26 نوفمبر، 2024 12:40 م
Search
Close this search box.

اختراع جديد .. مواجهة الأزمة بالأزمات

اختراع جديد .. مواجهة الأزمة بالأزمات

الأزمة بمفهومها البسيط ، هي عبارة عن ظرف طارئ او غير اعتيادي يخالف المألوف مما يتطلب إتباع إجراءات استثنائية او غير مسبوقة لمواجهة تأثيراتها وتداعياتها لتقليل الخسائر إلى ادني الحدود ، والأزمة قد تكون للفرد او للجماعة او للبلاد كما إن الأزمة قد تكون صحية او اجتماعية او سياسية او اقتصادية او غيرها ، ولا نجد الحاجة للتوسع هنا في تعريف الأزمة وأشكالها وأنواعها وحجمها وتأثيراتهالان شعبنا أدمن على معايشة الازمات بأنواعها وأشكالها وأضرارها منذ عقود وليس سنوات ،  وبذلك فان مانمر به حاليا من ( أزمة ) مالية بسبب انخفاض أسعار النفط وانخفاض حجم المبيعات لا يشكل أزمة حقيقية للعراق بالمفهوم الحرفي ، لان من شروط ألازمة أن تكون حدثا عابرا لم يسبق مروره بنفس الشكل من قبل ، وكما هو معروف فان أزماتنا المالية لم تنقطع يوما لأنها تكبر يوما بعد يوم وهي معروفة الأسباب والحجم والوصف وبقيت بدون معالجات وبذلك كبرت وترعرعت في ظل بيئة لا توفر القدر اللازم من التنمية ، ففي عام 2008 مر العراق بذات الأزمة عندما حصل شبه كساد عالمي وانخفضت أسعار النفط ، وتكررت الأزمة ذاتها في البلاد في سنة 2014 عندما تراجعت أسعار النفط وتعرضت البلاد إلى هجمات داعش التي أدت لاحتلال مساحات واسعة تقترب من الثلث ، وما يميز الأزمتين السابقتين إن العراق استطاع ( المرور) من خلالهمابمجموعة من الإجراءات غير الجذرية لأنها لم تستند إلى منهج جديد في إدارة الاقتصاد ، وإنما اعتمدت على الترقيعات من خلال الإصرار على إبقاء او زيادة الإنفاقات التشغيلية ومعالجة العجز من خلال الاستعانة بحوالات الخزينة والدين الداخلي والاقتراض من الآخرين مما رفع مستوى المديونية الداخلية والخارجية بشكل غير آمن ويعرض البلاد إلى مزيد من التداعيات .

وإذا افترضنا جدلا بأننا نمر اليوم بأزمة مالية بعد انخفاض أسعار النفط لمستويات مقاربة لعام 2008 ، فان أزمة 2020 تتشابه إلى حد ما مع أزمة 2014 من حيث الإصرار على تشكيل الحكومة بعد مخاض عسير وبقاء البلاد بدون موازنة اتحادية ووجود عدو على الأبواب ، ولعل الفرق إن العدو كان داعش واليوم تحول إلىفيروس كورونا ، وإذا كان هذا الوصف صحيح فإننا لا نمر بأزمة بالمعنى الدقيق لان من شروط الأزمة أنتكون ظرفا طارئا ولم يسبق مروره بالأمد القريب ، وبلدنا يمر في كل سنة  بأزمة مالية بدليل تمرير الموازنة بصعوبات كبيرة وعلى أساس التوافقات وهي تحوي على عجز كبير وتخلو من المعالجات والانجازات، كما إن أسعار النفط لم تستقر على سعر محدد منذ سنوات لأنها تتراوح بين الارتفاع والانخفاض ، وان ذلك يعني إن ما نمر به حاليا يفترض إن لا يشكل أزمة بل قصورا في التنبؤ والتخمين لان الخبراء والمستشارين كان عليهم توقع انخفاض الطلب على النفط وانخفاض الأسعار لان ولادة الوباء العالمي تمت في الصين التي تعد من اكبر المستهلكين للنفط ، وإذا كان الأمر هكذا فلماذا يتم التهويل للمشكلة وإعطائها هذا الحجم من الاهتمام ؟، وطرح هذا السؤال لا يأتي من فراغ لان القاصي والداني يعلم إن حكومة السيد عادل عبد المهدي قد قامت بإعداد موازنة 2020 منذ أيلول 2019 ولكن لم يتم إحالتها إلى مجلس النواب لتحولها إلى حكومة تصريف الأعمال بعد التظاهرات وقبول استقالة رئيس مجلس الوزراء ، ومحتويات موازنة 2020 معروفة للجميع فهي تتضمن عجزا يصل إلى 50 مليار دولار ونسبة النفقات التشغيلية فيها اكبر بكثير من النفقات الرأسمالية .

ومن الأدلة على عجزها الكبير إن مجلس الوزراء شكل لجنة برئاسة نائب رئيس المجلس للشؤون الاقتصادية ( وزير المالية ) بموجب قراره 428 لسنة  2019 للنظر في تخفيض النفقات التشغيلية بما يؤدي إلى تقليل العجز ، وكما هو معروف فان وجود عجز في الموازنة لأكثر من 50 تريليون دينار يعني وجود نقصا في الإيرادات يرقى إلى مستوى المشكلة المالية ولكنه ليس أزمة مادام أمرا معتادا ويتكرر في الموازنات الاتحادية للبلاد ، وما أضاف لهذه المشكلة هو الانخفاض ( المتوقع ) بأسعار النفط ووصوله لأقل من المعدلات السائدةواحتمال بقاءه بمستويات لا تقترب من 50 دولار إلا بعد انجلاء أزمة فيروس كورونا التي تحولت إلى أزمة فعلية تمس العديد من اقتصاديات البلدان ، وسواء كان الانخفاض الحالي يشكل أزمة او مشكلة بحسبوجهات نظر البعض فان الحلول لا يمكن أن تأتي من خلال مواجهة الأزمة بالأزمة باللجوء إلى حلول غير جذرية كتوسيع الاقتراض ( مثلا ) والتلميح بالمس برواتب الموظفين والمتقاعدين لان زوال الأزمة يتطلب إجراءات غير مطروقة تتضمن إعادة هيكلة الاقتصاد وإعادة النظر بالامتيازات والهبات ، ونعتقد إن السنوات الماضية شهدت عرض وطرح المئات او الآلاف من الحلول الورقية التي أدرجت بعضها في البرامج الحكوميةلتحويل اقتصادنا الوطني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ، باعتباره بلد غني بالثروات والموارد المختلفة ولكن ما ينقصه الفرصة والحرية والحزم في ولوج الحلول وليس تكرار الازمات ، فالبقاء على الوضع الحالي بدون قرارات حاسمة بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة سيجعلنا ندور بحلقات مفرغة من خلال الخروج من أزمة والدخول بأزمات ، والأزمات لا تحل بالأزمات لأنه منهج دخيل ومستحيل ولم يسبق ولوجه في اقتصاديات البلدان التي تخلصت من الازمات وأصبح لها شأن في تلبية الاحتياجات وتحقيق الرفاهيةللشعوب .

أحدث المقالات