خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يستمر التوتر “الأميركي-الإيراني”، على الأراضي العراقية، ممارسة دور فاعل بين تهديدات متوالية لتنظيم (داعش) الإرهابي، ومواجهات تؤدي إلى قرارات متقلبة تتغير بشكل دائم، انسحبت قوات “التحالف الدولي” ضد تنظيم (داعش) الإرهابي، بقيادة “الولايات المتحدة”، من قاعدة (القائم) الإستراتيجية الواقعة على حدود “العراق” مع “سوريا”، وسلمتها للجيش العراقي، حسبما ذكرت شبكة (روسيا اليوم).
وقالت غرفة العمليات المشتركة التابعة للتحالف، في بيان لها؛ إنها أقامت مراسم رسمية لتسليم القاعدة إلى القوات العراقية، بمشاركة مدير شؤون قوات الدعم، الفريق الأميركي، “فينسنت باركر”.
وقال “باركر”، في كلمة ألقاها خلال مراس تسليم القاعدة: “يرمز هذا اليوم للحظة تاريخية لغرفة العمليات المشتركة لعملية العزم الصلب؛ وشركائنا في قوات الأمن العراقية”.
وأضاف: “خدمت قاعدة (القائم) كموقع حيوي في الحرب على (داعش)، للمرة الأولى عندما حررت القوات العراقية منطقة القائم من الوجود الشرير، (للدواعش)، ولاحقًا كقاعدة مهمة خلال معركة الباغوز، (في سوريا)، الأراضي الأخيرة التي كانت تحت سيطرة (داعش)”.
وتابع: “تسليم القاعدة اليوم أصبح ممكنًا بفضل جهود ونجاحات شركائنا في قوات الأمن العراقية”.
ويُشير القرار بالانسحاب من 3 من أصل 8 قواعد لها في “العراق”، إلى أن “الولايات المتحدة” تتطلع إلى تقليص حضورها بشكل كبير في البلاد.
ويأتي ذلك وسط توترات متزايدة مع الحكومة العراقية و”إيران”.
وجاء تسليم هذا الموقع، للقوات العراقية، بعد ساعات من هجوم صاروخي جديد استهدف قاعدة عراقية تنتشر فيها قوات أجنبية، وهو الهجوم المماثل الـ 24، خلال أقل من 6 أشهر.
وسبق أن أعلنت “وزارة الدفاع” الأميركية أن قواتها ستنسحب من قاعدة (القائم)، خلال أسابيع، بالإضافة إلى قاعدتين عسكريتين آخريين في “العراق”.
نتيجة للهجمات التي تعرضت لها..
تعليقًا على تلك الخطوة؛ اعتبر المحلل السياسي، “جمعة العطواني”، أنه من المُبكر الحكم على النوايا والأهداف الأميركية من وراء الإعلان عن هذا الإنسحاب، وفيما إذا كان تكتيكيًا أم إستراتيجيًا، لافتًا إلى أن: “قرار الإنسحاب من القواعد الأميركية قد يكون نتيجة للهجمات الدقيقة التي تعرضت لها هذه القوات الأميركية فيها، وتسببت بخسائر وسط الجنود الأميركيين”.
أشعل أزمة غير ضرورية..
في هذا السياق؛ ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، أن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، يواجه مستنقعًا خطيرًا في الشرق الأوسط على الأغلب من صنعه.
وأستهلت الصحيفة افتتاحيتها المنشورة – على موقعها الإلكتروني الثلاثاء الماضي في هذا الشأن – بالقول إن قرار “ترامب” الطائش بإلغاء “الاتفاق النووي”، مع “إيران”، وتجديد الحرب الاقتصادية على نظامها مباشرة؛ أشعل أزمة غير ضرورية عليه أن يتعامل معها الآن في ظل تفشي وباء “كورونا” المستجد، (كوفيد-19).
زيادة عزلة الحكومة العراقية..
