خاص: حاورته- سماح عادل
“إسلام علام” كاتب مصري، 25 سنة، صدر له رواية “بحر النور” ومجموعة قصصية بعنوان “عربي وأعجمي”، يعمل مترجم لغة إيطالية ومدرب للحساب الذهني في مجال تدريب الأطفال.
إلى الحوار:
(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– بدأ مع السنة الثانية لي بالجامعة حيث كنت أدرس اللغة والأدب الإيطالي، وكانت الكتابة بالنسبة لي آنذاك الوسيلة أو المخرج الوحيد لأفكاري حبيسة العقل، والتي لم أستطع طرحها والتي تكونت في الأساس بفعل تراكم القراءات المختلفة، ومن ثم بدأت تتكون لي في مخيلتي قصص كاملة وناضجة الفكرة والحبكة واللغة فشرعت في تسطيرها.
(كتابات) في رواية (بحر النور) لما اخترت موضوع استخدام الدين لأغراض أخرى؟
– الرواية إهداء لكل إنسان مازال إنسان يستطيع أن ينظر إليها نظرة كلية ويفهم ما بين السطور ألا وهو ألا تجعل اختلاف الفروع يعمى بصيرتك عن أصلنا وطبيعتنا الإنسانية التي فوق كل شيء سواء وطن أو دين، والذين اعتبروا حديثا وسيلة للتفريق وذريعة لتبرير العنف والعدوان ضد الآخر كمهدئ للضمير غير السوي.
(كتابات) في رواية (بحر النور) لما ركزت على الطائفية والانقسام إلى فرق داخل الدين الواحد؟
– لأن هذا هو الواقع المعاش والذي أدى بنا إلى كل هذه الفرقة والتشتت ولتوضيح أن مهما كان الخالق الحقيقي فهو يريد التنوع والتعدد لكي تكتمل الدورة الحياتية وإلا كيف لم ينه على الآخر وهو الرب القادر؟
(كتابات) في رواية (بحر النور) استخدمت رموز ومصطلحات حدثنا عن ذلك؟
– هي طريقة أحبها في الكتابة للترميز، وتغيير للقواعد الجامدة في كتابة الرواية الاجتماعية، غير أنه كل رمز يدل علي الصفات الشخصية بدلا من الكلمات التي أراها مملة في الوصف، مثل الصاقر تدل على ضابط المخابرات النسر لضابط الشرطة، رواية البطلة الأولى، قصة البطلة الثانية لأن الأولى قصتها أطول من البطلة الثانية وهكذا.
(كتابات) للرواية جزء ثان ماذا تريد أن تقول فيها؟
– أكمل الأحداث التي لم تنته والتعرف على بلدان جديدة وتواريخ منسية وأحدث أكثر إثارة وتجارب ممتعة مع الأبطال الذين لم يذكروا للآن.
(كتابات) هل للأدب في رأيك رسالة وهدف وما هو؟
– الأدب رسالته السامية هو الإمتاع وسد حاجة القارئ الذي من أجلها بحث عن القراءة، سواء من ناحية الحبكة أو الوصف أو الفكرة أو الثقافة والأديب الجيد من يستطيع أن يمتلك كل هذه الأدوات ويجيد اللعب بها لكي يكسب القارئ في كل النواحي.
(كتابات) كتبت القصة وكتبت الرواية في رأيك هل طغت الرواية على أنواع السرد الأخرى؟
– بالفعل هي طاغية حاليا ومتربعة على عرش الأدب إلا أن للقصة متعة خاصة أجدها أكثر متعة وإثارة وإفادة من الرواية الطويلة.
(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في مصر؟
– في الحقيقة من الصعب تقييمي لأن للتقييم معايير كثيرة إلا أنه الأفضل في المحيط العربي وإن كان في المراتب الأدنى عالميا، وللأسف.
(كتابات) هل حال النشر يدعم الكتاب المبتدئين في رأيك؟
-حال النشر ودور النشر وأصحاب دور النشر وكل ما يخص النشر في مصر مع المبتدئين لا يدعو لأي دعم أو تشجيع وإنما للإحباط وقتل المواهب حرفيا.
