26 نوفمبر، 2024 1:21 م
Search
Close this search box.

عبد الرزاق النايف.. قائد انقلاب 17 تموز 1968

عبد الرزاق النايف.. قائد انقلاب 17 تموز 1968

هادئ الطباع.. قليل الكلام.. كثير الانفعال.. ذكيٌّ يحبُّ النكتة.. كثيراً ما كان يلفّ انتقاداته للأوضاع الداخلية بنكت لاذعة.. وهو ضعيف الشخصية ومتردد في اتخاذ قراراته.. لذا كان كثيرا ما يستعين بمن حوله.. واتته الفرصة عندما قرّب الرئيس عبد السلام محمد عارف أبناء جلدته وبلدته.
تصاعد نجمه بعد فشل محاولة عارف عبد الرزاق لإسقاط الرئيس عبد السلام فهو الضابط الوحيد الذي رفض التعاون مع عارف عبد الرزاق من الاستخبارات العسكرية.. فأصبح اقرب المقربين لرئيس الجمهورية.. ثم اعتمده عبد الرحمن عارف عندما أصبح رئيسا للجمهورية.. وأصبح مديراً للاستخبارات العسكرية وكالة.. فيما عين إبراهيم الداوود آمراً للحرس الجمهوري.

السيرة والتكوين:

ولد عبد الرزاق سعيد النايف في مدينة الفلوجة (ديرة عبد السلام عارف) التابعة لمحافظة الأنبار العام 1934.. وتخرج ضابطاً في الكلية العسكرية ببغداد العام 1953.. ثم عمل مدرساً في الكلية نفسها.. ونقل الى قوات المشاة.. ونقله عبد السلام عارف إلى الاستخبارات العسكرية.. درس أساليب الاستخبارات في بريطانيا وعاد إلى العراق العام 1964.

منذ نكسة حزيران العام 1967 برزت على الساحة العراقية كتلتان لعبت الدور السياسي الرئيس في البلاد.. الأولى: كتلة طاهر يحيى (رئيس الوزراء آنذاك).. والثانية: كتلة القصر الجمهوري: المكونة من عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود.. وهما “ديرة عارف”.

حركة الثوريين العرب:

يشير الدكتور مجيد خدوري في كتابة (العراق الجمهوري) انه بعد نكسة حزيران.. وفي الثالث من تشرين الأول العام 1967 تم تشكيل وفد من اثنتي عشرة شخصية عراقية معروفة برئاسة عبد الرحمن البزاز (رئيس وزراء سابق) استقبله الرئيس عبد الرحمن عارف.. وتم خلال لقائهم طرح ثلاث وعشرين نقطة كانت الأهم فيها إيقاف تسريح الموظفين والعاملين في الدولة من وظائفهم نتيجة للازمة الاقتصادية التي يمر بها العراق.. فوعدهم عبد الرحمن عارف بتنفيذ طلباتهم مع إطلالة تشرين الثاني من العام نفسه (أي بعد شهر من ذلك اللقاء).. لكن عارف لم يلتزم بوعده.. مما حدا ببعض تلك الشخصيات إلى أن تجد العذر لقبول مقترح سبق أن قدمه لهم عبد الرزاق النايف بتشكيل حركة سياسية باسم (الثوريين العرب).. قائلاً: (إن هذه الحركة استطاعت جمع أنصار كثيرين لها بفترة وجيزة جميعهم من التيار القومي الوطني.. الذين لا علاقة لهم بالبعث مطلقاً.. على الرغم من محاولة العديد من البعثيين سواء اليساريين أم اليمينيين للانضمام لتلك الحركة لكنها فشلت).

