حمورابي الملك البابلي الأكدي الذي حكم العراق بين عامي 1752 – 1792 ق . م نشر قوانينه على مسلة من حجر الديوريت الأسود مازالت حتى يومنا هذا وثيقة نظمت العلاقات بين السلطة الحاكمة والشعب .. لا يوجد قانون منذ أن أخرج الله آدم عليه السلام من الجنة لمخالفته القوانين الإلهية إلا ونشر علنا! حتى الملائكة والجن والحيوانات ترتبط بقوانين بعضها حددته الفطرة وأخرى حددها الخالق عز وجل ومعظمها إتفق البشر فيما بينهم على سنها.. الكتب السماوية والإتفاقات الدولية والمعاهدات بين الأمم والشعوب والجيوش المتحاربة لها قوانينها.. علاقة الإنسان وتوصيفه ومنحه المكانة المحددة له وصلاحياته الإجتماعية نظمت بثوان .. بدءا من علاقة الانسان مع نفسه ومع أسرته ومع أبناء المجتمع الأقرباء والغرباء.. كل هذه القوانين أعلنت ومن بديهياتها المنطقية الإعلام عنها كي يلتزم الناس بنصوصها ماينفعهم وما يضرهم.. المجرم حين يواجه بدليل دامغ على إرتكابه لجريمة ما.. يقرأ عليه نص الحكم رقما وقراءة وتعليلا..
دعيت في عام ( 2005 ) للمشاركة في جلسات تعديل بعض نصوص الدستور العراقي.. وبعض الزملاء والأصدقاء ممن يقرأون هذه الأسطر يتذكرون ما عانيته شخصيا بعد إعتراضي على عشرات الفقرات والمواد ومحاولات هروب وإلتفاف اللجنة العليا وإصرارهم على إخفاء المواد المثبتة وعدم قراءة بعضها بحجج مضحكة ورغم محاولاتي وإصراري ودعوتي إلى الجلوس مع اللجنة العليا، لم أنجح مع بعض الزملاء من مختلف محافظات العراق إلا بتعديل بضع مواد فقط، ثم قيام أعضاء من أحزاب وتكتلات معروفة للتفاهم الجانبي معنا (معظمهم الآن أعضاء في البرلمان ) وإستغلت اللجنة العليا هذا الفراغ المتفق عليه وصوتت على تعديلات غير مهمة! أما الأخرى فقد تجاوزتها التعديلات وبقيت على وضعها.. أدركت أن هناك من يقود الأمور ويتحكم بالدولة وراء الكواليس!
فالعراق البلد الوحيد في العالم لايعلن عن قوانينه بوضوح .. عشرات القوانين والتعديلات والإلغاءات يتم الإعلان عنها بحياء والموافقة بسرية وتبقى تفصيلات وتطبيقات هذه القوانين كأنها أحجيات أو حزورات..
من أهم تلك القوانين ما يسمى بقانون العفو العام ، في كل يوم نسمع به عشرات المرات ونشاهد على القنوات الفضائية مؤتمرات صحفية وإجتماعات لزعماء الأحزاب والكتل السياسية وجلسات لمجلس النواب حول القانون، ولاأحد من أبناء الشعب العراقي يعرف تفاصيل هذا القانون الغامض ولانعرف ماهي مصادره القانونية ومن هم القائمون والمسؤولون على تحديد فقراته ومتى يبدأ العمل به ؟ والأهم أين أصبح القانون ولماذا لايفصح عنه علنا في وسائل الإعلام وإجراء برنامج لمتخصص مزدوج في المجال الإعلامي والقانوني لشرح القانون لأبناء شعبنا الصابر أو الإبقاء عليه وراء الكواليس والإتفاق على تنفيذه فوق موائد أخفيت بتعمد.. وإستبدال إسمه إلى قانون العفو الغامض لأنه لايعني الشعب بل يهم المستفيدين من دمار وخراب العراقيين وضياع مستقبلهم بين فكوك الطغاة ! ولله الأمر