(كتابات) هل النقد مواكب لغزارة الإنتاج في رأيك ولما؟
-غير مواكب لإنتاج المبتدئين بالمرة وحتى مع كبار الكتاب يعتبر ضعيف جدا وفي رأيي لعدم جديته المادية.
قصة لإسلام علام..
هكذا تكلم الورد!
في أعوامنا القاحلة هذه, حصل العالم الدكتور حسن حسين حسان على جائزة نوبل للسلام, السلام النفسي, وهذا نتيجة لأبحاثه ودراساته الفريدة في الطب النفساني وتكريمًا لجهوده البارزة في إثراء هذا العلم بنظريات استطاعت بجدارة إثبات نجاحها بنسبة 99%, فكانت سببًا في معافاة مليون مريض نفسي من جميع الأجناس في جميع البلدان, ولهذا استطاع أن يرفع رؤوسنا في كل البقاع وجميع الأصقاع, فأينما ذهب يشار إليه بالبنان, ويُهتف بحب يخالطه تعجب, ممزوجًا باستنكار في بعض الأوقات: “هذا هو حسان الفسادستاني!, هذا هو العالم العربي!”, هذا الأصيل تنقل بين كل البلدان, ووطئت قدماه جميع الأراضي, وطرقت يداه كافة الأبواب والقلاع, فركب الهواء والبحار, وعبر غالبية المحيطات, فما من دولة صالحة أو طالحة إلا وقد دعته لتتجرع من علمه, وما من مدينة شرقية كانت أم غريبة إلا ترجت زيارته, ففُتحت القصور, وهيئت الدواوين, وفرشت السجاجيد لاستقبال العالم الجليل, فمن أجله عظمت الرؤساء, وانتصبت الملوك, ووقف أصحاب العروش.
بعد عودته من حفل تنصيب الجائزة الأكبر في العالم بلا منازع, والتي كان يتابعها مليار شخص على الأقل عبر شاشات التلفاز, وفي أحد مكاتبه, سبح قليلًا في أعماق الذكريات التي أخذته بعيدًا فأعادته لأيام وأعوام لا يعرف متى بدأت ولا كيف انقضت, ولكنه طفا من بحر الذكريات سريعًا, فدائما الغوص في هذه البحور لا يجلب إلا الندم والحسرة والحزن الذي يروق له الحال فيستحوذ على عقولنا محتلًا لأفكارنا ويمكث متربعًا في قلوبنا كيفما شاء مهيمنًا على المشاعر مسيطرًا على الوجدان حتى يكسبنا كآبة دائمة تجعل من حياتنا جحيم خاص نسكنه بإرادتنا, وقد تراقصت الدنيا من حولنا وازدانت بهاء وجمالًا, أنهى تفكيره حاسمًا في ذاته:
– كفي ما كان, ولنفكر في ماذا الآن.
فانطلقت إجابة تلقائية من بين ثناياه:
– الاستقرار .
كلمة أجابت على سؤال بسيط لتصنع آخر عسير:
– فكيف وأين أستقر؟
في تلك الأثناء توجهت عيناه مباشرة للخريطة الكروية الكائنة أمامه, وبيد مرتعشة تفحصها, فما وجد من مدينة إلا وقد نزل بها, فسرح مع هذه برهة ومع تلك أخرى, فلقد أمضى بينهن أمتع الأيام وأجمل الساعات, وبينما هو كذلك وقعت عيناه على بلد لم تدعوه من قبل قط, ولم تسأله يومًا أين أنت أو ماذا تفعل, ومع ذلك فهو يعرف ناسها وشوارعها وحاراتها وقراها ومدنها أكثر من أي بلدة أخرى, يعرفها تمام المعرفة, لأنه نشئ وتربى وتعلم وكبر ونضج بها, نعم إنها دولة الفسادستان العربية, موطنه وبلده التي يحمل جنسيتها وصفاتها في كل المحافل العالمية, ويتشرف بذلك, ولكن كيف لمثله أن يتشرف ببلد لم تكتف بعدم دعمه فقط, بل حاربته ماديًا ومعنويًا بكل الطرق المتاحة والوسائل الممكنة باستخدام عبيدها من خدامي الشاشات وأرقاء الأقلام, هذه الإجابة في علم الغيب وكأن الله اختص بها ذاته فلم يعلمها لبشر, فهذه العلاقة الوطيدة الغريبة العجيبة اتجاه أم الدنيا ممن ولد أو نزل أو سكن أو تعلم بها, لا تبرير عقلاني لها, فأي مقومات بهذه البلد تدعو لهذا الحب والوفاء!؟, الظلم؟ الفقر؟ أم الجهل؟, فحبها فطري خالص, لا مجال للعقل فيه.