حركة تصحيح.. وليس انقلاباً !
يقول حميد جوير أحد كوادر الثوريين العرب: ومع النضج في مسار الحركة من خلال البناء الذي أنشأته جمهرة من الساسة والمثقفين تم الاتفاق على القيام بحركة تصحيحية في السادس عشر من نيسان 1968 وان عبد الرزاق النايف هو الذي يقود الحركة.. لكن النايف أرسل نزار الأنصاري (الضابط في الاستخبارات العسكرية.. وتحسين السوز (الصحفي القومي) والاثنان أعضاء في قيادة الحركة.. أرسلهم الى قيادة هذه الحركة ليبلغوهم طلب النايف بتأجيل موعد الحركة التصحيحية لمدة شهرين أو أكثر بقليل من دون ذكر سبب.
كما طلب النايف أيضا عقد اجتماع في التاسع من نيسان 1968.. وفي الاجتماع الذي عقد في بيت تحسين السوز تحدث النايف قائلاً: (إن سبب تأجيل موعد الثورة لأننا سوف نعمل مع جهات وطنية أخرى).. ويضيف جوير قائلاً: (انتفض الحاضرون قائلين: حركة تصحيحية وليست ثورة!).. فاستدرك النايف وقال عذراً.. فسأله مسؤول تنظيم الجنوب: من هؤلاء؟
فأجاب النايف: (حزب البعث).. ضحك التسعة.. قادة هذه الحركة اجمعهم.. وساد جو من الدهشة والاستغراب.. قطعه النايف قائلاً: (اقسم بالله لقد اتصل بي السفير البريطاني في بغداد وقال إن حركتكم لا تتم حسبما تريدون.. وسوف نجهضها ونجهض عارف معكم ما لم تشركوا من نريد.. وأعطاني موعدا فالتقيته وبصحبته احمد حسن البكر).. وقال: (هذا ومن معه سوف تتعاونون معه على الثورة).
المهم: رفض الجميع وتركوا الاجتماع وحلوا حركتهم والتقوا (قيس نجل الرئيس عبد الرحمن عارف).. وقالوا له: (بلغ والدك أن يلتزم بالحد الأدنى مما اتفق عليه.. وإلا سوف لن تدوم رئاسته فهناك من يروم إسقاط أبيك وهو شخص قريب جدا منه).

الانقلاب الأبيض:

كان طاهر يحيى (رئيس الوزراء) قد قدم استقالته قبل انقلاب 17 تموز 1968.. وذهب المقدم الركن عبد الرزاق النايف إلى لقاء الرئيس عارف وفاتحه في أمر التغيير الوزاري وعرض عليه اسماً اجمع الكل عليه.. وهو السيد محسن حسين الحبيب (سفير العراق في موسكو).. لكن الرئيس عارف صممً على إسناد الوزارة الجديدة الى طاهر يحيى.. وأمام الضغط اقترح إرجاء المناقشة بعد الاحتفال بعيد ثورة 14 تموز.. وبعد مرور ساعات قليلة تفجر الصدام غير المباشر بين اللواء إبراهيم فيصل الأنصاري والمقدم الركن عبد الرزاق النايف.. إذ اصدر الأنصاري قراراً بنقل مجموعة من الضباط المعروفة بتعاونها مع النايف إلى مراكز بعيدة من بينهم العميد نصيف السامرائي (أمر الكلية العسكرية) الذي نقل الى وظيفة ملحق عسكري بسفارة العراق بالقاهرة.. وكان من المفروض أن يبدي النايف رأيه قبل صدور أمر النقل باعتباره مدير الاستخبارات العسكرية.. فقدم النايف استقالته واعتكف في بيته.. وعلى الفور استدعى الرئيس عارف النايف إلى مكتب الرئيس ليجد اللواء الأنصاري والعميد طيار جاسم الشاهر قائد القوة الجوية ودار نقاش سياسي.. وأخيرا هاجم الشاهر وطنية النايف فقال له النايف (لقد أقالتك ثورة 14 تموز من منصبك).. أي ما معناه انك يا جسام آخر من يتكلم عن الوطنية!! وتأزم الموقف.. واقترح الرئيس عارف أن يقبل النايف هذه القرارات على أن تلغى بعد عدة أسابيع حفاظاً على المظهر العسكري والضبط العام.

