خاص : كتبت – هانم التمساح :
“طالبان”؛ التي تشكلت من شتات مسلحين يُسمون أنفسهم “المجاهدين”، مولتهم “واشنطن” ودول الخليج لمقاومة “الاتحاد السوفياتي”، وأعلنوا السيطرة على العاصمة، “كابول”، وأقاموا فيها إمارتهم الإسلامية، عام 1996، وإعترفت بهم “السعودية والإمارات وباكستان”، من دون بقية دول العالم، ثاني أيام سيطرتهم على “كابول”، قبل تخليهم عن ذلك في العام 2001، لن يرضوا بسلام لا يمنحهم الحكم في “أفغانستان” والمشاركة الاقتصادية والسياسية فيها، وهو ما يعني مزيدًا من التمكين لمليشيات السلاح التي تدعي أنها عنوان “الإسلام”. في وقت كانت قد أعلنت فيه المخابرات الروسية، منذ العام 2017، أن “أفغانستان” عادت قبلة لتجمع التكفيريين في العالم؛ ظهرت “الولايات المتحدة” لتُهادن “طالبان” وتجلس معها على طاولة المفاوضات كما النِد الرسمي، وهو ما أثار علامات استغراب لدى بعض المتابعين.
أيام الجهاد الأفغاني..
ويعيد الحديث عن حركة “طالبان” الأفغانية وأشواط المفاوضات الأخيرة التي تعقدها مع الأميركيين، صورة “الجهاد الأفغاني” إلى الواجهة من جديد، على الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على اندلاعه، وقت أن شهدت كهوف “تورا بورا” صولات المجاهدين المعاصرين ولادة عقيدة تنظيم يُعتبر أحد رواد العنف المعاصر المتدثر بالدين الإسلامي، إذ يتعامل المؤرخون مع حقبة “الجهاد الأفغاني”، بعد إجتياح “الاتحاد السوفياتي” لـ”أفغانستان”، عام 1979، على أنها مرحلة مهمة ومحورية في التأسيس للعنف الإسلامي المعاصر، ونقطة بداية للمرحلة التي أطلقت عليها الحركات والجماعات الإسلامية تسمية “الجهاد العالمي”، والتي ظلت طيلة قرنٍ وزيادة تقدم نفسها على أنها حركة معارضة في الدول التي تنشط فيها.
لماذا تشكلت “طالبان” وكيف استغلت التمويل الخليجي والمقاتلين العرب ؟
ونجحت الدعاية الجهادية لتنظيم “طالبان” في الوصول إلى أصقاع العالم الإسلامي وتجمعات المسلمين في دول الشرق والغرب ودغدغت مشاعرهم بشعارات دينية مزيفة وبدعاوى “تحرير فلسطين”، وعلى الرغم من أن العامل السياسي لعب دورًا مهمًا في نفوذ هذه الدعاية، كون الحركات الجهادية المتطرفة أثبتت قدرتها على تفكيك الأفكار الاشتراكية والشيوعية، فقدمت نفسها كحل لمواجهة الاختراق الماركسي، إلاّ أنّ أمرًا آخر لعب دورًا مهمًا في بلوغ الحركة الجهادية ما بلغته، وهو الآلة الدعائية التي أعتلى مصوروها قمم “تورا بورا”، وجال مدونوها في مزارع “بيشاور”، ووقف مراسلوها على خط النار في “غورباتشي” و”جلال آباد” و”باري وبلخ ونيازي”؛ وغيرها من خطوط المواجهة في جبهات ما يُسمى “الحرب المقدسة”، لينقلوا ما كان يحدث على الأرض إلى المسلمين في أنحاء العالم.
كانت الدعاية السابقة بكل أشكالها، تهدف إلى تحقيق أهداف مرسومة بدقة أولها كسب أكبر عدد ممكن من المقاتلين العرب في صفوف الجماعات الجهادية، والغاية الثانية كانت الحصول على التبرعات التي كانت تنهال عليهم عن طريق مصادر عدّة من أعيان وحكومات ومجاهدين أثرياء، كما كان الحال مع “أسامة بن لادن”، وأيضًا المتبرعين الذين كانوا يرسلون أموالهم لحساب في مقاطعة “تكسون” بولاية “أريزونا”، في “الولايات المتحدة الأميركية”، يمول التنظيم.
أفغانستان وإيران نموذجان لتنفيذ مخطط “برنارد لويس”..
