شكل الإعلان عن الانخفاض الكبير بأسعار النفط ، صدمة كبيرة للعديد من العراقيين فحسب الأنباء التي تم تداولها فان أسعار نفط برنت قد وصل إلى 30 دولار للبرميل في الأسواق العالمية بسبب انخفاض العالمي على الطلب وعدم قيام الدول المنتجة بتصحيح معدلات وحصص الإنتاج ، ورغم إن الانخفاض ألسعري كان متوقعا بسبب الحالة الوبائية التي يشهدها العالم وتوقف الإنتاج في الصين التي تؤثر على ثلث اقتصاديات العالم وغيرها من الدول التي ظهرت فيها إصابات او اتخذت إجراءات للتحوط من الوباء ، ولكن الوصول إلى هذا الرقم في الأسعار يثير القلق لان من يرافقه هو انخفاض كميات الصادرات مما يعرض الدول الريعية إلى أزمات حقيقية ومنها العراق ، فبلدنا يفتقر إلى ابسط أدوات التخطيط وهو يسير للمجهول نظرا لعدم المصادقة على الموازنة الاتحادية رغم مرور ثلاثة أشهر على السنة المالية الحالية ( 2020 ) ، كما إن من يتولى تسيير الأمور هي حكومة تصريف الأعمال في مجلس الوزراء والوكالة والتكليفات في اغلب المواقع التنفيذية من مستوى الوكيل او من بدرجته إلى المدير العام او أدنى منه في بعض مواقع الإدارات ، كما إن أمل تشكيل الحكومة لم يظهر في الأفق وهو إن تم فان الحكومة ستكون مؤقتة ومن ابرز مهامها التحضير لانتخابات مبكرة ، وتتم هذه الأحداث والبلد يشهد ركودا اقتصاديا مخططا بعد أن قررت خلية الأزمة المشكلة بموجب الأمر الديواني 55 و65 لسنة 2020 تعطيل الدوام كلا او جزءا لمواجهة فيروس كورونا والحؤول دون انتشار الوباء .
واغلب المواطنين الذين يعيشون على المدفوعات الحكومة يتساءلون عن مدى قدرة الحكومة في دفع المستحقات في ظل ارتفاع النفقات التشغيلية وانخفاض الإيرادات ، ومما يزيد الأمر تعقيدا إن الموازنة الاتحادية المعطلة للعام الحالي تضمنت عجزا يبلغ أكثر من 50 تريليون دينار رغم إن أسعار النفط احتسبت على أساس 56 دولار للبرميل وبمعدل تصدير بحدود 4 ملايين برميل يوميا ، وهي موازنة لم تأخذ بنظر الاعتبار المتطلبات المالية لمواجهة وباء فيروس كورونا التي تطلبت من الصين توفير تخصيصات توازي الناتج المحلي فيها الذي يبلغ 13 تريليون دولار سنويا ، وكما هو معروف فان الموازنة الاتحادية في بلدنا غير قادرة على إنتاج الدخل وهي بحالة عجز مالي منذ 2004 وهذا العجز الذي تتم تغطيته بالديون الداخلية والقروض الخارجية يزداد عاما بعد عام ، وهذه المعلومات معروفة الجميع والجزء المقلق فيها إنها تعرض كل عام بدون معالجات والأدهى من ذلك إنها تزداد عاما بعد عام لعدم وجود معالجات ناجعة لا في المدى القريب او البعيد ، والمواطن الذي يهمه الاستقرار الاقتصادي الذي يؤمن له لقمة العيش يزداد قلقا عندما يطلع على أرقاما مخيفة ومنها مثلا مبيعات البنك المركزي العراقي ، فبضوء الأسعار الحالية للنفط فان العراق يبيع بأحسن الأحوال نفطا بقيمة 120 مليون دولار ( ويطرح منه ما يدفع لشركات التراخيص وانخفاض سعر نفط العراق ) ولكنه باع في مزاده 219,564 مليون دولار في يوم الثلاثاء ( 10 آذار 2020 ) فمن أين جاء بالفرق ، والجواب هو من احتياطي البنك المركزي الذي يبلغ 70 مليار دولار حسب بيانات سابقة بشان الموضوع ، والسؤال الذي يليه أين تذهب مبيعات الدولار بعد أن توقف الإنتاج الصيني التي نستورد منها بقيمة 30 مليار دولار وبعد أن تم غلق المنافذ مع إيران ؟ .
ومن باب تطمين الجمهور فقد صرح السيد فؤاد حسين نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير المالية الاتحادي في تصريح له مساء ( الاثنين ) إن رواتب الموظفين سوف لم تتأثر بانخفاض أسعار النفط ( حاليا ) ونفى أن تكون الرواتب بأمان لغاية شهر تموز فحسب ، وحاليا هي الكلمة المحيرة لأنها تشير إلى شهر او عدد محدود من الأشهر وليس تأمينا مستمرا ، فانخفاض إيرادات النفط بنسبة 30% ليس بالأمر الهين والذي يمكن معالجته نظرا لطبيعة اقتصادنا ألريعي الذي يعتمد على مبيعات النفط ، فلو تمت الاستعانة بالاحتياطيات فأنها سوف لا تكون كافية لأكثر من سنة إن لم تقترن الحلول بإجراءات حازمة تتعلق بتقليص النفقات والاستيراد بما يوفر المتطلبات الأساسية للحياة بما فيها مواجهة الحالة الوبائية ، ورغم التصريحات المطمأنة نوعا لمعالي وزير المالية إلا إن مصالح الناس ومستقبلهم لا يبنى على أساس التصريحات وإنما الأفعال ، والمشكلة إن ردود الأفعال في الازمات السابقة لم تكون بمستوى الكفاءة والفاعلية المطلوبة سواء عند انخفاض أسعار النفط في 2008 او عند مواجهة داعش في 2014 فالمعالجات اغلبها ترقيعية ، والحالة تتكرر ذاتها من خلال الارتفاع في النفقات والانخفاض في الإيرادات غير النفطية وتكرار العجز كل عام ، والسبب لا يعود إلى الفساد لوحده باعتباره ظاهرة لم تشهد الحلول ، وإنما ضعف الإرادة والإدارة في المعالجات فقد تحولنا من وكالات للإدارات إلى حكومات مؤقتة وتصريف الأعمال والعالم يعيش في أزمات تتطلب اقتصاديات قادرة على المواجهة ، كما إن إنتاجنا المحلي لم يشهد حالة من النهضة التي تسر الناس وإنما ترسيخ التخلف في بعض المجالات ، وهذه الكلمات ليس هدفها الرثاء وزيادة البكاء وإنما التذكير بأي موجات وعواصف سيمر بها اقتصادنا إن استمر انخفاض أسعار النفط ، ويبدو إن الوقت على وشك النفاذ ولم يتم الشروع بإيجاد معالجات جذرية و تأتي في مقدمتها تشكيل حكومة قادرة على المواجهة والمعالجة وذلك يكون من خلال الفعل وليس بالدعاء والأمنيات .