خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
رغم الأزمة والتوتر الشديدين بين “تركيا” و”روسيا”؛ إلا أن البلدين لم يفقدا صوابهما بعد، ومن المقرر أن يلتقي الزعيمان الروسي، “فلاديمير بوتين”، والتركي، “رجب طيب إردغان”، غدًا الخميس، بهدف التوصل إلى تفاهمات بشأن الوضع الملتهب في “إدلب” جراء الهجمات التي يُشنها الجيش التركي ضد المواقع العسكرية التابعة للنظام السوري.
وإلى أن يتوصل “إردوغان” إلى تفاهمان بشأن الأوضاع في “إدلب”؛ تقوم “تركيا” بممارسة الضغط على الطرف الأضعف بالنسبة لها؛ وهو الطرف المتمثل في دول “الاتحاد الأوروبي”؛ الذي أكثر ما يزعجه ويؤرقه أن يواجه أزمة مهاجرين جدد. بحسب الكاتب والمحلل الإسرائيلي، “جي ألستر”.
عودة العداء بين موسكو وأنقرة..
يرى المحلل الإسرائيلي؛ أن أفضل طريقة للوقوف على طبيعة العلاقات “التركية-الروسية” هي متابعة عناوين وسائل إعلام البلدين؛ باعتبارها تُمثل أبواق النظام في “موسكو” و”أنقرة”.
وهناك تقرير نشرته وكالة انباء (سبوتنيك) الروسية – بعنوان (المحافظة المسروقة)؛ التي بحسب التقرير سلبتها “تركيا” من “سوريا”، في ثلاثينيات القرن الماضي – كفيل بأن يعكس حالة العلاقات الثنائية بين “موسكو” و”أنقرة”.
علمًا بأن رئيس تلك الوكالة الروسية للأنباء قد اعتقلته الشرطة التركية لعدة ساعات؛ ثم أطلقت سراحة بعد مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية البلدين. ولكن العداء الذي ظهر من جديد بين البلدين أصبح من الصعب إخفاؤه.
أوضح “ألستر”؛ أن الصداقة بين الرئيسين، الروسي والتركي، كانت قد بدأت بعد محاولة الانقلاب على الرئيس، “إردوغان”، عام 2016، حيث كان “بوتين” أول المتعاطفين مع نظيره التركي، الذي أحاط به الأعداء من كل جانب. وقبل ذلك بعام واحد؛ ساءت العلاقات بين الزعيمين بعدما أسقطت “تركيا” طائرة روسية مقاتلة في “سوريا”؛ وهو ما دفع “روسيا” لفرض عقوبات اقتصادية على المنتجات التركية.
ولأن الزعيمين، الروسي والتركي، كانا على خلاف مع الغرب؛ فقد قررا التعاون فيما بينهما؛ وكان إبعاد “تركيا” عن شركائها التقليديين في حلف (الناتو) يُعد هدفًا إستراتيجيًا بالنسبة لـ”روسيا”.
العلاقة لم تنقطع..
يضيف المحلل الإسرائيلي؛ أن العلاقة المتواصلة، بين “بوتين” و”إردوغان”؛ لم تنقطع رغم الصراع على الساحة السورية؛ لكنهما لم يتمكنا من إخفاء الخلاف الحاد بينهما، بعدما اقتربت المعارك من الحدود الجنوبية التركية، خلال الأشهر الأخيرة؛ في ظل حرص نظام “بشار الأسد” على استعادة السيطرة على “إدلب” وريفها.
أكبر موجة من النازحين !
وما كان للنظام السوري أن يحاول استعادة “إدلب” لولا دعم “روسيا”، التي تُسيطر على المجال الجوي؛ بل وهي صاحبة الكلمة العليا في “سوريا”، منذ أن أنقذت “الأسد” من المصير الذي آل إليه الطغاة الآخرون في معظم الدول العربية.
وأخيرًا أخذ “بوتين” و”الأسد” يقصفان بلا رحمة آخر معاقل المتمردين، ولقد كثفا هجماتهما وغاراتهما العسكرية، خلال الأشهر الأخيرة؛ فكانت أكبر موجة من النازحين تشهدها “سوريا” طيلة الحرب الأهلية الممتدة منذ تسع سنوات.
