23 نوفمبر، 2024 1:54 ص
Search
Close this search box.

انقذوا العراق من مخالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

انقذوا العراق من مخالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي

نشر الأستاذ صائب خليل الذي ينبغي تحيته على جهده الدائب في ملاحقة المؤامرات التي تنهال على وطننا من كل جانب وفضحها بقلمه الحاد البارع مقالة مهمة جدا جاءت تحت عنوان: “اقتصادية البنك الدولي تستقيل لأن قروضه تهرب للأثرياء والشعوب تغرق في تسديدها”*.
ويهمني الإشارة هنا إلى أنني أصدرت قبل شهرين كتابا ضخما ( 1270 صفحة) ويقع في ثلاثة أجزاء عنوانه:
(البنك الدولي وصندوق النقد الدولي: أدوات للتعمير أم للتدمير؟! – مراجعة نتائج برامجها للإصلاح الهيكلي في أكثر من 50 دولة)..
ومن المهم القول اولا أن الكتاب مترجم ومُعد عن مئات الدراسات والوثائق المسربة لخبراء ومحللين اقصاديين أمريكان وبريطانيين بالدرجة الرئيسية أي أن الكتاب ليس من بنات أفكاري كما يُقال بل هو من نفس البلدان التي أسست ودعمت وترعى البنك والصندوق خاليا.
وقد ذكرت في فصله الأول أسماء وشهادات بعض مدراء البنك وكبار خبرائه القانونيين ومستشاريه الذين استقالوا بسبب السلوك التدميري لهذه المنظمات الذي يدمر اقتصاديات الدول النامية ويصفي قطاعاتها العامة ويحوّل كافة ثرواتها إلى الشركات الغربية وينشر الفساد والرشى بين وزراء ومدراء وخبراء تلك الدول التي تزعم تطويرها. والأبشع من كل ذلك هو قيام هذا البنك والصندوق بتزوير أرقام الاحصائيات والدراسات كي يثبت فشل اقتصاد الدول التي يريد “تطوير” اقتصادها. وللقارىء الكريم وارتباطا بمقالة صائب خليل المهمة أذكر هنا فقط مقطعا من رسالة الاستقالة التي كتبها الخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي “ديفيد بوهو” والتي وجّهها إلى السيّد “ميشيل كامديسيوس” مدير صندوق النقد الدولي آنذاك بعد أن وصل حدّاً لم يعد يتحمل فيه الكيفية المُدمّرة واللاأخلاقية التي يتلاعب بها خبراء الصندوق بالاحصائيات الاقتصادية المتعلقة بالدول النامية لإظهار اقتصاداتها وكأنها غير موثوقة وموشكة على الانهيار كي تفقد الأسواق العالمية الثقة بها وتُجبر على اللجوء إلى البنك الدولي للاقتراض والذي سوف يفرض عليها شروط برامجه للاصلاح الهيكلي مقابل هذه القروض التي تُسمى “حزم اانقاذ” وهي في الحقيقة – وكما سيرى السادة القرّاء – حزم للاستعباد والخراب. يقول ديفيد بوهو:
“أنا استقيل اليوم من فريق عمل صندوق النفد الدولي بعد أكثر من 12 عاما من الخدمة ، وبعد 1000 يوم من العمل الميداني في تأمين المساعدات الرسمية ؛ عمل تمثل في الاتجار بعلاجاتكم وبحقائبكم المملوءة بالخدع، وإرسالها إلى الحكومات والشعوب في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأفريقيا. تُعتبر الاستقالة بالنسبة إليّ اليوم تحرراً لا يُقدر بثمن ، لأني أخطو بها خطوتي الكبيرة الأولى إلى المكان الذي يسعني فيه أن أحلم بغسل يديّ مما يشكل ، في نظري ، دماء ملايين الفقراء والجياع … ، لقد كثُرت الدماء إلى حد أنها باتت أنهاراً. وهي تجف أيضا ونلتصق بي. أشعر أحيانا بانه ليس هناك ما يكفي من صابون في العالم لتنظيفي من كل الأشياء التي فعلتها باسمكم”
وفي كتابي أيضا اعترافات صاعقة لرئيس خبراء صندوق النقد الدولي وهو الخبير الاقتصادي المعروف عالمياً “جوزيف ستيغليتز” يكشف فيها وثائق خطيرة عن الدور التخريبي لصندوق النقد الدولي والذي أعلن بجرأة وبلا تردّد إن : “صندوق النقد الدولي يحكم على الناس بالموت”. وقد تم طرد السيد ستيغليتز من إدارة الصندوق.
