الانسان حسب المفهوم القرآني هو خليفة الله في الأرض على قاعدة إني جاعل في الأرض خليفة. بناء على ذلك الانسان هو الغاية السامية وهو غاية الوجود. الدين ليس مقدس ولكن الانسان هو المقدس إذا فكرنا بلغة التقديس التي ينادي بها الدينيون بشكل عام. لكن المغالطة الكبرى التي وقعت بها التيارات السياسية الإسلامية وبعض مفسري الدين الإسلامي والمحسوبين عليه نظروا بطريقة مغايرةالى تلك النظرة القرآنية الشاملة للمفهوم الإنساني وحياة البشر على كوكب الأرض.
حماية الانسان على كوكب الأرض واحترام حياته وخصوصيته هي التي جعلت الانسان يتفوق ويسود ويسخٌر طاقات الأرض ليصنع حياة مرفهة وبالتالي يخلق بيئة صالحة للأبداع والتفاعل يسودها الامن والسلام والتعايش الإنساني. هذه العناوين العريضة الواضحة التي تعد بديهيات الحياة اصطدمت مع الفكر المقدس للتيار السياسي المتاسلم وتفسير الفكر الإسلامي بشكل عام. ان تقديم الدين ونصوصه وطقوسه وايديولوجيته وفكره كمقدس اهم من الانسان ووجوده واحاسيسه ورفاهيته أوقعت المجتمع المسلم بفخ الازمات والانهيارات اللامتناهية في الشرق الأوسط.
اننا في الواقع الى الان لا نميز بين ما هو مقدس وما هو غير مقدس، كيف ننظر الى الاخر الذي لا يقدس ما نراه مقدس من الأمكنة والعقائد والافكار؟ صار التيارالإسلامي يفصٌل القدسية بمقص المصلحة ويبني على أساسها عدوانية الى الاخر وشرعية اقصائه والمقاطعة معه او اعلان الحرب ضده وسحقه وذبحه وتفجيره. الانسان حربما يعتقده ويضفي عليه صفة القدسية ولكن ليس من حقه ان يطالب الاخرين بنظرة قدسية لما يقدس، كذلك ليس من حق الاخر الاستخفاف بمعتقدات مقدسة عند البعض، وهنا تترسم الحدود بين الافراد ويتضح مفهوم المقدس المتغير. بلحاظ ذلك يظهر الشيء المقدس الوحيد المفروض على جميع مخلوقات الأرض وقوانينها هو الانسان. الانسان بمفهومه المجرد ككائن له حق الحياة والعيش واحترام احاسيسه وممتلكاته ومدخراته. ذلك ما يتوضح في الأديان بشكل عام والقوانين الوضعية الغربية التي هي نتاج بشري وتجربة بشرية عاشها المجتمع الغربي بعد قصة كفاح طويلة مع قوى التخلف والظلام لينتزع قدسية الانسان من اديان ومؤسسات ارادت ان تصادر انسانيته.
لقد صادرت الدوائر الإسلامية والمراجع الإسلامية والتيارات السياسية والمؤسسة الدينية الإسلامية بشكل عام كأفراد وأحزاب ومؤسسات ودول وحكومات صادرت إنسانية الانسان لصالح المقدس. لكن المقدس في فكر الحراك الإسلامي ليس الانسان. المقدس لديها متغير وغير ثابت ويرتبط مع عملية المحافظة على المصالح والاجندات السياسية، فترى المقدس احياناً لدى تلك الدوائر هو المذهب!! لذا تحشد قواتها باتجاه الاستقطاب المذهبي وتجعل المذهب هو القلعة المقدسة التي (تستحق) تقديم الناس كقرابين رخيصة للمحافظة على قدسية المذهب. مثال على ذلك ما يجري الان في العراق وسوريا وبعض دول المنطقة من تحشيد الاستقطاب الطائفي والمذهبي وتحويله الى مقدس يموت من اجله ملايين البشر وتنتهك حرمة الانسان المقدس بشكل يومي وأصبح ذبح الانسان واغتصاب النساء وانتهاك حقوق وحريات الناس طقسية يرفع عليها شعار (الله أكبر) ليحتفلوابالذبح على الطريقة الإسلامية.