فـ”أفغانستان” و”إيران”؛ كانتا البداية لتنفيذ مخطط “برنارد لويس بيرغينسكي”، الذي أقرته الإدارة الأميركية في إستراتيجيتها منذ العام 1977، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات وطوائف، حيث إن “إسرائيل” لا يمكن أن تكبر ولكن ما حولها لا بد أن يصغر ويتضاءل لتزيد سيطرتها. وبخاصة مع تحليلات ترصد رد الفعل الإيراني تجاه المشهد، حيث ستسعى إلى دعم الجماعات الشيعية في “أفغانستان” والمعروفة باسم، “الهزارا”، ليزداد الانقسام والتفتت الجاري في المنطقة على قدم وساق.
أميركا تترك حرب أهلية في أفغانستان..
وبعد انسِحاب القوّات الأميركيّة ستعود “أفغانستان” إلى ما كانت عليه، قبل عشرين عامًا، ولا نعتقد أنّ السلام سيعود إلى هذه البِلاد، وأنّ الحرب الأهليّة ستتوقّف، فمع من ستتفاوض “الطالبان” لإنهاء الحرب الأهليّة، مع “أشرف غني”، الرئيس الحالي، أم “عبدالله عبدلله”، مُنافسه الطاجيكي الشّرس، فكُل منهما يدّعي الانتصار في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، ويُشكِّل حُكومةً خاصّةً به، تمامًا مِثلما هو الحال في “ليبيا”.
مُستَقبل “أفغانستان” يتّسم بالغُموض، ولا يستطيع أحد أن يتنبّأ بالصّورة التي ستكون عليها البِلاد بعد انسِحاب القوّات الأميركيّة.
إطلاق سراح 5 آلاف طالباني ورفع اسم الحركة من قوائم الإرهاب !
وتزامنًا مع بدء المفاوضات الأفغانية، ستبدأ “الولايات المتحدة” بالتواصل الدبلوماسي مع الأعضاء الآخرين في “مجلس الأمن الدولي” و”أفغانستان” لإزالة أسماء عناصر حركة “طالبان” من لائحة العقوبات، على أن يتحقق ذلك بحلول 29 أيار/مايو عام 2020.
من جانبه؛ وصف زعيم حركة “طالبان أفغانستان”، الملا “هبة الله أخند زاده”، توقيع اتفاق سلام مع “الولايات المتحدة الأميركية”: بـ”الانتصار العظيم”.
وأكد زعيم “طالبان”، في فيديو بثته الحركة على مواقع تابعه لها، إلتزام الجماعة بالاتفاق المبرم مع “أميركا”، قائلًا: “روعي في توافق طالبان مع الجانب الأميركي؛ الأصول والضوابط الشرعية، كما أنه يوافق المعايير الدولية، لذا فإنه يُعتبر عهد ووعد من قِبل الجماعة والشعب الأفغاني، وصار لزامًا على الجميع تطبيقه وتنفيذه”.
وشدد “هبة الله أخند زاده” على ضرورة تحمل المسؤولية، قائلًا: “على جميع مسؤولي الحركة وأفرادها، وفي العموم على جميع المواطنين، ألا يُنقضوا هذا التوافق والميثاق، وأن يستشعر الجميع بالمسؤولية تجاه ذلك، لأنه لا حظ للغدر والمكيدة في الإسلام، كما أنها تعتبر من الذنوب العظام، لكن إن حصل النقض أو المخالفة من قِبل الجانب الآخر، فإن على جميع الشعب أن يكون على استعداد تام للدفاع كالماضي”.
وقال: “تؤمن الحركة بالعلاقات الإيجابية المتبادلة مع جميع دول العالم، وخاصة دول المنطقة، وتلتزم بضوابط حسن الجوار مع الدول المجاورة”.
وبمقتضى الاتفاق ستلتزم “الولايات المتحدة” بسحب جميع قوتها العسكرية وحلفائها، بما في ذلك جميع الموظفين المدنيين غير الدبلوماسيين ومتعاقدي الأمن الخاص والمدربين والمستشارين وموظفي خدمات الدعم في غضون 14 شهرًا بعد الإعلان عن هذه الاتفاق.
كما ستكون، “الولايات المتحدة”، ملتزمة بالبدء فورًا في العمل مع جميع الأطراف ذات الصلة على خطة للإفراج بسرعة عن المقاتلين والسجناء السياسيين كتدبير لبناء الثقة بالتنسيق والموافقة من جميع الأطراف المعنية، وسيتم إطلاق سراح ما يصل إلى خمسة آلاف سجين من “طالبان”؛ وما يصل إلى ألف سجين من الجانب الآخر بحلول 10 آذار/مارس عام 2020.