تلا ذلك طرد كبيرة الخبراء القانونيين في البنك “كارين هودس” بعد أن كشفت معلومات ووقائع عن حالات فسادٍ مستشرٍ في عمل البنك الدولي طرحتها على المسؤولين الكبار المعنيين في مجلس إدارته فكانت النتيجة فصلها من عملها ومحاولة تأديبها. هنا تفضح كارين هودس ليس جانبا من عمليات الفساد في عمل البنك الدولي التخريبي فحسب بل تدق جرس الإنذار لتنبهنا عن النخبة المالية الثرية الفاسدة الجشعة التي تتلاعب بمقدرات العالم الاقتصادية والمالية وتدير الحكومات بصورة سرّية في ظل نظام عالمي استغلالي لا يعرف الرحمة ولا منطق يحكمه سوى جمع الأموال.
عذرا عن الاطالة لكنني أعتبر مقالة صائب خليل وكتابي نداء لأصحاب الضمائر الشريفة في الحكومة العراقية –ولا يخلو منهم العراق النجيب أبدا- كي يسارعوا لإنقاذ العراق من مخالب هذه المنظمات الشيطانية.
في مقالة مقبلة سوف أعيد التذكير لأن الذكرى تنفع الشرفاء بمحتويات كتابي الموثقة –وحسب الفصول- والتي توضح بشكل لا يقبل اللبس أن تسليم اقتصاد وطننا لأيدي مصاصي الدماء من خبراء البنك والصندوق يعني إطلاق رصاصة الموت على هذا الاقتصاد.
أما الآن فسوف أطرح خطوات السيناريو التدميري للمنظمتين الشيطانيتين كما اتبعاها في كل البلدان التي قاما بتدميرها وهو سيناريو موثق عبر تجارب خمسين دولة ضمّها الكتاب.
سيناريو الدمار الذي يتبعه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ثابت ومحدّد الخطوات ويمكنك تتبعه عبر تجارب عشرات الدول مع البنك والصندوق.
لابُدّ – أولا وقبل كل شىء – أن تكون الدولة المعنية “محتاجة” لقروض من ناحية ، ناجمة عن “أزمة” كانقلاب أو تضخم هائل أو فساد وغيرها من العوامل من ناحية أخرى. ولابد من أن تُشن حملة إعلامية هوجاء مدعمة بـ “دراسات وأرقام” مزوّرة من البنك أو من خبراء اقتصاديين من داخل البلاد يروجون للإفلاس القريب وفقدان الوراتب ومخاطر التضخم وضرورة بيع القطاع العام .. والأهم ضرورة اللجوء لقروض وخطط البنك والصندوق “للإنقاذ الاقتصادي”.
ثم يبدأ التنفيذ العملي للسيناريو بأن يلتقي وفد كبير جدا من الدولة المعنية بوفد كبير جدا من البنك الدولي تصحبه تغطية إعلامية هائلة مع مقالات لخبراء حسني النوايا أو قتلة اقتصاديين كما عرضنا سابقا يزيّنون الطريق لتلك الدولة من جانب ويضخمّون مشاكلها التي لا حلّ لها إلا على يد البنك من جانب آخر. (اجتمع وفد عراقي ضخم في عمان بالأردن قبل سنتين على ما أظن مع وفد كبير البنك الدولي ووقع على 61 شرطا لا نعرف ما هي)
ملاحظة رهيبة:
من شروط البنك الدولي أن اي اتفاقية توقع تكون “سرّية” .. لماذا؟؟
وفي هذا الإجتماع – وكما هو متوقع من البنك الدولي حين يبدأ برامجه لتدمير دولة معينة – يكون المطلب الأول للبنك وهي الخطوة الأولى في تدمير اقتصادات أكثر من 50 دولة قام بـ “إصلاحها” ، هو مطلب تخفيض ميزانية الحكومة.
