تزامن دخول وباء “كورونا” الى العراق مع الأزمة السياسية المتفاقمة جراء الحراك الشعبي المطالب بتغيير النظام السياسي وفق إرادة وطنية خالصة بعيداً عن التدخلات الخارجية مما أجبر حكومة عادل عبد المهدي، على تقديم استقالتها مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2019، تلاها عجز القوى السياسية عن ايجاد البديل الذي يلبي المطالب الجماهيرية.
“كورونا” الذي استعاذ منه العالم رحب به العراقيون كإحدى الأدوات التي ربما ستكون عوناً لهم على تغيير النظام السياسي كونها تتوافق مع إجراءات العزل والإقصاء بعيدا عن تواجد الأصحاء .
السياسيون الفاسدون ينطبق عليهم توصيف الوباء من وجهة نظر المتظاهرين في ساحة التحرير وعموم محافظات العراق التي شهدت تظاهرات تطالب بتغيير النظام السياسي لذا وجب التعامل معهم وفق القواعد التي تحقق العزل التام واتخاذ كافة الإجراءات التي تحول دون عودتهم.
“كورونا” لم يرعب العراقيين ولم يثر مخاوفهم بل تعاملوا معه بشكل طبيعي وكأنهم قد ألفوه منذ عقود من الزمن .
هذا الفيروس الذي أدى إلى هبوط حاد في الأسهم على صعيد الاقتصاد العالمي وأوقف المصانع والخدمات وأجبر الناس على البقاء في منازلهم، لا تقارن أضراره عند العراقيين بحجم ضرر الفساد لدى سياسييهم الذي خلف دماراً شاملا في بلد يعد من أغنى بلدان العالم أورث له التخلف والتراجع والفقر والضياع وتفشي البطالة والأمراض .
وبالمقارنة مع وباء الفساد فإن العراقيين اتفقوا على أن “كورونا” حقق لهم فوائد كثيرة وأهمها عزل البلدان المتدخلة في شؤونهم واغلاق الحدود معها بعد ان كان مطلبا جماهيريا رفضت حكومتهم الاستجابة له.
“كورونا” الذي أصاب عصب البيروقراطية المذلة بالشلل وجعل الصورة تتضح أكثر في كيفية التعاطي مع متطلبات الحياة اليومية بطريقة التواصل عن بعد أجبر الحكومة على الرضوخ وتفعيل هذه التقنية التي طالما حجبتها عن شعبها في مختلف مفاصل الدولة كالتعليم وانجاز المعاملات الحكومية والقطاعات الخاصة والتسوق والترفيه وربما ايضاً المرافعات القضائية وهذا الأمر يعد من أهم المطالب الجماهيرية المشروعة في الحياة الحرة الكريمة التي عجزت الحكومة عن تحقيقها.
ومع وجود “كورونا” شعر العراقيون براحة أكثر في التنفس حيث نالوا جزءاً من حقوقهم في الحياة الكريمة ولو بشكل معنوي بينما غرماؤهم من مافيات الفساد قد انحبس عنهم الهواء وباتوا الآن في أسوأ حالاتهم وهم يعانون من اضطراب في التنفس بعد أن ضاقت عليهم المساحات، فالأرض التي كانوا يفرون اليها قد عمها الوباء ،وملياراتهم وأرصدتهم قد انحدرت وترنحت أمام هول الاقتصاد المتداعي بفعل هذا الفايروس
فهل استجاب فايروس “كورونا” لنداء المتظاهرين وهم يستنجدون به ويرددون:
“اسمع الثوار ياكورونا بلكت تسيِٓر على الباگونا
نريد منك تفزعلنا تروح للبايك حلمنا”.