23 ديسمبر، 2024 9:12 م

الشيعة في مواجهة انفسهم

الشيعة في مواجهة انفسهم

اصبحت القضايا الاثنية والطائفية بعد خراب بغداد والشام هاجس المجتمعات العربية جميعا,فعادت هذه الامة المنحوسة او المنفوسة كما تحب ان تسميها عجائزنا بالتاريخ والحضارة والثروات الى مربع الجاهلية الاولى,
في مواجهة تشبه المواجهة الدموية في الحرب العراقية الايرانية 1980, حيث صرحت الامبراطورية الخبيثة  انها ستنتهي لاغالب ولامغلوب.
نجحت الاحزاب والحركات والتيارات السياسية الممثلة للمكون الشيعي وهم غالبية الشعب العراقي من مصادرة اصوات وحقوق جماهيرهم,بحجة ان الوجود الشيعي في خطر,وان دولا مجاورة تتأمر على الشعب من اجل افشال النموذج الديمقراطي الحديث في العراق,وان هذه الدول تكره المذهب او الطائفة الشيعية وتريد ابادتهم وابعادهم عن السلطة,
ومع ان هذا الكلام صحيح ولاغبار على بعض حقائقه,وان شرارة الفتنة الطائفية بعد ان حرقت العراق انتقلت الى سوريا ولبنان ومصر, ويراد لها ان تستمر لتمتد الى ايران,لغايات امبريالية بعيدة المدى, الهدف منها نشر قواعد امريكية ثابت عند حدود روسيا والصين بعد كسر اذرعهما في المنطقة,ولهذ نجد ان تركيا متحمسة لهذه الفرصة الذهبية الخبيثة,
الا ان هذه الحقائق تحولت الى نقمة وبلاء عانى منه الشارع العراقي برمته,فمع ان الثقافة العراقية في الاصل ثقافة قومية غير طائفية,الا ان صعود الحركات الاسلامية الشيعية السنية الى سدة الحكم التوافقي, هو من اجج وصعد من تلك الازمات الكارثية,وهذا الحال ينطبق على بقية الدول العربية كمصر التي حكمها الاخوان لفترة وجيزة, ثم انهار مشروعهم الطائفي الراديكالي تحت ضربات وصرخات وصيحات الشباب المصري الواعي,
بينما ينتظر بلدنا الجريح مضطرا ودون مبرر نتائج الاحداث في سوريا ولبنان,فالحدود العراقية الطويلة مع دول الجوار الاقليمي الملتهب, وبالاخص تركيا السعودية الاردن  لاتبشر بمستقبل امن لهذا البلد في حال انهيار النظام السوري.
الفائدة التي جنتها بعض الاحزاب الاسلامية وبالاخص الشيعية من كل تلك الاحداث المتسارعة هي استغلال مناصبهم وبعض شركائهم الفاسدين من بقية المكونات والتيارات في استنزاف ثروات البلد ونهبها,تارة تحت غطاء المنافع الاجتماعية ,وتارة اخرى عمولات التجارة الحرة,اي بمعنى اخر ان الدولة ليس لديها الوقت الكافي لابرام العقود التجارية والاقتصادية من الشركات والدول الاخرى, الا عن طريق الوسيط صاحب عمولات نهب اموال الدولة,هذا فضلا عن ان اغلب اعضاء البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات لديهم شركات, اما باسماءهم او باسماء ابناءهم واخوانهم بغية اخذ عطاءات الدولة لانفسهم,ولعل اغرب تصريح يسمعه  الشعب العراقي يوميا هو تصريح رئيس الوزراء المالكي ,ائتوني بدليل عن الفساد,والادلة لاتعد ولاتحصى, واوضاعها وهيئتها وصورتها البائسةتوثق حالة الفساد السيئة,مافيات منتشرة في اغلب مؤسسات ودوائر الدولة بحالة مخيفة وكريهة جدا,شملت حتى قطاع الانسانية والرحمة الصحة,اي ان اي لجنة محايدة تخرج من جحرها وتذهب لمعاينة مشاريع الطرق والخدمات البلدية ,والمشاريع الاخرى لترى نسبة وكفاءة ومتانة الانجاز, الخ.
اما الاستغلال الاخر الذي سخرت له الدولة كل امكانتها ومواردها هو احياء الشعائر الحسينية التي يراد لها ان تصرف الناس عن المطالبة بحقوقهم الادمية والانسانية من توفر الامن والامان الى لقمة العيش الكريم والخدمات الصحية والبلدية وغيرها,والمساهمة بتكرار صورة الخوف التي زرعها الارهابيين التكفيريين في بلادنا ,واعطاء صورة مظخمة عن الخطر السني العام,اي بمعنى ان عوام الشيعة لم يعد يفرق بين الوهابية والحركات السلفية التكفيرية لكثرة الجرائم ,وبين ضحايا هذا الفكر الشوفيني الاقصائي المريض من ابناء المذاهب السنية المسالمين والمعتدلين,
فالانتفاضة الاخلاقية والاعلامية التي حصلت في مصر بعد جريمة مقتل الشيخ شحاتة وبقية الشيعة دليل على نزاهة شرائح واسعة من ابناء شعبنا العربي,
