدر له:
1- “كوميديا الانسجام” مجموعة قصصية، القاهرة 1999.
2- “ثلاث مخبرين وعاشق” مجموعة قصصية، القاهرة 2001.
3- “الفضيحة الإيطالية” رواية، دار نفرو، القاهرة 2005.
4- “عشيقات الطفولة” رواية، القاهرة 2013.
5- “الزائر” رواية، دار سما، القاهرة 2016.
6- “عشيقة جدي” مجموعة قصصية، 2017.
7- “أشباح بروكسل” رواية، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2019.
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
-أعتقد أن عثوري على صندوق مهجور في سطوح بيتنا وأنا طفل بالابتدائية كان محطة مهمة، فقد كان يحتوى على مخطوط قديم لـ “ألف ليلة وليلة” وتحديدا “سفرات السندباد”. شغفتني الحكايات حبا وأطلقت عصافير الخيال لتتخذ من رأسي عشا. في مرحلة الإعدادية، أعجبت بفتاة تصغرني بعام وأردت أن “أبهرها” فكتبت قصة قصيرة وبعثت بها عبر مرسال لتقرأها. في المرحلة الثانوية، وقعت في غرام كلاسيكات الأدب الروسي لاسيما النصوص العاطفية وأخص بالذكر “جداول الربيع” لتورجنيف. أما الكتابة نفسها فعمل محبط، فضلا عن أنه شاق، فهناك مسافة شاسعة بين ما وقر في خيالك وما خرج على الورق!
(كتابات) في رواية (أشباح بروكسل) صورت إحساس الشرقي ونظرته إلى المجتمع الأوروبي بشكل مختلف.. حدثنا عن ذلك؟
– الشرقي في هذا الرواية ليس منبهرا بالآخر الأكثر تقدما وتحضرا، كما أن البطل لم يهبط على الجنة الأوربية بحثا عن غزو الشقراوات ورفع علم العروبة على فراشهن. بالعكس هو نموذج أكثر حداثة وواقعية يعاني في بلده من تناقص أفق الحرية فيتم التخلص من آراءه “المزعجة” بإرساله للعمل في العاصمة البلجيكية بروكسل. هنا يتحول الغرب إلى ما يشبه منفى لأصحاب الرؤى المختلفة. أيضا الفتاة الأوربية، هنا، هي التي تهيم بالرجل الشرقي عشقا وتطارده بالاهتمام والرعاية والغيرة القاتلة المجنونة.
(كتابات) في رواية (أشباح بروكسل) كان المتشددون دينيا هم الأشباح الذين رغم وحشية الواقع في بلدانهم قصدوا أن يمارسوا وحشيتهم الخاصة تجاه البلد التي استضافتهم.. كيف ترى ذلك؟
– صحيح، المتطرفون هم أشباح تطل من الرواية لتحاصر تلك القارة الأوربية التي كانت تغفو بهدوء تحت شمس التسامح. منذ الخمسينيات والستينيات بدأت أمواج الهجرة العربية الجماعية للغرب، أي أننا نتحدث حاليا عن الجيل الثالث من المهاجرين. ومن بين هؤلاء، فصيل مصاب بالهوس الديني يريد أن يخضع أوروبا لرؤيته المتطرفة العنصرية وما يعتقد أنه صحيح الشريعة الإسلامية. الغرب ليس بريئا تماما، فقد فتحوا قنوات التعبير الحر عن عمد للمتطرفين الإسلاميين حتى يكونوا سلاحا في يده ضد البلاد العربية التي قد تناطح يوما الهيمنة الغربية. والآن يشرب الغرب من نفس الكأس!
(كتابات) لماذا يرتبط العشق في نصوصك بالأسى والحزن والرغبة في الشعور بالأمان وكأن الحبيبة أم وملجأ؟
– أشكرك على هذا السؤال الذي لا أعرف إجابة قاطعة له. ربما كان السبب يعود إلى شعوري الطويل المديد بالوحدة، مات أخواي الذكور الاثنان أثناء طفولتي. ولم أكن مقربا بما يكفي من أخواتي البنات. كان أبي يعمل في الخارج طوال الوقت وأمي مشغولة عني لأسباب خارجة عن إرادتها. الأصدقاء المقربون يقعون أحيانا في شرك الأنانية أو ضراوة المنافسة. شعرت بالغربة في قريتي كفر سعد البلد “دمياط” فارتحلت للقاهرة، ثم لازمني الشعور بالاغتراب فارتحلت لأوروبا، ثم عدت لمصر حين أدركت أن الوحدة هي القسمة والغربة هي النصيب.