ويتحدث عبد الكريم فرحان وزير الإرشاد والقيادي الناصري المعروف.. عن إسراع النايف والداوود بتنفيذ انقلابهم في كتابه (حصاد الثورة).. حيث يقول: (ركبً الغرور مجموعة (الداوود ـ النايف) وشجعها ضعف شخصية رئيس الجمهورية (عارف) واستجابته لجميع طلباتهم ومقترحاتهم وثقته المطلقة بهم.. فبدؤوا يعملون على إقصاء عبد الرحمن عارف وإحلال العقيد إبراهيم الداوود محله.. وجرى اتصال بصعب الحردان (آمر الانضباط العسكري) وغيره.. وعهد إلى العميد الركن فيصل شرهان العرس مهمة التحقق من نوايا الداوود فزاره وتحدث معه.. وقال له الداوود معتداً ومتباهياً: (لقد كان جمال عبد الناصر مقدماً.. أما أنا فعقيد) وسخر من ضعف رئيس الجمهورية.. ثم جاء لزيارة بغداد طلعت صدقي المستشار في رئاسة الجمهورية المصرية.. بناء على دعوة تلقاها من طاهر يحيى (رئيس الوزراء).. فدعاه الداوود وحضر الدعوة عبد الرزاق النايف وشرب الثلاثة.. وتحدث الداوود عن نواياه وسهولة تحقيقها.. وقرب التخلص من عبد الرحمن عارف.
في اليوم التالي توجه طلعت إلى رئيس الوزراء طاهر يحيى وحدثه بما سمع من الداوود.. كما ذهب صعب الحردان ليخبر رئيس الجمهورية بما سمعه من الداوود.. فلم يصدق عارف النبأ.. كما حذر آخر الرئيس عارف من مجموعة الداوود ـ النايف.
كما وصلت تقارير من مديرية الأمن العامة تشير إلى تحركات لأحمد حسن البكر ومجموعة من الضباط الذين يحسبون على البعث.. كذلك نشاطات للنايف.. فأرسل الرئيس عارف على البكر الذي اقسم له بان الأخبار كاذبة والتزم البقاء في داره وعن تلك الأحداث يتحدث فردً عليه قائلاً: (هؤلاء مخلصون.. وقفوا إلى جانبي في المحنة.. اشك في زوجتي ولا اشك فيهم).
عن تلك الأحداث يتحدث جلال طالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الى مجلة الوسط التي تصدر في لندن بتاريخ 16/ 11/ 1998 ومما جاء في حديثه: كانت مجموعة من الضباط تخطط للقيام بمحاولة انقلابية.. ومن هؤلاء عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود وبشير الطالب واتصلوا بعبد الستار عبد اللطيف وأنا والشهيد فؤاد ألركابي للتعاون مع الحركة الاشتراكية التي يتزعمها ألركابي.. واقترحوا أن يكون ألركابي رئيسا للوزراء لكنه رفض العرض عندئذ عرضوا مشروعهم على مجموعة البعث.. ويضيف طالباني قائلاً: (في تلك الفترة جرى لقاء بين بشير الطالب الذي كان ملحقا عسكرياً في بيروت.. مع الملحقين البريطاني والإيراني وقرروا الاتصال بمجموعة النايف وإبراهيم الداوود من اجل القيام بانقلاب في العراق.. وهو ما أخافنا من التعامل مع هذه المجموعة.. فذهبتُ إلى الرئيس عبد الرحمن عارف وأبلغته بما يجري.. فردً علي بأنه استدعى إبراهيم الداوود وعبد الرزاق النايف وسعدون غيدان واقسموا أمامي بالقرآن بأن لن يتآمروا عليّ).

تقرير الأمن حول الانقلاب:

في السابع عشر من حزيران 1968 أي قبل شهر من وقوع الانقلاب سلمت دائرة الأمن العامة الى الرئيس عبد الرحمن عارف خيوط الانقلاب وبمساعدة دولة أجنبية.. وهذه المعلومات أخذت من شخصيتين أردنيتين القي القبض عليهما يرومان الدخول الى السفارة البريطانية ببغداد.. فاتصل عارف بالنايف والداوود.. ويقول الرئيس عارف: (حينما واجهتهما بما يضمرانه من مكيدة عليً تناول إبراهيم كتاب الله المصحف الشريف من على طاولتي وقال: (نحلف بالقرآن نحن أتباعك ونحميك أكثر من أنفسنا.. ولا نتآمر عليك.. ولكي يؤكد النايف موقفه مني قام على اثر ذلك بإلقاء القبض على العديد من الضباط وضباط الصف والمدنيين من البعثيين قدرت أعدادهم بمائة وأربعة وستين عسكريا وعدد لا يستهان به من المدنيين لأن التقرير الأمني الذي ورد لي ينص على أن هناك انقلاباً يقوم به حزب البعث العربي الاشتراكي مع دولتين مجاورتين)!!