التهويل من المخاطر المحتملة زادت من تفاعل اعداد هائلة من عوام الشيعة وبعض المتعلمين منهم في ممارسة الشعائر الحسينية المفرطة,بحيث تعطل الدولة تماما في ممارسة ظاهرة المسير(المشاية) الى كربلاء,الغريب ان جميع من يشارك في هذه الشعائر يبرر معاناته بانه يستلهم من هذه المشاركة مبادئ الامام الحسين ع في محاربة الطغاة والحكام الفاسدين,بينما يتخلف عن المشاركة في التظاهرات السلمية المطالبة بحقوقه وحقوق شعبه واولاده وابناء جيرانه ومحلته ومحافظته ووطنه,تصرف غريب عجيب ينم عن جهل مركب لايمكن تفكيكه الا برجال دين شرفاء كمحمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر رحمهم الله,وجيل ناضج واعي يقدم دمه فداء لقضيته العادلة كما قدمته من قبل كوكبة من المجاهدين والمناضلين في مواجهة النظام البعثي البائد من اجل الخلاص من الانظمة المستبدة,
ولعل في ذاكرة كل عراقي صورة لابطال المواجهة الملحمية مع نظام الشر صدم المقبور,وكذلك عبر الاستمرار في بث ثقافة الوعي الوطني الجمعي المعتدل,وهي مهمة المثقفين والفنانين والادباء والاعلاميين عموما والناشطين في منظمات المجتمع المدني ,وكل طبقات المجتمع المتعلم ,الخ.
ان المواجهة التي اندلعت في الشارع العراقي يوم الوحدة الوطنية, المناهض للطائفية والارهاب والفساد واهدار المال العام وترف المسؤولين,العاجزين عن توفير الامن حتى للمناطق التي تبعد عن حصون المنطقة الخضراء عدة كيلومترات,
هي مواجهة بين الجماهير المضطهدة المحرومة( الشيعيةتحديدا)مع الحكومة ,التي اهملت وتجاهلت وتغاضت عن معاناة جماهيريها,ودليل واضح عن تزايد الاحتجاجات والاعتراضات السلمية تجاه العديد من القضايا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والامنية المتراجعة او المنهارة,
 فمسألة عرقلة التظاهرات واغلاق الطرق واستخدام القوة المفرطة ضدهم, واعتقال بعض ناشطيهم هو استخفاف بمشاعر الشعب العراقي ,المستاء جدا من الاداء الحكومي الفاشل,
والا اي حكومة في العالم يجوز لها الاستمرار بالحكم وحمامات الدم اليومي تجري بجانبها دون اكتراث, أو تنام في سبات عميق عن جريمة هروب اخطر مجرمي العالم من سجن ابوغريب,
والتي كان المفروض أن تخضع وزارة الداخلية والعدل والقيادة العامة للقوات المسلحة للتحقيق امام البرلمان والقضاء العراقي,ثم اين هي الخطط الاستثمارية الانفجارية لاعادة اعمار الاقتصاد العراقي ,فالشعب لايسمع
غير الانفجارات الناجمة عن السيارات المفخخة والعبوات الناسفة,
اين مشاريع الطاقة والاستثمارات النفطية وعائداتها, اين مشاريع اعمار البنى التحتية وبرامج القضاء على البطالة, ماذا عن المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية ,
هل من الانصاف ان يقارن رئيس مجلس النواب او اعضاء المجلس امتيازاتهم ورواتبهم بالدول الديمقراطية المتقدمة,وغالبية هذه الدول رواتب الضمان الاجتماعي لمواطنيها العاطلين عن العمل او المتقاعدين يفوق راتب اي موظف عراقي, ويصل حد راتب الاستاذ  الجامعي,
,ان المخاوف من الازمات الاقليمية والاحداث الجارية في سوريا لايمكنها ان تكون مسوغا للاستمرار بالفساد الحكومي ,والتغاضي عن الاستجابة لمطالب الشعب المشروعة,
كيف يمكن لنا ان نقبل ان تعاد رواتب مليشيات عدي فدائيي صدام المجرمين ,بينما يعاقب ابناء الجنوب بالاهمال لانهم لم يكونوا منتسبين في الاجهزة القمعية الصدامية السابقة,
ان التظاهرات الشعبية التي انطلقت في عموم المحافظات العراقية عدا اقليم كردستان التي خرجت سابقا وفرضت ارادتها على حكومة الاقليم,وعدا محافظات الاعتصامات في المناطق الغربية
,وجهت رسالتين الاولى: لبقية مكونات الشعب العراقي بان مطالبهم وطنية خالصة ليس فيها نفس او شعار او كلمة طائفية, والمطالب تخص جميع مكونات الشعب دون استثناء,
والرسالة الثانية: القوية الى حكومة المالكي من ان عليه ان يترك باب الاستقالة مفتوحا بالنسبة لحكومته,ويجب ان يكون هذا الخيار مطروح امامكم بأستمرار ,
فيما لو بقيت مطالب وحقوق الشعب مهملة ومسلوبة,واذا بقي الارهاب مستمرا ,وقانون التقاعد للرئاسات الثلاث ساريا,وبقيت الهوة والفجوة الطبقية بين المسؤولين وبقية موظفي الدولة والمواطنين العاديين كبيرة,
ان الوضع  لايتحمل ولايسمح بالمزيد من التعابير والتصريحات المهدئة والمحشوة بالوعود الفضفاضة او رمي الكرة في ملعب الاخرين,
والاكثار من  والمؤتمرات الصحفية او الخطب الاسبوعية,الشعب واقع بين نارين نار الارهاب والفقر ,ونار المخططات التأمرية الاقليمية,
وعجلة الاصلاح لايمكن ان تبقى مكسورة الى الابد , بل هي إحدى خصائص ومميزات النظام الديمقراطي الحديث.