وأوضحت الصحيفة الأميركية أنه في ظل تفشي فيروس “كورونا”، إنجرفت إدارة “ترامب” إلى دورة أخرى من تصاعد الأعمال العدائية مع الميليشيات المدعومة من “إيران” في “العراق”.
وأفادت (واشنطن بوست)؛ بأنه لا يمكن التصدي للحملة الإيرانية ضد القوات الأميركية في “العراق” بسهولة، موضحة أنه كان من الصعب الدفاع عن القوات الأميركية المنتشرة في القواعد العسكرية العراقية من الصواريخ قصيرة المدى المفاجئة، مثل تلك التي إنهالت على معسكر (التاجي)، خلال الأسبوع الماضي.. ويُخاطر العمل الانتقامي الأميركي داخل “العراق” بزيادة عزلة الحكومة العراقية، التي يضغط بعض قادتها بالفعل من أجل الانسحاب الأميركي.
الانسحاب الكامل سيُعطى إيران انتصارًا إستراتيجيًا..
وأشارت الصحيفة إلى أن “ترامب” يميل لسحب حوالي 5 آلاف جندي أميركي منتشرين لمحاربة (داعش) في “العراق”، إذ أعلنت البعثة التي تقودها “الولايات المتحدة” لهزيمة (داعش) في “العراق” و”سوريا”، أمس الأول، أنه سيتم إعادة نشر مئات القوات من عدة قواعد أصغر إلى قواعد أكبر في “العراق” أو في “سوريا” و”الكويت”.
ورأت الصحيفة الأميركية؛ أنه بينما يبدو أن النظر إلى الخطر المتزايد للهجمات الصاروخية هو الخيار الأحوط، إلا أن الانسحاب الكامل لـ”الولايات المتحدة” سيُعطي “إيران” انتصارًا إستراتيجيًا كبيرًا.
محاولة لاستعادة قدرتها على الردع..
وقالت إن أحد البدائل المتاحة أمام إدارة “ترامب”؛ هو تصعيد الضربات المضادة الأميركية ضد أهداف إيرانية في “العراق” وربما في “إيران” نفسها، في محاولة لاستعادة قدرتها على الرّدع، الأمر الذي قد يُخاطر برد فعل سياسي في “العراق”؛ وربما مزيد من الخسائر الأميركية جراء الهجمات المضادة الإيرانية – وهو ما تأمله القيادة الإيرانية المتشددة.. أو يمكن للقادة الأميركيين أن يحاولوا تدبير أمورهم من من خلال إعادة الانتشار الجزئي وإتخاذ مزيد من الإجراءات الدفاعية ومناشدة القادة العراقيين لكبح جماح وكلاء “إيران”.
وأشارت (واشنطن بوست) إلى وابل من الصواريخ أطلقه وكلاء “إيران” مرتين، منذ 11 آذار/مارس الجاري، على قاعدة معسكر (التاجي)، المترامية الأطراف شمال العاصمة العراقية، “بغداد”، مما أدى إلى مقتل إثنين من الأميركيين وإصابة إثنين آخرين على الأقل.. من جانبها، شنت “الولايات المتحدة” غارة انتقامية على خمسة مواقع وصفتها؛ بأنها مستودعات أسلحة لميليشيا (كتائب حزب الله)، مما أسفر عن مقتل عدد من رجال المليشيات والعديد من جنود الحكومة العراقية.. ويُهدد كلا الجانبين بإتخاذ مزيد من الإجراءات.
خطران يواجهان إدارة “ترامب”..
ووفقًا للصحيفة؛ تُشير الأعمال العدائية المتجددة إلى أن مقتل كبير الإستراتيجيين الإيرانيين، “قاسم سليماني”، وقائد ميليشيا عراقية كبير في غارة أميركية بطائرة بدون طيار، في أوائل كانون ثان/يناير الماضي، لم يُردع “إيران” ووكلائها العراقيين؛ بل وتُثير هذه الأعمال من جديد خطرين كبيرين يواجهان إدارة “ترامب”؛ ألا وهما أن “إيران” ستنجح في طرد القوات الأميركية من “العراق” أو أنها ستُجر “الولايات المتحدة” إلى صراع عسكري أكبر.