ويضيف عارف قائلاً: لكن تبين فيما بعد أن النايف قام باعتقال العسكريين والمدنيين من البعثيين من جناح سورية ليبقي الشارع فارغا من جناح عفلق المتحالف معه).
المهم أن الرئيس عارف طلب من الصحفي سامي فرج مراسل جريدة الأنوار اللبنانية في بغداد نشر جميع أسرار هذه المؤامرة وأعطاه جميع المعلومات والوثائق طالباً منه عدم ذكر اسمه (أي الرئيس عارف).. وفي اليوم التالي نشرت الأنوار كل المعلومات لكن سامي فرج لم يلتزم بتعهده لعارف فقد نشر اسمه جرى بمقابلته معه.. كما حذرت الأنوار الشعب العراقي من مغبة عودة البعث ثانية.. كل ذلك جعل سامي فرج علي أول معتقل سياسي بعد 17 تموز 1968..
ومع ذلك وقع الانقلاب.. والتزم البعثيون بتعهدهم ولم يقتلوا أحداً في ذلك اليوم.. وغادر عبد الرحمن عارف وعائلته العراق.
ويسرد الصحفي حمدي لطفي في مجلة المصور في تحقيقه الصحفي خلال زيارته بغداد.. بعد الانقلاب.. بعنوان: ( قصة الانقلاب).. قال فيه: إن الانقلاب كان أسهل من شربة ماء حيث يقول: تولى إبراهيم الداوود قائد الحرس الجمهوري.. الذي أصبح وزيراً للدفاع بعد الانقلاب السيطرة على القصر الجمهوري.. وكل ما فعله شيئاً بسيطاً.. فقد جعل مدفعية الدبابات تستدير نحو القصر.. وكان عبد الرزاق النايف يقوم بالقيادة والسيطرة.

وما أن نجح الانقلاب حتى أصبح عبد الرزاق النايف رئيسا للوزراء.. الذي لم يدم سوى 13 يوماً بهذا المنصب.

الانقلاب على النايف:
في آب العام 1968 كتبت مجلة الطليعة المصرية المعروفة باتجاهها اليساري تقريراً عن الانقلاب بعنوان: (انقلاب دون تغييرات أساسية).. تنبأت فيه بحصول صراع جديد بين هذه الكتل وهي: الجناح اليميني في حزب البعث ويمثله احمد حسن البكر الذي اختير رئيسا للجمهورية والمحافظون من أنصار عبد العزيز العقيلي وهو من اليمينيين وعبد الرزاق النايف وحركته “الثوريون العرب”.. والقوميون المستقلون ويمثلهم ناجي طالب.. وذكرت المجلة: إن جناح احمد حسن البكر يسيطر على المراكز الرئيسة في الدولة.. ويشغل 8 وزارات من بينها وزارة الداخلية فضلا على رئاسة الجمهورية ورئاسة أركان الجيش.
وفي هذا الصدد يذكر جلال طالباني في جريدة الوسط (المصدر السابق) في 21 تموز 1968 “أي بعد الانقلاب بأربعة أيام” كنتُ مع إبراهيم احمد والمرحوم عمر مصطفى (عمر دبابة) وهما قياديين في الحزب الديمقراطي الكردستاني.. وذلك في شارع الجمهورية ببغداد ولاحقتنا سيارة وعندما التفتُ رأيتُ صدام يقود سيارته وحيداً.. وقدمته لهما وسألته وين رايح أبو عدي؟ أجاب الى الطبيب أخشى أن أكون مصابا بقرحة المعدة.. سألناه لماذا ؟ قال منذ اليوم الأول الذي تعاونا فيه مع هؤلاء الجواسيس والمشبوهين وأنا لا أنام وأفكر ماذا لو نجحوا في طردنا من الحكم؟.. ويضيف طالباني وفي اليوم التالي كان لنا لقاء مع رئيس الوزراء الجديد عبد الرزاق النايف فتكلم ضد البعث.. وأشار الى إن احمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وحردان التكريتي اقسموا بالقرآن بأنهم غير منتمين الى البعث وقد دخلوا بصفتهم الشخصية.
وفي تبريره للانقلاب في 30 تموز 1968 يقول البعث إن النايف عميل وجاسوس بريطاني وانه تسلل الى الثورة عندما فوجئنا ونحن مجتمعون في ليل 16 تموز 1968 في بيت البكر لوضع اللمسات الأخيرة للانقلاب.. بأن طرق الباب في منتصف الليل فذهب البكر وفتح الباب ثم عاد حاملا ورقة صغيرة وهي رسالة من المقدم الركن عبد الرزاق النايف.. يقول فيها لديً معلومات أنكم ستقومون بهذه العملية أضم صوتي إلى صوتكم.. أنا معكم جاهز لتنفيذ المهمة وتوكلوا على الله.. ويضيف القيادي في البعث صلاح عمر العلي.. الذي كان حاضرا ذلك الاجتماع.. بعد تدارس الموضوع من جميع الاتجاهات بعثنا له بالجواب الآتي: “تعمدنا عن قصد عدم إبلاغك والسبب وجودك في موقع حساس وخوفنا عليك.. إننا ابلغنا الأخ إبراهيم الداوود كي لا نبلغك مباشرة تجنبا للإحراج.. وستكون رئيسا لوزراء العراق.. إذا وفقنا الله” ويقول صدام حسين:” اتخذنا قرارا بإنهاء المتسللين بأقرب فرصة”.
لكن الوقائع تشير عكس ذلك.. فالنايف عين عضو في مجلس قيادة الثورة إضافة لرئاسة الوزارة.. فلماذا عضوا في مجلس قيادة الثورة ؟ كما سبق أن اعتقل العشرات من البعثيين جناح سورية.. وإعادة الضباط وضباط الصف من مؤيدي البكر.. ونقلهم الى أماكن حساسة من جماعة البكر.. وبطلب من البكر تم نقل لواء المدرع الذي يقوده حماد شهاب وغيرها.. كل تلك الأعمال كانت تصب في تسهيل نجاح الانقلاب.. فلماذا قام بها ؟!! كل هذه الخطوات تؤكد إن النايف متحالف مع جماعة البكرـ صدام للتآمر على عبد الرحمن عارف! وهو ما يؤكده حردان التكريتي في مذكراته.. وذكرناها بالتفصيل راجع حردان التكريتي.. في كتابي: (رجالات العراق الجمهوري من عبد الكريم قاسم الى صدام حسين).