بين عيشة وضحاها اتخذ قراره اليقين ألا يستقر إلا بأم الدنيا, فما هي إلا أيام معدودات حتى عاد إلى نفس الأرض التي أخرج منها منذ أكثر من عشرين عام بفعل الظلم والجهل والتهميش والتعتيم المتعمد للعلم والعلماء, مع تزامن وصوله تصنعت الصحف الرسمية الاهتمام, وهرول الوزراء للمطار لتقبيل الأيادي, وقد نسوا أنه ليس فيخمان البلاد, وتصدر العكاشيون والمرتضون والخيرون والأديبون والجلادون واللميسات والحيات والهالات ومن على شاكلتهم قنوات التلفاز, لتمجيد الدور العظيم للسيد الرئيس في تنشئة ذلك العالم الجليل!, فبفضل قيادته الحكيمة الرشيدة في إدارة البلاد التي تولاها منذ أربعة سنوات, استطاع هذا العالم الجليل أن يبتكر ويبدع في تجاربه منذ عشرين سنة!, ففي فسادستان تجد العجب العجاب, كل شيء جائز, بعد أن انتهى كل مطبل من تطبيله, وكل مهرج من مهرجانه, وأقامت الوزارات والجامعات الاحتفالات, بديعة المظهر مزيفة الجوهر, قرر عالمنا الجليل أن يقيم مركزًا عالميًا للعلاج الروحاني, لا يقتصر على المرضى النفسيين, ولا يختص بأصحاب الأمراض فقط, ولكن في محاولة منه لتحسين الوضع النفسي والروح الداخلية للفسادستانين, مما يعطيهم الأمل والتفاؤل مجددًا في الحياة, بعد ما عانوه على مدار العقود الماضية وما زالوا يتجرعونه بقوة.
كان الدكتور حسان مولعًا بالورود, مغرمًا بروائحها, هائمًا بأشكالها, شغوفًا بألوانها, ولذلك يرقد على مكتبه سبع زهريات, ترتيبهم من اليمين للشمال (عصفور الجنة, القرنفل, أستر, النرجس, زنبق الياقوت, فريسيا, السوسن).
أول أسبوع من عمل المركز الروحاني استحوذ عليه عيلة القوم من السادة الحكام من الوزراء ووكلائهم ولواءات الداخلية ولواءات العسكرية وأعضاء الحزب الحاكم.
والأسبوع الثاني رجال الفن والإعلام.
أما الثالث فهمين عليه النخب السياسية والمحللين الاستراتيجيين.
والأسبوع الرابع فشغله الأساتذة الجامعيين والنخب الثقافية.
وكل من هؤلاء تقدم للمركز بدعوة أنه يريد اكتساب الطاقة والنشاط لكي ينطلق كالأسد في خدمة حبيبته فسادستان, ولا ضرر إذ تبرك بصورة سيلفي مع العالم يشيرها في مواقعه الاجتماعية, في رسالة مفادها أن العالم الجليل صديقه المقرب ويزكيه عن غيره ويشيد بدوره في خدمة البلاد.
في أخر نهار من الشهر الأول اعتذر السكرتير لقطعه خلوة العالم حيث يختلي بزهوره يبكيها صمتًا وينشدها بحسرة, لحزنه الشديد لذبولها الذي لم يراه قط في حياته, فهل من الطبيعي أن الزهور تذبل حتى تسود كالمحترقة في نار مشتعلة؟, فما الذي أدى بهن إلى تلك الحالة العجيبة المحزنة؟!, قال السكرتير مبررًا:
– هناك ثلة من الشباب بالخارج, على مدار الشهر تواجدوا في محاولة منهم لمقابلة سيادتكم, ولكن لم تتاح لهم الفرصة, فلو تفضلت سيدي بخمس دقائق ستكون قد صنعت معروفًا جليلًا بأهل بلدك من الشباب.