طموحات استثنائية لنظام “خامنئي”..
ورأت الصحيفة الأميركية أن هذين الخطرين يُمثلان فيما يبدو طموحات استثنائية لنظام المرشد الأعلى الإيراني، “علي خامنئي”، في وقت يُصارع فيه النظام الإيراني مع أحد أشد الفيروسات فتكًا في العالم، فضلًا عن الإنكماش الاقتصادي الحاد والاضطرابات الداخلية المتزايدة التي تجتاح البلاد.
وأستدركت قائلة إن “خامنئي” قد يرى الصراع مع “الولايات المتحدة” على أنه أفضل سبيل للخروج من التحديات الداخلية التي تواجه النظام الإيراني، موضحة أن مقتل “سليماني” خلق بعد كل شيء فيضًا نادرًا من المشاعر الوطنية.
يعود “داعش” للصعود..
في سياق ذي صلة، حذر القيادي الثاني في “التحالف الدولي” ضد تنظيم (داعش) في “العراق” و”سوريا”، الجنرال الأميركي، “أليكسوس غرينكويتش”، في تصريحات له، بأنه ما زال من الممكن أن يعود التنظيم إلى الصعود في حال انسحاب القوات الأميركية من “العراق”.
وأكد الجنرال “غرينكيويتش”، خلال مؤتمر صحافي في (البنتاغون)، أن التنظيم المتشدد: “ما زال بالتأكيد يُشكل خطرًا”، محذرًا بأن: “لديه القدرة على الظهور مجددًا إن أزلنا الضغط عنه لوقت طويل”، لكنه أوضح أنه لا يرى تهديدًا باستعادته قوته، مضيفًا: “لكن كلما أزلنا الضغط عنه لوقت أطول، إزداد هذا الخطر”.
وأشار الجنرال “غرينكويتش”؛ إلى أن (داعش) كشف عن ضعفه الهيكلي من خلال عجزه عن استغلال التظاهرات الجارية في “العراق”، منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، للمطالبة بإصلاحات سياسية.
وأوضح أن المشاركين في “التحالف الدولي” قاموا، خلال الأشهر الماضية، بتقييم وضع التنظيم بعدما خسر، في آذار/مارس الجاري، أراضي سيطرته في أجزاء من “سوريا” و”العراق”، إثر معارك مع القوات المدعومة من التحالف استمرت سنوات.
وقال إن الهدف كان معرفة ما إذا كان التنظيم “ينتهج نوعًا من إستراتيجية تريّث بانتظار فرصة يمكنه استغلالها، أم أنه خاضع فعلًا للضغط ويفتقر إلى القدرات والإمكانات”.
وتابع أن التظاهرات في “العراق” ساعدت التحالف على تطوير تقييمه واستنتج أن التنظيم “يُعاني من نقص في القدرات والإمكانات أكثر مما هو يتريّث إستراتيجيًا”.
أكثر مهارة وخطر من تنظيم “القاعدة”..
وعلى جانب آخر؛ كانت قد نشرت شبكة الـ (بي. بي. سي) البريطانية، كانون أول/ديسمبر الماضي، تقريرًا نسبته لمصادر استخباراتية وعسكرية، أكدت فيه أن هناك دلائل متزايدة على أن تنظيم (داعش) الإرهابي يُعيد تنظيم صفوفه في “العراق”، بعد عامين من فقدان آخر معاقله في البلاد.
وقال مسئولون في الاستخبارات الكُردية والغربية في التقرير؛ إن هجمات (داعش) في “العراق” تتزايد، وأن التنظيم يسعى جاهدًا لاستعادة معاقله.