نحن وشعب المايا
في دراسات عديدة في مجال علم الأنثروبولوجيا او علم الاجناس تركز في أسباب انهيار الحضارات تتداول نظرية عالم الاثار الأمريكي جيرد دايموند صاحب كتاب انهيار الحضارات والذي يقيس انهيار الحضارات على اساس 5 مقاسات هي الحرب الاهلية، الحرب الخارجية، الظروف البيئية التي تقضي على مصادر غذاء الانسان، الكوارث الطبيعية، والمقاس الخامس الذي يؤدي الى انهيار الحضارة هو الاخلاق. دايموند يعزي انهيار مجتمع المايا في أمريكا الجنوبية على سبيل المثال الى سبب أخلاقي واعتبره واحداً من اهم العوامل التي أدت الى اندثار مجتمع المايا الى غير رجعة. كان شعب المايا يدفن عائلة الميت وحيواناته معه، وكانوا يذبحون الاسرى قرابين لألهتهم. كان شعب المايا يعتقد ان دم الانسان هو عنوان الحياة والخصوبة لذا كانوا يشربون دم الأعداء وينشروه على أراضيهم كي تكون أكثر خصوبة. شعب المايا كان يمارس عادات غريبة في هذا المجال يمكن الاطلاع على بعض سلوكياتهم في فلم ابوكالبتو للمخرج ميل جبسون.
العالم الأمريكي دايموند اعتقد ان سبب انهيار حضارة المايا على الرغم مما حققوه من تقدم في الهندسة والعلوم والرياضيات هي تلك الممارسات التي تنتهك حياة الانسان واعتبرها ممارسات لا أخلاقية تسببت في اندثارهم وغيابهم عن مسرح الحياة الى الابد. حينما نذهب أعمق في تاريخ الشعوب والحضارات نجد ان عدم احترام الانسان كان أكبر الأسباب التي أدت الى انهيارهم. ان مفاهيم الدين الإسلامي لن تغفل هذا الجانب سواء في نصوص القران او الأحاديث عن النبي الا ان تلك النصوص تغيب حينما يتحول الإسلام الى اجندة سياسية يدافع عن الحكم ويستغرق في السياسة. تاريخياً كان معظم حكام المسلمين غير انسانيين ولا يحترمون حياة الانسان وحقه في العيش، كانوا يمارسون الانتهاكات للحفاظ على مناصبهم وكانوا يسحقون الخصم بلا رحمة. الدين الإسلامي على مر التاريخ ينحرف عن مساره حينما يتدخل بالسياسة، قوانين الإسلام ونصوصه تصادر وتعطل عن العمل ويجد لها كهنة الدين الإسلامي مبررات تجيز الممنوع، وتستحدث فتاوى ونصوص وأحاديث جديدة لدعم صراعهم مع الخصم. التيارات السياسية الإسلامية في الوقت الحاضر لا تختلف في طرحها السياسي مع طرح سلاطين وملوك المسلمين في الماضي، كلا الفريقين مارسا ويمارسا الفكر الميكافيلي في طرحهما السياسي ولديهم الغاية تبرر الوسيلة. بهذا الأسلوب يشرعن تيار الإسلام السياسي بفتاوى مستحدثة ذبح الانسان وتفجير الجسد البشري والإباحية الجنسية تحت مبررات مشرعنة ومغلفة بنصوص وأحاديث الإسلام لدعم المجاهدين وسحق الخصم دون رحمة!!
في هذه الحالة تحول الدين الإسلامي بجميع مذاهبه الى حاضنة وماكينة انتاج أحزاب ميكافيلية وميليشيات لا تتمتع بفرملة دينية او وضعية كقوانين حقوق الانسان.
من هنا أفرغ الفكر الإسلامي تماماً من اية انتماءات حضارية لاحترام حقوق الانسان في العيش والوجود، او احترام خصوصية الانسان في حقه بتبني أي فكر او أي دين يرتضيه لنفسه او قد لا يختار أي منهما، هذه الخصوصية ينسفها الفكر الإسلامي المسيس وغير المسيس، ووجود نصوص إسلامية لا ترضى بذلك قد لا تجد لها أي دور او قدرة بالتأثير. المسلمون في الوقت الحاضر بحاجة الى صناعة تيار شعبي رافض لتأسيس أي حزب او مليشيا على أساس الدين. او السماح لكهنة الدين بالتدخل بالشأن السياسي للدولة، ولابد من العكس ايضاً بعدم السماح للسياسيين باستخدام الدين او كهنة الإسلام في حملاتهم الانتخابية والتحشيد لمشاريع سياسية. الدين هو أحد المدخرات الاجتماعية التي يحتاجها الفرد لينهل منها الطاقة الروحية التي تعينه للاستمرار في معترك الحياة، اذن على المسلمين ان يعترضوا على خطف دينهم وتحويله الى الة قتل وصفقات سياسية متداولة في سوق السياسة الرخيص.