من هنا لم يكن العشق في نصوصي مجرد تجربة عاطفية بل بحث عن الدفء في المقام الأول ومقاومة لكل ما سلف.
(كتابات) في مجموعة “الحزن طفل نائم” للحزن تنويعات مختلفة داخل النصوص وهو يتوزع ما بين مرحلة الطفولة والشباب ومراحل العمر المختلفة.. حدثنا عن ذلك؟
– ليس عندي الكثير لأقوله هنا، لكن الحزن الأبدي قدر المصريين. نحن شعب لا يعرف كيف يفرح وإذا ضحك بعنف من قلبه دعا الله: خير اللهم اجعله خير! يقال إننا شعب ابن نكتة لكن نكاتنا تتبخر في مناخ عام من الحزن والكآبة والتناقضات. أعتقد أن الثقافة الدينية عموما جعلت المصريين يعيشون فيلم رعب رغم أن الدين سلام والله محبة. وهذا ما يجعلني أتذكر تلك الأغنية البديعة للمطرب على حسين:
يا حبيبتي ليه مستغربة
لما بقول إني حزين جدا سعيد
ما إحنا بنطلع نبكي على الأموات
في عز ما إحنا فرحانين بالعيد
والبرتقان حادق أوي مسكر
والبحر رايق بس متعكر
وحلمنا قريب أوي وبعيد!
(كتابات) في مجموعة (الحزن طفل نائم) كانت النصوص تعبر عن لحظات محملة بالمشاعر.. كيف كان استقبال القراء لها؟
– أعتقد أنهم أحبوها، فكتابتي للقصة القصيرة تبدو ذات طابع حداثي تجريبي لكنها تلمس نقطة بعيدة بأعماق القارئ حسبما أتصور.
(كتابات) رغم طغيان الرواية على الساحة الأدبية لكن مازال شغفك بكتابة القصة القصيرة موجود.. هل هذا صحيح؟
– لا أستطيع أن أسميه شغفا، الفكرة عندي تخلق شكلها الفني سواء كان رواية أو قصة. أبحث عن التنوع لأني كاتب ملول. الرواية طاغية لأنها باتت خبزا شهيا للقراء. القصة مضطهدة لكني لست مبعوث العناية الإلهية لتحريرها.
(كتابات) في بدايتك قدمتك جريدة “أخبار الأدب” ووجدت تشجيعا.. في رأيك هل يجد الكتاب الشباب الدعم في الوقت الحالي؟
الجيل الجديد تحرر من وصاية الأجيال السابقة. تكنولوجيا النشر ومواقع التواصل الاجتماعي جعلته يتمرد على القوالب القديمة السخيفة. تجربة البدايات لدى أبناء جيلي كانت سيئة. تعرضنا للابتزاز والتنمر والوصاية من شخصيات معقدة نفسيا وغير موهوبة. المشكلة أن سهولة النشر وانتشار الجوائز جعلت الجيل الجديد يظن نفسه من طينة أخرى، لقد أصبحوا فجأة النسخة العربية من شكسبير. هم متعجلون للغاية وهذا حقهم، لكنهم منتفخون بالأنا وتعوزهم الموهبة إلا فيما ندر.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في مصر في الوقت الحالي؟
– رغم كل الملاحظات السلبية، تظل مصر واحدة من البلاد التي توفر مفردات الثقافة بشكل رائع. الكتاب واللوحة والفيلم والموسيقى متاحون للفقراء والأغنياء على حد سواء. المشهد الثقافي حي ويتطور بشكل ديناميكي ولن توقف مسيرته مافيا العلاقات العامة وشبكات المصالح.
(كتابات) في رأيك هل النقد في مصر يواكب غزارة الإنتاج الأدبي وهل يمر بمشكلات؟
– طبعا لا يواكب وبالتأكيد يمر بمشكلات حقيقية لكن الناقد في النهاية لا يعمل أجيرا لدينا نحن الأدباء. تلك الحقيقة ننساها أحيانا.