طائفية النايف:
سأل الصحفي اللبناني حازم الأمين في صحيفة الحياة اللبنانية علي النايف (نجل عبد الرزاق النايف).. هل كان والدك يكره حزب البعث ؟؟.. أجاب الابن بالنفي.. بأن والده “لم يكن يكره أحداً باستثناء الشيوعيين.. “لذلك يخمن وهو يقول “لعل هذه النقطة هي التي زادت من قربه من عبد السلام عارف.
ويعود ويؤكد “لم يكن لدى والدي أي كره للبعثيين”.. وللتأكيد على ذلك يواصل قائلاً: “ما أعرفه هو إن مبلغاً ما من مخصصاته في الاستخبارات في المرحلة الأولى كان يصل إلى صدام ورفاقه”.. ويضيف علي النايف قائلاً: “ما أعرفه إن صدام كان يتلقى مساعدة في حدود 30 ديناراً.. والدي أكد ذلك”.. ثم من ؟ يقول والكلام لا زال لعلي النايف “لا أذكر أسم الشخص الآخر.
فيما يؤكد الصحفي إن القيادي البعثي صلاح عمر العلي يقول: إن الحقد الذي يكنه النايف في صدره كان نصيبه الشيعة.. لذا أكد في مذكراته التي اطلع عليها الصحفي وذكرها في القسم الأخير من روايته عن النايف.. وهو وصفه المجرم: (ناظم كزار) وصفاً إياه انه: طائفياً مقيتاً متعامياً عن الحقيقة.
دعونا نقرأ ما خطته يد النايف في مذكراته التي تشي بطائفيته.. فنراه يقول: “في أيار/مايو 1971.. انتخب رئيس العصابات البعثية صدام التكريتي أربعين شخصا من أولاد الشوارع.. عاونه وساعده في اختيارهم رفيقه الجلاد الشعوبي ـ وهنا بيت القصيد (ناظم كزار).. المعروف بأن نغمة ()الشعوبيين طغت في وصم الشيعة بها أيام (عبد السلام عارف).. وتأججت أكثر في عهد البعث.
ويتمم النايف كلامه: “وفي ختام الدورة التدريبية في شهر تشرين ثاني / نوفمبر العام 1971 التقى بهم الشعوبي الحاقد ناظم كزار جلاد”قصر النهاية”.. وعدو العنصر العربي في العراق – وفي سائر الوطن العربي”.
ويضيف الصحفي القول: الغريب في الأمر أن النايف يصور مجرما مثل: ناظم كزار ينتقي ضحاياه من بين العراقيين على هواه ومن العرب فقط.. كما ظهر من مذكرات النايف.
فإذا كان رأي عبد الرزاق النايف في صدام بأنه: (سرسري أو شلايتي).. كما ذكر ابنه علي.. فكيف يتفق النايف مع من هم على شاكلة صدام وصحبه للانقلاب على ابن مدينته الرئيس بالوراثة (عبد الرحمن عارف)؟؟!!.
يظل السؤال المعلق كما يقول الصحفي حازم الأمين هو: لو أنتصر خط النايف فهل يعقل أن يكون أنظف من خط غريمه في كره الشيعة والشيوعيين صدام حسين؟؟!.