ماذا يعني تخفيض الميزانية ؟
يقول لك “خبراء” البنك الدولي أنت دولة تمر بظروف عسيرة ولكن ميزانيتك الحكومية لسنة 2020 مثلا ضخمة جدا . معنى هذا أن قروضنا سوف يبتلعها هذا الإنفاق الحكومي الكبير ، ولن ترجع أموالنا إلى البنوك والحكومات الغربية التي نأخذها منها. ولنضمن عودة أموالنا – طبعا مع الفوائد – عليك القيام بتخفيض الميزانية الحكومية .
فماذا يعني تخفيض الميزانية الحكومية ؟
يعني تخفيض الميزانية (وهو جزء مما يسمونه برامج التقشّف austerity programs ) :
تقليص عدد الموظفين والعمال والبدء بتسريحهم أو منحهم إجازات بدون راتب (هذا يعني البطالة وضعف أداء الدولة وتوقف المعامل وتدمير الصناعات الوطنية)
تقليص رواتب الموظفين وتقليل أجور العمّال
إلغاء أو تقليص دعم الدولة للتعليم وفرض رسوم على التعليم في الجامعات والمدارس بصورة تدريجية لامتصاص الصدمة الاجتماعية (هذا يعني عودة الأمّية واتساعها)
إلغاء أو تقليص دعم الدولة للصحةّ وفرض رسوم على الصحة والعلاج بخطوات تدريجية (هذا يعني عودة ونشر الأمراض وصولا للإبادة البشرية المثبتة في الوثائق الرسمية الأمريكية كما رأينا وسوف نرى في أجزاء الموسوعة السابقة والمقبلة).
إلغاء أو تقليص دعم الدولة للمواد الغذائية (إلغاء بطاقة التموين ومن الممكن أن يتم ذلك على مراحل لتجنب ردود الافعال) (هذا يعني سوء التغذية وانتشار الأمراض واتساع الفقر)
رفع أسعار الكهرباء
رفع أسعاء الماء
رفع أسعار البنزين
رفع اسعار نفط التدفئة
رفع تعريفة الهواتف الحكومية
رفع رسوم النقل الحكومي
إلغاء أو تقليص ..
إلغاء أو تقليص …
إلغاء أو تقليص …
إلغاء أو تقليص ..
وهكذا …
هذه الشروط تصل إلى 170 شرطا مثبتة في برنامج البنك الدولي (راجع فصول القسم (6) برامج الإصلاح أو التكييف الهيكلي ؛ ما هي وما هي نتائجها الفعلية من الجزء الأول من كتابنا آنف الذكر).
ماذا يسمّون هذه الإجراءات ؟
يسمّيها خبراء البنك الدولي : برامج التعديل أو الإصلاح الهيكلي أو برامج التكيّف الهيكلي structural adjustment programs ..
هذه البرامج باسمها الرنّان المضلّل تأتي ضمن سياسة البنك الدولي (ومعه توأمه : صندوق النقد الدولي) وباقي المؤسسات المالية الدولية (مثل البنك الدولي للتجارة والائتمان والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والآن معها البنوك والمجموعات الخليجية) تأتي ضمن مخطط البنك الهادف إلى تحويل اقتصاد البلاد حسب السياسة النيوليبرالية الجديدة التي بدأ بتطبيقها منذ بداية الثمانينات على 80 دولة وثبت فشلها حيث يتم إفقار الشعوب وتخمة الأقلية الفاسدة المرتبطة بالشركات الغربية ونهب ثروات البلاد وتحويلها إلى البنوك الغربية.
مخطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هذا موضوع ومرسوم بخبث ولكن بصيغة “علمية” من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية لإعادة الاستعمار القديم بصيغة اقتصادية حيث يتم تكبيل الدولة المستهدفة بالديون (السيادية خصوصاً التي يكون دفعها عند العجز مصادرة الثروات الوطنية) التي تستمر بدفع فوائدها مدى الحياة ولا تنتهي القروض الأصلية !! ومصادرة ثرواتها الوطنية (النفط والمعادن والمياه والغابات وووو.. وكل شىء).
ماذا تريد هذه السياسة النيولبيرالية الجديدة :
تصفية وبيع القطاع العام وشراؤه من قبل الشركات الغربية والخليجية بأبخس الأثمان (يتبع ذلك ارتفاع البطالة والفقر والجريمة وووو… )
سيطرة القطاع الخاص المرتبط بالشركات الغربية
إلغاء قرارات التأميم القديمة التي اتخذتها الحكومات الوطنية
عودة الشركات الغربية للسيطرة على الثروات الطبيعية
اكتفاء الدولة بتصدير سلعة أو سلع محددة كالنفط أو الغاز والمواد الأولية للشركات الصناعية الغربية
إلغاء قوانين العمل وتخفيض الأجور لتكون الدولة جاذبة للمستثمرين الغربيين من خلال قلة الأجور ووفرة الأيدي العاملة (لاحظ أن كل خطوة لها تبرير اقتصادي رنّان)
إلغاء القيود على الاستيراد وإلغاء التعريفات الكمركية (هذا يحطم الصناعة الوطنية التي لا تستطيع منافسة السلع الغربية أو سلع شرق آسيا مثلا)
إلغاء القيود على حركة رأس المال ونقل الأرباح إلى الخارج (خروج رؤوس الأموال من الدولة وتجفيف مواردها من العملة الصعبة تحت غطاء جذب المستثمرين واطمئنانهم على رؤوس أموالهم)
إلغاء الضرائب والقيود على حق الشركات في شراء وتملك الأراضي الوطنية وتأجيرها والتي قد يمتد تأجيرها أو منحها “مجاناً” وبلا ضرائب أحياناً لخمسين سنة…
زيادة صلاحيات الأقاليم ليتم تمرير الصفقات ونهب الثروات ودفع الرشاوى بعيدا عن أنظار الحكومة المركزية ، وتدعيم استقلالية الأطراف لإضعاف سيطرة الدولة المركزية تمهيدا لتفكيك الدولة.
تخفيض العملة الوطنية (تخفيض قيمة الليرة أو الجنيه أو الدينار تحت حجة تشجيع التصدير وهذا سوف يشعل الأسعار!!)
.. وغير ذلك الكثير من الشروط التي تصل إلى 170 شرطا كلها ضمن برنامج التعديل أو التكيف الهيكلي.
متى يوقّت البنك الدولي تدخّله وتقديم عروضه ؟
يوقّت البنك الدولي (وتوأمه: صندوق النقد الدولي ) تدخّله وقت نفاد أموال الدولة المستهدفة وتصاعد الأزمات والاحتجاجات الاجتماعية فيها بسبب الفساد والفقر والبطالة ليأتي بصورة منقذ ، ولهذا يسمّون حزمة الشروط المدمّرة التي يقدّمها باسم مضلل هو : “حزمة الإنقاذ bailout package” .