“إردوغان” في موقف صعب..
مع نزوح قرابة مليون لاجيء سوري نحو الحدود التركية، وقيام “روسيا” بإطلاق العنان لجيش “الأسد” والمليشيات الشيعية التابعة له، وفي ظل قيام تلك القوات بمحاصرة مواقع النقاط العسكرية التركية في “إدلب”؛ أصبح “إردوغان” في موقف صعب للغاية.
إلى جانب ذلك؛ عادت “روسيا” تُكرر الاتهامات السابقة بأن “أنقرة” تدعم المنظمات الإرهابية المتخفية في “إدلب”؛ بما يتعارض مع الاتفاقيات المبرمة بين الدولتين.
ومن جانبها؛ لجأت “تركيا” لـ”واشنطن” وطلبت منها الحصول على مساعدات عسكرية لحسم معركتها في “إدلب”.
حانت فرصة واشنطن !
يُشير “ألستر” إلى أن الفرصة لاحت الآن أمام “الولايات المتحدة” لإفشال التحالف بين “إردوغان” و”بوتين”؛ إذ يمكن لـ”واشنطن” أن تشترط إرسال صواريخ (باتريوت) – التي تتوسل “أنقرة” للحصول عليها – بعدم تشغيل منظومة الدفاع الجوي الروسية، (s-400)، التي أشترتها من “موسكو” رغم التحذيرات الأميركية السابقة.
وحتى الآن ترفض “أنقرة” ذلك الشرط الأميركي؛ إلا أن العُزلة التي فرضها “إردوغان” على نفسه ربما تجعله بلا خيارات أخرى.
أخطر العمليات العسكرية..
لا شك أن العملية العسكرية الأخيرة التي بدأها “إردوغان” في شمال “سوريا” – وهي العملية العسكرية الرابعة منذ بدء التدخل التركي في “سوريا” – تُعد العملية الأخطر على الإطلاق مقارنة بالعمليات التي شنها الجيش التركي من قبل ضد الأكراد أو ضد تنظيم (داعش).
ففي العملية العسكرية الحالية، التي تسمى “درع الربيع”؛ يقوم جيش “إردوغان” بشن هجوم مباشر ضد جيش نظامي آخر وليس ضد عصابات مسلحة أو ضد إرهابيين.
ورغم التفوق العسكري الواضح للجيش التركي، على جيش “الأسد”؛ إلا أن الأخير مدعوم من الجيش الروسي.
والآن فإن “روسيا” لا تتدخل عسكريًا بشكل مباشر، لكنها ألمحت إلى “تركيا” بأنها لا تضمن سلامة طائراتها بعد أن أعلن الجيش السوري إغلاق المجال الجوي في “إدلب”. ولقد تم اسقاط طائرتين حربيتين سوريتين خلال ساعات، فيما زعمت “دمشق” أنها تمكنت من إسقاط ثلاث طائرات تركية مُسيرة؛ وهي السلاح الذي تفضل “تركيا” استخدامه لضرب أهداف في العمق السوري.
إسرائيل المستفيدة من “درع الربيع” !
أشار “ألستر” إلى أن المعارك العسكرية الدائرة بين الطرفين، التركي والسوري، تخدم طرفًا ثالثًا؛ ألا وهو الطرف الإسرائيلي؛ لأن الجيش التركي يقتل مسلحين تابعين لتنظيم (حزب الله) المعادي لـ”إسرائيل”، كما يستهدف الجيش التركي مواقع ومطارات عسكرية سورية سبق وأن استهدفتها “إسرائيل” من قبل.
وقد يكون من الصعب أن يُصدق أحد بأن “إسرائيل” تدعم النشاط العسكري التركي في “إدلب”؛ بسبب حساسية الموقف بين “موسكو” و”تل أبيب”؛ ولكن قادة “تل أبيب” سعداء بما يقوم به الجيش التركي من تدمير لمواقع عسكرية ومطارات سورية كانت تستخمها “إيران” لتهديد أمن “إسرائيل”.