خاص : كتبت – هانم التمساح :
الأحزاب العراقية كلها، السُنية والشيعية والكُردية، متضامنة فيما بينها إذا ما تعلق الأمر بتهديد مصالحها وهي تجتمع في اللحظة التي يُشكل فيها الشعب العراقي خطرًا عليها وعلى مصالحها. وهو ما يعني أنها تكذب حين تدعي أنها تُمثل أحدًا من العراقيين. فهي لا تُمثل إلا مصالحها.. وتسعى للحفاط عليها غير ملتفتة لغضب الشارع الذي يرفض استمرار “عادل عبدالمهدي”، كما يرفض هذه الأحزاب ذاتها.. وبعد إفشال كل محاولات التغيير عادت مرة أخرى دعوات لاستمرار حكومة “عبدالمهدي” !
وعادت أطراف سياسية تدعو لإعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، بتشكيل الحكومة العتيدة، أو استمراره بحكومة تصريف الأعمال إلى حين موعد الانتخابات المبكرة، فيما يواجَه هذا الطرح برفض كبير من بعض القوى السياسية الأخرى، فضلاً عن رفض المحتجين الواضح لهذا الأمر.
وتفيد تسريبات بأن بعض القوى داخل كتلة (البناء) تسعى إلى إعادة تكليف “عبدالمهدي” بالمنصب أو الإبقاء عليه كرئيس حكومة تصريف أعمال حتى الانتخابات المبكرة.
“شمخاني” ناقش الفكرة..
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام محلية؛ فإن الهدف من زيارة الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، “علي شمخاني”، هو طرح إمكانية إبقاء رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، إلى حين إجراء انتخابات مبكرة.
وأشارت مصادر سياسية إلى أن: “بعض القيادات السياسية رفضت هذا الاقتراح، من بينهم رئيس ائتلاف (دولة القانون) نوري المالكي، ورئيس الجمهورية برهم صالح”. ولعل أبرز ما يُعرقل تلك المساعي هو رفض المحتجين العراقيين الذين يُحمّلون “عبدالمهدي” المسؤولية الأكبر في قمع حركة الاحتجاج، فضلاً عن رفض المرجعية الدينية، آية الله “علي السيستاني”، لهذا الأمر.
الكتل السياسية بين مؤيد ورافض..
في سياق متصل؛ تُفيد الأنباء الواردة بأن اجتماعات تجرى منذ أيام بين الكتل الشيعية لحسم ملف رئاسة الوزراء، فيما تُشير تلك التسريبات إلى أن أبرز الأسماء التي تم طرحها؛ هي رئيس جهاز الاستخبارات العراقي، “مصطفى الكاظمي”، والوزير السابق، “علي الشكري”.
ويبدو أن الاعتراضات على “الكاظمي”، من قِبل التيارات القريبة من “إيران”، بدأت تتبدد تحديدًا بعد لقائه “شمخاني”. ولعل ما يُرجح التوافق على “الكاظمي”، بين الكتل السياسية، هو أن بعض الأطراف ترى أنه قادر على أن يكون عنصر تسوية بين “إيران” و”الولايات المتحدة”، والعودة إلى مرحلة التوافق بين الطرفين بشأن “العراق”.
أما ما يُعقد موقف “الشكري”؛ فهو يلقى رفض من زعيم (التيار الصدري)، “مقتدى الصدر”، له، حيث كان ضمن (التيار الصدري) في السابق، لكنه غادره في السنوات الأخيرة. أما عن عودة “عبدالمهدي” لتولي رئاسة الحكومة؛ فإن أبرز الكتل السياسية الرافضة هذا السيناريو، هي تحالف (سائرون)، حيث يشترك (التيار الصدري) في الاحتجاجات متأرجحًا تارة بالرفض وتارة بالقبول، فضلاً عن تحالف (النصر) وكتلة (الحكمة) وائتلاف (الوطنية) وبعض القوى الأخرى.
“البناء” تدعم عودة “عبدالمهدي”..
في السياق ذاته؛ قال النائب عن كتلة (البناء)، “خالد الأسدي”؛ إن: “هناك حوارًا قائمًا بين القوى السياسية فيما يتعلق بقضية تشكيل الحكومة وتكليف شخص جديد لمنصب رئيس الوزراء”، مبينًا أن هناك فعلاً مَن يطرح فكرة التمديد لـ”عبدالمهدي” إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقات. وأوضح “الأسدي” أن: “مَن يطرح فكرة التمديد أو تجديد الثقة بعبدالمهدي يطرح مبررات الواقع ذاتها؛ بغض النظر عن قبول تلك المبررات أو رفضها”، لافتًا إلى أن: “التوجه العام هو تكليف شخص جديد”.
وأشار إلى وجود “شخصيات مطروحة تخضع للنقاش والبحث، ونأمل بأن يُحسم الحوار خلال هذا الأسبوع حتى يستطيع رئيس الجمهورية المضي بإجراءات التكليف ضمن السياقات الدستورية المتعلقة بالكتلة الأكبر”، مردفًا: “نرى أن كتلة البناء هي الكتلة الأكبر”.