اغتيال النايف:
بدأ نظام البعث محاولات تصفية النايف منذ حزيران 1969 حيث يقول النايف كنا نقيم في جنيف.. وأكدت ليً زوجتي إن جميع أصدقائي نصحوها بترك المطار قائلاً: (اترك جنيف فورا وإلا قتلك البعثيون المجرمون).. وفي العام 1972 اقترب الرصاص من النايف عندما فتح باب شقته في لندن فأمطره المسلحون بالرصاص أسعفه الحظ ونجا لكن الرصاصات أصابت زوجته لمياء.. استثمر النايف وجوده في البيت.. فأعاد تصحيح وتنقيح مذكراته ولم يبق شاردة أو واردة ( له أوعليه) إلا وذكرها وسلم مذكراته الى الروائي احمد دايح الدوري لنشرها لكن لم يمر على تسليمه المذكرات سوى ثلاثة أيام حتى اغتيل النايف في لندن.. كما اختفى احمد دايح ولم يعد له اثر حتى الآن.
وعن اغتيال النايف يتحدث نجل النايف (علي) قائلاً: وصلنا الى لندن في الأول من تموز 1978 والدي وصل في السابع منه قادما من عمان.. أمضيتُ مع أبي يوماً جميلاً زرنا خلاله متحف الشمع ومتنزها للأطفال.. في اليوم التالي لم أره خرج صباحاً وعاد متأخراً في حدود العاشرة ليلاً.. ابلغ والدتي انه ذاهب لتناول العشاء فأصريتُ على مرافقته مع ( ….) مسؤول المخابرات العراقية.. واعتقد في نادي “سبورتنج” واقتصر على ثلاثة.
في التاسع من تموز التاسع صباحاً قبلني والدي.. وقال ليً أنا خارج وسأعود في الحادية عشرة طلبتُ منه أن يصطحبني الى مكان معين فوعدني بذلك لدى عودته.. وفي الثانية عشرة اتصل وقال: انه آتِ الى المنزل في الرابعة عصراً وكنا ننتظر وفيما كنتُ أشاهد التلفزيون الذي قطع برنامجه ليعلن عن إصابة عبد الرزاق النايف.. وفي الحال ذهبنا الى المستشفى سألنا المحقق عما نعرفه قلنا انه ذهب الى فندق انتركونينتال ليلتقي عبد الحميد الخربيط (سفير العراق سابقا).. الذي ظهر في حياتنا في العام 1975 وكان يزعم الى انه يسعى لترتيب العلاقات بين السلطة ووالدي.. وكان والدي يلتقي مع مسؤول عراقي عندما يكون الخربيط معه في الفندق.. لكن عندما سأل والدي عنه في الفندق أجابوه: انه غادر عندها التقى المسؤول العراقي في غرفته.. كل ما نعرفه إن هذا المسؤول نزل مع والدي الى بهو الفندق مودعاً.. وعاد الى غرفته فور خروج والدي من الفندق كان القاتل بانتظاره وعاجله برصاصات عدة.. وقد امسك بالقاتل واسمه (خالد احمد) عراقي سجن 25 سنة.. وقد أمسك به بواب الفندق.. أما المسؤول العراقي فقد غادر لندن ولم يظهر اسمه في التحقيقات.. وفي اليوم التالي توفى النايف متأثرا بإصابته.
يجدر بالذكر انه في أواخر سبعينيات القرن الماضي وخلال اجتماع للملاك الحزبي أجاب صدام حسين عن استفسار لكادر متقدم في الحزب عن مقتل النايف فقهقه (هه هه هه.. حنه اللي چتلناه !) أي نحن الذين قتلناه!!

أحدث المقالات