فأومأ الدكتور برأسه مما يحمل في ثناياه إذن الموافقة, ولكنه مازال شارد الذهن شاخص البصر ببناته المحترقات الذابلات, وإذ فجأة جرت في أوصاله قشعريرة باردة وسرت في عروقه رعشة هائلة بينما تجمدت فروة رأسه وبلغ الذهول مبلغه, حينما رأى الزهور الذابلات تُبعث من بعد موت, وتدأب الحياة في أوراقها بعد الذبل والهزل, فتلونت من جديد بعد أن سُودت وعَظُم سوادها, فيالها من قدرة خارقة!, فشعر وكأنه يسبح في حلم عميق, ولم ينتشله من أفكاره سوى سماع تحيات وأصوات تتلاقى من كل حدب وصوب, فأبصر الواقفين على بعد خطوات فلاحظ وجود هؤلاء الشباب, ورجع ببصره للورد المتراص أمامه فوجده جميلًا مفعمًا بالحياة, لامعًا رطبًا بعد قحط وجفاف.
استمع للشباب بتبسم, منفرج الأسارير, تكسو وجهه فرحة عارمة ليس لمتعة حديث الشباب الشيق الحماسي المليء بالأمل والتفاؤل, حتى ظن الشباب أن عقله ليس على ما يرام لكثرة تعامله مع مرضاه, فخرجوا منكسرين النفس, ناكثين الرأس, آسى وحزنًا على عالمهم الجليل, أما هو فسعد برحيلهم, وبادر مسرعًا بسؤال الورود:
– كيف حدث هذا؟, لماذا عادت فيكم الحياة الآن بعد أن ذهبت نضارتكم على مدار الشهر؟
أجابت أكبرهم نرجس:
– دائما من يدخل مكتبك تدعوه ليحشر أنفه بيننا, حتى يشم رائحتنا الجميلة المعطرة, ومن ثم تسأله عن كيف صار عندما تجرع روائحنا, ولكن لم تسألنا نحن الزهور يومًا عن كيف كانت رائحته, أليس نحن من مخلوقات الله؟!, فإذا كان من حق الإنس أن يتمتع برواحنا الجميلة, أيضا نحن لنا الحق في التمتع بروائحه الجميلة.
– وهل للبشر روائح؟
– نعم بكل تأكيد يا صديقنا, فلكل امرئ رائحته الخاصة التي لا تتطابق على الإطلاق كبصمته, فالذي أدى إلى فحمنا هكذا تفحيمًا مهلكًا هي روائح هؤلاء الكذاب المنافقين الأنانيين السلطويين المتعجرفين, نحن لا نشم رائحة عطورهم الفاخرة التي استخلصت وصنعت منا, ولكننا نشم رائحة نفوسهم, فلكل نفس رائحة, ولكل منا حاسة, فأستر تمثل الصبر والاحتمال, وعصفور الجنة يمثل الفرح والابتهاج, والقرنفل للجمال والكبرياء, وفريسيا للبراءة, وزنبق الياقوت للوفاء, والسوسن لخفة الظل.
– لماذا في هذا التوقيت بالتحديد أحييتم بعد الهلاك؟
– حينما هب علينا هؤلاء الشباب, بعثت روائحهم فينا الحياة, فاكتسبنا طاقة جديدة مفعمة من عزتهم وحماسهم وابتهاجهم وصبرهم وبرأتهم ووفائهم وخفة ظلهم, بعد أن كنا فقدنا كل الطاقات نتيجة لامتصاصها من قِبل هؤلاء المتعجرفين الفسقة.
وفي هذه اللحظة دخل السكرتير مفزوعًا مرتجفًا ليعلن بصوت مرتعش متوتر بأن السيد الموقر ملك العباد رئيس البلاد قائد القوات محطم القلاع قاهر الأعداء عميد العمداء, وحاشيته في طريقه لزيارة المركز, وما هي إلا دقائق قلائل حتى دلف السيد بحاشيته في جوف المكتب, فحياه عالمنا الجليل بابتسامة عذبة جميلة, ثم رمي بطرف عينيه على الورود فوجدها هذه المرة احترقت كاملة, بينما تتصاعد منها أدخنة كثيفة, فأدرك العلة, ثم عاود النظر للحاضرين بابتسامة ولكنها مصطنعة تلك المرة.