“الفتح” ينفي..
في المقابل؛ نفى النائب عن تحالف (الفتح)، “حنين قدو”: “التقارير الإعلامية التي تحدثت عن وجود تحالف سياسي جديد، (شيعي-سُني-كُردي)، يهدف إلى إعادة، عادل عبدالمهدي، إلى السلطة”، قائلًا إنه: “لا يوجد تحالف كهذا، والعمل مستمر لإيجاد رئيس وزراء جديد”. وأضاف أن: “هناك ثلاثة أمور تمنع عودة، عبدالمهدي، إلى السلطة من جديد، وهي الدستور العراقي الذي يدعم التداول السلمي للسلطة، وهو لا يسمح بعودة رئيس وزراء قدم استقالته إلى الحكم، كما أن هناك رفضًا شعبيًا لوجوده بالسلطة”.
المليشيات تدعم عودته..
المليشيات المسلحة، التي أستماتت في الدفاع عن بقاء حكومة “عبدالمهدي”، عبر اللجوء لكل أنواع القمع لمنع التطاهرات ضد الحكومة، بالطبع ترى في بقاء حكومة “عبدالمهدي” أنسب الفرص للتستُر على جرائمها.
وأنبرت مليشيا (كتائب حزب الله)، التي ألمحت أكثر من مرة لعودة “عادل عبدالمهدي” إلى منصب رئاسة الحكومة، في مهاجمة “مصطفى الكاظمي”؛ باعتباره المرشح الأوفر حظًا، وأعربت عن استعدادها لتقديم معلومات عن مقتل “سليماني” و”المهندس” على أن تقدم لرئيس الوزراء السابق، “عادل عبدالمهدي”، مشترطة عودته للمنصب.
مبررات لعودة “عبدالمهدي”..
ويُبرر أنصار عودة “عبدالمهدي” الموقف بأن المتدافعين على المنصب لا يتمتعون بالخبرة السياسية أو الحكمة، بحيث يقدمون على انتحار كهذا، وبما أن “عبدالمهدي” حدد موعد انتخابات وطالب بإنجاز القوانين المرتبطة بها، قد يكون بقاؤه كرئيس وزراء تصريف أعمال مع بقاء الخرق الدستوري واقع حال تقبل به أغلب القوى السياسية. فالجميع خائف من إعادة “عبدالمهدي” إلى المنصب، لكنهم يعتقدون أن بقاءه بات أمرًا ممكنًا، في ما لو لم تفضِ الحوارات السياسية إلى بديل. ويرى المدافعون عن بقاء “عبدالمهدي”، أن كل الشخصيات القادرة على تولي المنصب، والتي تمتلك خبرة إدارية وسياسية في التعامل مع الأزمات السياسية والإقليمية والدولية، بدأت تتردد عن الترشح بسبب الأزمة المالية الحالية والانخفاض الكبير في أسعار “النفط”.
وكان “عبدالمهدي” قد أعلن، في 2 آذار/مارس الحالي، أنه سيلجأ إلى ما سماه “الغياب الطوعي” عن حضور جلسات الحكومة، بعد انتهاء المدة الدستورية لها، فيما اقترح يوم 4 كانون أول/ديسمبر القادم، موعدًا للانتخابات المبكرة. ودعا “البرلمان” إلى عقد جلسة استثنائية لإتمام قانون الانتخابات وإحتساب الدوائر الانتخابية وقانون مفوضية الانتخابات.
الأكراد يُرحبون..
من جانبهم؛ أبدى النواب الأكراد داخل البرلمان ترحيبهم بعودة “عبدالمهدي” لتولي زمام الأمور؛ إذا توافقت عليه الكتل السياسية الشيعية، ولاعجب من موقف الأكراد؛ الذين كانو أكثر المستفيدون من حكومة “عبدالمهدي”؛ التي قدمت لـ”إقليم كُردستان” إمتيازات لم يكن يحلم بها على حساب ثروة باقي الشعب العراقي.
ولكن على القيادات المتسلطة، والأحزاب المستأثرة، أن تعي أن هناك انتفاضة شعبية، في طريقها إلى ثورة عارمة، إذا واصلت تلك القيادات والأحزاب، فسادها ونفوذها، وأدارت ظهرها، لإرادة الشعب ونضاله، نحو الإصلاح والتغيير، وعليها، أيضًا، أن تدرك أن الإستقواء بالمليشيات لن ينفعها، والإعتماد على دول أجنبية، لن يُفيدها، وأمامها طريقٍ واحد لا غير، الرضوخ للشعب، وتلبية مطالبه المشروعة، في “عراق حر” ومستقل وقوي، وإلا فإن الطوفان قابل عليها، يطيح بكياناتها وقادتها ورموزها، ويومئذٍ لن يُجدي الندم.