ان يكون في هذا الوقت بالذات، مسؤول ايراني رفيع المستوى بحجم الامين العام لمجلس الامن القومي الايراني الادميرال علي شمخاني في العاصمة العراقية بغداد، فأن ذلك يعني الشيء الكثير، الذي يحتاج الى وقفة طويلة وقراءة معمقة لتفاعلات الوقائع والاحداث بكل جوانبها واتجاهاتها، وطبيعة العلاقة العراقية الايرانية بمختلف مستوياتها وعناوينها.
جاء الادميرال شمخاني الى بغداد بدعوة رسمية من مستشار الامن الوطني العراقي فالح الفياض، بحسب بيان صادر عن مكتب الاخير، قال فيه ان الفياض اكد على “اهمية التعاون بين العراق وايران لمواجهة فايروس كورونا، في الوقت الذي شدد الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني على ضرورة ان يستعيد العراق دوره الاقليمي والدولي، وقد بحث الجانبان الواقع السياسي والإستراتيجي في المنطقة وتأثير انتشار مرض كورونا في المنطقة لاسيما على مستوى التواصل بين الدولتين، كما جرى بحث المشاكل في المنطقة وسبل حلها وآفاق تطوير العلاقات بين العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية بما يخدم مصالح الشعبين”.
وجاء شمخاني الى بغداد، في الوقت الذي تواجه بلاده ازمة خطيرة ومقلقة بسبب فايروس كورونا، الذي اجتاح دولا عديدة من العالم، من بينها ايران والعراق.
وجاء شمخاني، في وقت تنشغل فيه الاوساط والمحافل السياسية العراقية بحراك متواصل وتسابق الزمن من اجل حسم موضوعة رئاسة الوزراء بعد وصول رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي الى طريق مسدود واعتذاره عن اكمال المهمة.
واضافة الى لقائه الفياض، اجتمع شمخاني مع رئيس حكومة تصريف الاعمال عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمى، وزعامات وشخصيات وحكومية مختلفة.
فايروس كورونا حظى بحيز كبير من مباحثات شمخاني مع المسؤولين العراقيين، وهذا امر طبيعي جدا، لانه بات يمثل قضية عالمية تشغل بال الجميع، لاسيما ايران التي شهدت انتشار الفايروس على نطاق واسع، وكذلك العراق، الذي شهد هو الاخر عشرات الاصابات بمدن مختلفة في الشمال والوسط والجنوب.
وبما ان هناك علاقات وروابط اقتصادية قوية الى جانب العلاقات والروابط السياسية والامنية بين العراق وايران، فأنه من المتوقع ان تلقي كل الاجراءات والخطط الاحترازية والوقائية بظلالها الثقيلة على العلاقات والمصالح الاقتصادية لكل الطرفين، سواء ما يتعلق بالتبادلات التجارية، او السياحة الدينية وغيرها من المظاهر الاخرى.
والمعروف ان حجم المبادلات التجارية بين العراق وايران يبلغ سنويا حوالي عشرة مليارات دولار، هذا الى جانب السياحة الدينية التي تدر على الطرفين موارد مالية جيدة وتساهم في انعاش حركة الاسواق وتوفير فرص العمل، وهذه كلها تأثرت بشكل واضح وملموس مع اغلاق المنافذ البرية والجوية او تقييدها الى حد كبير، وفرض اجراءات صارمة لمنع انتشار وتفشي الفايروس على نطاق اكبر واوسع.
ولاشك ان العمل على تقليل الاثار السلبية الاقتصادية بأقصى قدر ممكن، والبحث عن معالجات وبدائل، يمثل اولوية لكل من بغداد وطهران.
وبموازاة البعد الاقتصادي، فأن البعد الصحي والبيئي لمواجهة كورونا، كان هو الاخر موضع اهتمام كبير في مباحثات شمخاني ببغداد، علما ان بعض اعضاء الوفد المرافق له كانوا من ذوي الاختصاصات الطبية والعلمية، بحسب ما اشارت المصادر التي كانت قريبة من اجواء المباحثات.
وبينما اكد شمخاني استعداد بلاده لنقل تجاربها الى الحكومة العراقية في مجال مكافحة فيروس كورونا، عبّر رئيس حكومة تصريف الاعمال عادل عبد المهدي عن شكره وتقديره لاقتراح ايران بتقديم العون للعراق في مكافحة فايروس كورونا، مشيرا الى انه من الطبيعي ان جميع الدول بحاجة الى التعاون فيما بينها في مواجهة هكذا كوارث.
والى جانب ذلك فأن ملفات الامن الاقليمي، وازمات المنطقة، والتحديات والتهديدات الناتجة عن السياسات والاجندات الاميركية والاسرائيلية، وسبل تعزيز ومواصلة التعاون والتنسيق في محاربة الارهاب التكفيري، كانت حاضرة بقوة ايضا على طاولة مباحثات الادميرال شمخاني مع كبار الساسة والمسؤولين العراقيين، علما ان ملف رئاسة الوزراء، لم تغب هي الاخرى، والتي صرح شمخاني بشأنها قائلا، “نحن نريد المشاركة الحقيقية بين الشيعة والكرد والسنة في إدارة البلاد، ولذلك على جميع المكونات السياسية العراقية ان تتحد من اجل تحقيق التقدم للبلد وتقديم الخدمات للشعب”.
خلاصة القول ان الرسائل التي انطوت عليها زيارة المسؤول الايراني الكبير لبغداد في هذا الوقت بالذات كانت عميقة ودقيقة ومهمة من اية زاوية نظرنا اليها وتعاطينا معها، ومحورها “ان بغداد وطهران معا في كل الاوقات والظروف”.
———————–
*كاتب وصحافي عراقي