هذا التوقيت حصل مع كل دول العالم التي تعامل معها البنك الدولي. حيث يقوم بتأخير الاستجابة لمطالب تلك الدولة أو الإستجابة الجزئية التدريجية (وهذا مخطط نفسي واقتصادي مدروس) لحين نضوج شروط الإفلاس أو التفجّر الاجتماعي حيث تُقسم حزمة الانقاذ إلى “حزم” ثانوية (بالتقسيط الممل الذي يُتعب الحكومة ولا يُتعب خبراء البنك المعتادين على هذه السياسة والمتخصّصين بها)
وتوقيت مفاوضات البنك الدولي مع حكومة الدولة المستهدفة وقت الاضطرابات يفيد في شيئين :
الأول تمرير الاتفاقيات لأن الناس ستكون مشغولة بمصيبتها الاكبر ولا تلتفت للمصائب المقبلة .
وهنا تثور نقطة خطيرة جدا مرتبطة بهذه القضية وهي :
هل تعلم سيدي القارىء أن اتفاقيات البنك مع الحكومة – أي حكومة – هي اتفاقيات سرّية حسب قوانين البنك والصندوق ؟ وشرط البنك على الحكومة هو أن لا تعلنها على الشعب أو الرأي العام ؟. وهل تعلم أن اتفاقيات البنك السرية تكون مع الوزارات أي يمكن لأي وزير فاسد أو محدود الخبرة والذكاء أن يقترض على راحته.
تصوّروا منظمة اقتصادية تقول أن هدفها فائدة الحكومات والشعوب وإنقاذها من محنتها الاقتصادية كما تعلن في شعاراتها ومواقعها ..
فلماذا تكون اتفاقياتها سرّية ؟؟؟
الجواب عندك أيّها القارىء
والثاني هو : صبّ البنزين على النار لإشعال المزيد من الاضطرابات الاجتماعية والانتفاضات السياسية (صبّ البنزين وليس صبّ الزيت لأن الزيت قد يعني عند البعض زيت الطعام الذي يُستخدم للطبخ وليس للاحتجاجات !!).
فبإجراءات التقشّف سوف تتفاقم معاناة الناس الفقراء الذين كاوا يعانون أصلا من البطالة والفقر والمرض والجوع .. وكلّها ستوسّعها وتشجّعها إجراءات الإصلاح الهيكلي للبنك الدولي .. فتزداد الاحتجاجات وتتفكك الدولة .. وتتصاعد الصيحات من أجل الإنقاذ.
وضعْ في ذهنك أن فلسفة البنك والصندوق الجديدة تقوم على إلغاء أي دور للدولة في إدارة الاقتصاد والاكتفاء بحماية الشركات. ولهذا يستثني البنك والصندوق الحكومة من الرقابة على التسليح وتضخّم الجيوش الوطنية وقوات مكافحة الشعب وزيادات رواتبها ، لكي تكون هذه المؤسسات مرفّهة منعزلة عن واقع الشعب المؤلم ومستعدة للانقلاب وتقويض الديمقراطية المزعومة في ذروة الاضطرابات الاجتماعية ، وبالتالي تأتي حكومة “إنقاذ” (مدنية أو عسكرية يضمنها البنك) في صيغة المنقذ لكنها مستعدة لطلب المزيد من القروض لأن إدارة الاقتصاد المتهالك ليست من اختصاصها وسببه الحكومات السابقة.. وكل قرض تأخذه السلطة الجديدة لا تستطيع دفعه طبعا .. فتطلب قروضا جديدة وتضطر للموافقة على المزيد من الشروط وتحصل على المزيد من القروض التي تتراكم فوائدها وتستمر في دفع تلك الفوائد وتتراكم الديون الجديدة على الديون القديمة غير المدفوعة .. وتزداد الاحتجاجات والمعاناة .. وهكذا .. حلقة مفرغة مميتة ورهيبة ، والهدف واحد هو : نقل آخر فلس من تلك الدولة إلى البنوك الغربية والأمريكية والخليجية .. فالبنوك والشركات لا تعطي فلوسها لسواد عيون الشعوب ..