ووفقًا لـ”لاهور طالباني”، وهو مسؤول كُردي في مجال مكافحة الإرهاب، فإن مسلحي (داعش) أصبحوا الآن أكثر مهارة وأخطر من تنظيم (القاعدة). وتابع: “لديهم تقنيات أفضل وأساليب أفضل وأموال كثيرة تحت تصرفهم. إنهم قادرون على شراء المركبات والأسلحة والمواد الغذائية والمعدات. ومن الناحية التكنولوجية هم أكثر ذكاءً ومن الصعب التخلص منهم”.
وقال “طالباني”، الذي يرأس وكالة (زانياري)، وهي واحدة من وكالتين استخباراتيتين في “كُردستان العراق”، إن التنظيم أمضى الأشهر الـ 12 الماضية في إعادة تنظيم صفوفه، وأضاف: “نرى أن الأنشطة تتزايد الآن، ونعتقد أن مرحلة إعادة البناء قد انتهت”.
وبيَن “طالباني”: “لقد ظهر نوع مختلف من (داعش)، لم يُعد يُريد السيطرة على أي منطقة حتى لا يُصبح هدفًا سهل الوصول إليه. بدلًا من ذلك أصبح مسلحو التنظيم يعملون بسرية، تحت الأرض، في جبال حمرين العراقية، وهي سلسلة طويلة من الجبال، تحتوي على الكثير من المخابيء والكهوف، ويصعب على الجيش العراقي السيطرة عليها”.
وحذر المسؤول الكُردي من استغلال (داعش) للاضطرابات الحالية في العاصمة العراقية، “بغداد”، والشعور بالعزلة الذي ينتاب الكثير من السُنة في “العراق”، ومن استغلاله كذلك لتوتر العلاقات بين “بغداد” وحكومة “إقليم كُردستان”، الذي بدأ في أعقاب استفتاء الاستقلال الكُردي في عام 2017.
وأنهى “طالباني” حديثه؛ قائلًا: “يجب أن يكون المجتمع الدولي قلقًا. كلما زاد إرتياح مسلحي التنظيم هنا، سيفكرون أكثر في تنفيذ مزيد من العمليات خارج العراق وسوريا”.
من جهته؛ يقول اللواء “سيروان بارزاني”، القائد العسكري في قوات (البيشمركة)، إن (داعش) قد يُسيطر على بعض المناطق الخالية من البشر التي تقع في شمال “العراق”. وتابع: “أشهر هذه المناطق هي الدلتا بين نهر الزاب العظيم ونهر دجلة. وتم رصد بعض أنشطة وتحركات (داعش) في هذه المنطقة”.
ووفقًا لتقارير مخابرات (البيشمركة)، تم تعزيز صفوف (داعش) في هذه المنطقة مؤخرًا بنحو 100 مقاتل عبروا الحدود من “سوريا”، بما في ذلك بعض الأجانب الذين يُحملون أحزمة انتحارية.
وقال “بارزاني”: “إذا استمر الوضع كما هو عليه في عام 2020، سوف يُعيد التنظيم رص صفوفه، وسيُصبح أكثر قوة وسوف يُنفذ الكثير من الهجمات”.
ويشهد “العراق”، منذ شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي، أكبر موجة احتجاجات، منذ عام 2003؛ حيث يُطالب المحتجون بالإطاحة بالنخبة السياسية التي يرون أنها مسؤولة عن الفساد وتخدم قوى أجنبية، بينما يعيش الكثير من العراقيين في فقر دون فرص عمل أو رعاية صحية أو تعليم.
وأنهت هذه الاضطرابات الهدوء النسبي الذي أعقب هزيمة تنظيم (داعش)، في 2017، باستعادة كامل أراضيه، التي كانت تُقدر بنحو ثلث مساحة البلاد إجتاحها التنظيم صيف 2014، لكن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة بـ”العراق” ويشن هجمات بين فترات متباينة.