18 ديسمبر، 2024 10:58 م

مستقبل العراق بين مقتدى الصدر وشباب الثورة

مستقبل العراق بين مقتدى الصدر وشباب الثورة

لم تكن انتفاضة تشرين العراقية ضد حكومات رجعية فاسدة حدث عابر ، بل كانت ثورة تقدمية شاملة ضد التخلف وقوى الظلام الذي جسدته احزاب دينية متخلفة لطمس حضارة العراق وتاريخه المجيد ، واختزالها بمفاهيم طائفية عفى عنها الزمن . . ومع اننا نفهم الدين باعتباره قيم إيمانية وأخلاقية حميدة . الا اننا نرفض تشويه الدين بالسياسة . . ولذلك فان مايجري في العراق من احتجاجات وانتفاضات ماهي الا ثورة حضارية متمدنة يقودها الجيل الجديد في وجه التخلف والتدين الزائف القائم على طقوس شكلية لا علاقة لها باقامة سلطة العدل بين الناس .

لقد شارك في هذه الانتفاضة قطاعات واسعة من الشعب من ذوي الشهادات العليا وخريجي الجامعات والعاطلين عن العمل والفقراء والأرامل ، وكل من له مصلحة في الثورة على النظام الثيوقراطي الفاسد ، وكان من الطبيعي أن ينظم إليها العديد من فئات الشعب ومنها التيار الصدري الذي يضم أعدادا كبيرة من المحرومين والمتضررين . إلا أن السيد مقتدى الصدر أراد تجييرها باسمه للتحكم بها على وفق مصالحه كما كان يفعل في كل مرة عندما كان يخدع جماهيره البسطاء من أنه ضد الفساد الحكومي وداعيا للإصلاح . وما أن تصل المظاهرات إلى نقطة التهديد الحقيقي للنظام القائم حتى يقوم بسحب المتظاهرين لقاء مناصب ومواقع إضافية تعزز من سلطته .

مقتدى الصدر أصبح الان حصان طروادة لإيران ، استغلته في اللحظة الأخيرة لقمع الانتفاضة بعد أن عجز ازلامها من الميليشيات المجرمة من إيقافها رغم استخدام كل وسائل القتل والتعذيب والاختطاف والترهيب ، وقد أصبح بعد عودته من قم الحاكم الاول في العراق وهو الذي رشح توفيق علاوي لرئاسة الوزارة ، وهدد بضرب كل من يعارضه، وبذلك أصبح الخادم المطيع لايران ، فهل هناك حجة لأنصاره بعد الان للدفاع عنه واعتباره المقدس المخلص !

لقد خدع جمهوره كثيرا وهو يعلن عداءه لإيران ودعوته للإصلاح ، حتى انكشفت الاعيبه عندما قام ازلامه بضرب وقتل الثوار في بغداد والناصرية والنجف وكربلاء وغيرها من المدن المنتفضة .
فاصبح مقتدى الصدر يد إيران في العراق بعد أن تمكن من استخدام المساكين من أنصاره في خدمة اسياده .

ان مقتدى الصدر جزء من العملية السياسية الفاسدة وقد حاول قمع الانتفاضة الجماهيرية بالقوة بدسيسة وتواطئ مع الميليشيات التي سبق وأن وصفها بالوقحة ، وهكذا يتضح جليا ان حكم الكتل والاحزاب الدينية المستبدة في العراق أخطر بكثير من الحكومات الدكتاتورية . فالاستبداد الديني سمة الدول المتخلفة، باعتباره مظهرا من مظاهر التخلف والعبودية في ظل مفاهيم التقديس لاناس تافهين باسم الدين والطائفة . .

إن تخلف الحكم الثيوقراطي في العراق قد حوّل المجتمع إلى مؤسسات دينية طائفية خالية من كل تطور علمي أو تقدمي . وجعل المواطنين مجرد أفراد معطلين فكريا وثقافيا ، وهم يجترون حكايا تاريخية وقصص عفا عنها الزمن ، حيث جاءت الطغمة الحاكمة بعقلية العصور الوسطى ، فعطلت الحياة الفكرية والثقافية ، وحاربت كل ماله علاقة بالحضارة والتمدن ، مثل المسرح والموسيقى، وكل أشكال الفنون الإبداعية ، واوقفت عجلة التنمية الإنسانية والاقتصادية . وأدخلت البلد في صراعات وحروب لانهاية لها ،
في وقت يتطلع فيه الشباب من جيل الحادي والعشرين إلى العيش الكريم في ظل بيئة حضارية سليمة ، ودولة قائمة على أسس مدنية حديثة ، تؤمن بالانسان كقيمة عليا خصوصا بعد أن فتحت أمامهم نوافذ الشبكة المعلوماتية والاطلاع على التقدم الهائل غير المسبوق في العالم المتمدن .
إن هذا الواقع من الاغتراب المتبادل بين الفكر الرجعي المتخلف للأحزاب الدينية الطائفية الحاكمة، مع الجيل الواعي الجديد ، قد احدث بينهما قطيعة دائمة لا رجعة فيها .

وهكذا أعادت هذه الثورة ثقة الشعب بنفسه مرة أخرى، ليتخلص من الخرافات وتقديس الافراد ، ومنطق الأبوة في إدارة الحكم .

إن الشباب الواعي المتحضر يصر على تحقيق التغيير المنشود وجعله واقعاً لا مناص منه للوصول إلى أهدافه من خلال ثورته المستمرة ، الثورة التي لم يستوعبها الحكام الفاسدون والتي ستطيح بهم عاجلا ام آجلا .
وبناء عليه فمن المستبعد، إلى حد بعيد، العودة إلى اوضاع ما قبل ثورة تشرين العراقية. والرجوع عن أهم مكسب من مكاسب هذه الثورة والذي تمثل في الوعي الوطني ونبذ التفرقة الدينية والطائفية والاثنية .

إن في مقدور ثورة الشباب هذه فتح الأبواب نحو حياة ومستقبل باهر وسعيد لكل الشعب بقومياته واديانه وطوائفه وتوجهاته الفكرية والسياسية على وفق مبدأ المواطنة العراقية . ومن ساحات الانتفاضة هذه سيخرج قادة العراق الجديد ، قادة يؤمنون بالعلم ويرفضون الخرافة والأفكار البالية .

وهناك أجيالا جديدة تلتحق يوميا بالثورة وترفدها بعناصر شبابية أكثر إيمانا بالمستقبل ونبذ الافكار المتخلفة ، وليس بإمكان السلطة ومن وراءها ايقاف عجلة التقدم والتطور الذي رفع لوائها هذه الكوكبة من الأجيال الصاعدة أمام حرس قديم لايملك سوى الافكار العتيقة التي عفى عنها الزمن . فلا مقتدى الصدر ولا سلاح السلطة وميليشياتها، ولا أفكارها البالية ، اومقدساتها الزائفة ستوقف زحف الجيل الجديد في ثورته للنهوض بهذا البلد إلى مصاف الدول المتحضرة . والنصر حليف الثورة ومستقبل العراق الزاهر