طبعا هذه الحكومة وبعد أن تُغرق البلاد في الديون سوف تواجه تفاقم الأومة الاقتصادية بشكل خطير جدا وسوف تخلي الحكم (لأسباب كثيرة منها نقمة الشعب الحائر والجائع) لجهة “منقذة” جديدة تتمثل في حكومة “تكنوقراط” ديمقراطية تتعهد بإنقاذ البلاد خصوصا وإنّ الدوائر السرّية تجعل الجماهير تطبّل وتلهج باسم التكنوقراط صباح مساء (أو “التنّوقراط” كما سمعت أحد البسطاء يلفظها) .. وهكذا .. حصل هذا الأمر مع عشرات الدول بنفس السيناريو أو سيناريو مقارب (البرازيل والأرجنتين وأوغندا ومصر وتونس وزامبيا وموزمبيق ورواندا والفلبين وبنغلاديش ووووووووووووووووو والقائمة تطول.
ومن المؤكد أنّ سؤالا مهما سيثور في أذهان القرّاء هو :
إذا كانت مخططات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقروضهما بهذا السوء والتدمير ، فلماذا توافق الحكومات عليها ؟.
ولأن الجواب على هذا السؤال طرحه حتى خبراء البنك الدولي وصندوق النقد المنشقين عنهما كما مُثبّت في مقدمة المقالة وفي فصول الكتاب ، أقول باختصار إن الأسباب هي :
وجود ضائقة مالية واقتصادية خانقة تخنق الحكومة وتدفعها للحصول على القروض بأي سبيل ومن أي جهة على الأقل لتوفير الرواتب للشعب كما يروجون
تزيين الطريق للاقتراض من قبل مجموعة من “الخبراء الاقتصاديين” أو “القتلة الاقتصاديين” تظهر على الشاشات ليل نهار تغسل عقول البشر بأطروحات البنك والصندوق المزعومة.
تصاعد الاحتجاجات والضغوط الاجتماعية التي تجعل الحكومة تبحث عن القروض من أي مصدر
وهناك شرط غريب وضعته الولايات المتححدة والدول الغربية على المؤسسات المالية الدولية وهو أن لا تقدّم اي قرض مالي لأي دولة محتاجة إلّا إذا حصلت هذه الدولة على تقرير “تزكية” من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأنها ماضية في طريق الاصلاحات الهيكلية . كما أنهما وضعا شرطا آخر جديدا ماكراً هو “حطاب النوايا” تضع فيه حكومة البلد المعني القيود في معصميها بنفسها حيث صارت حكومات البلدان المدينة ملزمة بوضع “خطابات النوايا” التي كانت لديهم للتعبير عن استعدادهم لبذل “جهود معقولة” لتحقيق التوازن في مشاكل المدفوعات. وهذا جعل الأمر يبدو كما لو أن البلاد نفسها تقترح التدابير التي يطلبها منها صندوق النقد الدولي في الحقيقة.
والعامل الخطير الآخر وجود فئات فاسدة تلتهم القروض والبلاد والعباد وتستفيد من إيقاع حكومتها في براثن مخططات البنك كما حصل في كل بلدان العالم الثمانين التي “أصلحها هيكليا” البنك والصندوق الدولي.
ولا ننسى الفعل الدعائي الهائل لعجلة إعلام الشركات العابرة للقارات (السي أن أن والفوكس وغيرها وكلها مملوكة لشركات الأسلحة أو الشركات الكبرى !!
ولاحظ أن وثائق سرية تشير إلى أن البنوك الغربية الدولية تموّل سريا الانقلابات العسكرية في الدول النامية لكي تأتي حكومات عسكرية تقبل بالقروض للتسليح والدفاع عن البلاد بعد خلق أعداء جاهزين .. إلخ !!! وفيلم الدولي The International يعطيك أنموذجاً ومعلومات قوية وموثقة حول هذا الموضوع برغم أنه إنتاج فنّي لكنه يعبر عن الحقيقة).
والله المُستعان على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
هامش:
* صحيفة المثقف- العدد: 4934 المصادف: 2020-03-09

أحدث المقالات

أحدث المقالات