خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن زعيم (التيار الصدري)، “مقتدى الصدر”، مازال يحاول ممارسة ألعابه السياسية، التي ظهرت جليًا على الساحة العراقية في الفترة الأخيرة، ومن إحدى هذه الأدوات ما صرح به مؤخرًا في لقاء متلفز، وتحدَّث فيه عن جملة مواضيع، إلا أن أبرز ما أثار العراقيين هو التهديد بإلغاء تجميد مليشيا (جيش المهدي)؛ التي تُعد أبرز أدوات الفتنة الطائفية في “العراق”، إلى جانب تنظيم (القاعدة) الإرهابي، بين عامي (2006 ـ 2011).
وقال “الصدر” إنه: “اضطر لقطع دروسه في إيران، عائدًا إلى العراق بسبب انتشار فيروس (كورونا)، مع أن توقيت تلقيه هذه الدروس كان مقصودًا بالتزامن مع التظاهرات المستمرة في العراق”.
وتابع: “إذا أعادت القيادات السُنية، (السياسيين)، المفخخات نُرجع أشياء أخرى كثيرة وإن (جيش المهدي) يمكنه إعادتها بكل سهولة”، ملوحًا بإمكانية اللجوء إلى “البطة”، وهو لقب السيارات التي كان عناصر (جيش المهدي) يستخدمونها لخطف العراقيين؛ ومن ثم قتلهم في الشوارع.
عودة الجيوش والمليشيات المُضرة ليس بصالح الاستقرار..
تلك التصريحات أثارت العديد من ردود أفعال العراقيين وتعليقاتهم، فقال رئيس المشروع العربي، “خميس الخنجر”، أمس، ردًا على “الصدر” بشأن عودة (جيش المهدي)، مؤكدًا أنه ضد عودة أي جيش طائفي لأي جهة، أشار إلى أن التلويح بعودة جيوش ومليشيات مُضرة وليس بصالح الاستقرار.
وأشار “الخنجر” إلى أنه: “نحن في مرحلة بناء الثقة وإلغاء الطائفية؛ وعبرنا مراحل جيدة جدًا، ولم أسمع من أي زعيم أو شخصية سُنية دعت إلى ذلك”.
وأعرب “الخنجر” عن: “استغرابه من تصريحات الصدر”، مؤكدًا بالقول: “كلنا نكون ضد المتشدد، سنيًا كان أو شيعيًا، لكن من خلال الدولة والقانون، والمطالبة بعودة جيوش ومليشيات مُضرة، حتى أن التلويح بهذا الموضع ليس من صالحنا”.
وتابع، أن: “المعلومات التي وصلت إلى الصدر بهذا الشأن مغلوطة، فالسُنة هم من قتلهم تنظيم (داعش) و(القاعدة) أكثر من المكونات الأخرى”، مشيرًا بالقول: “لا أريد إلا أن أكون عاملًا مساعدًا على الاستقرار، وأنا ضد عودة أي جيش طائفي لأي جهة، وغير صحيح أن نعود إلى المربع الأول، نؤمن بالدولة ومؤسساتها لكي تثق الناس”.
الصحوة أمام “جيش المهدي”..
كما رد زعيم (مؤتمر صحوة العراق)، “أحمد أبوريشة”، على كلام “الصدر”؛ قائلاً: “سنُعيد (الصحوة)؛ وإن عدتم عُدنا”.
وقال “أبوريشة”، في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إنه: “نحن من أكتوى بنار الإرهاب والانتحاريين والمفخخات وخطف أبنائنا ودفنهم خلف السدة في كسرة وعطش، هذه التهديدات لا تخيفنا”.
وأضاف أنه: “إذا تطلب الموقف سنُعيد الصحوة وتاريخها المشرف بقتالها ضد الإرهاب؛ ونتصدى لكل من يهدد أرواح العراقيين وحتى (جيش المهدي) إذا كانت له النية أن يهدد أمن شعبنا، إن عدتم عُدنا”.
المليشيات المسجلة على قوائم الإرهاب فرخها “جيش المهدي”..
وكتب المدون العراقي، “يوسف التميمي”، على صفحته في (فيس بوك)، ساخرًا: “صدقوني، ومن كان فيكم ذكيًا سيفهم قولي. مقابلة مقتدى الصدر اليوم على الشرقية لا تختلف كثيرًا عن مشهد مقابلة الجوكر في فلم الجوكر مع روبرت دينيرو. نفس الأسلوب”.
أما “جوان عبدالله”، فقد أشارت إلى: “نُذكر الصدر بأن غالبية المليشيات المسلحة المسجلة على قوائم الإرهاب الدولية، وفي مقدمتها (العصائب والنجباء ولواء العباس)، وغيرها فرخها (جيش المهدي)، وقادتها تدربوا على قتل العراقيين في (جيش المهدي) وانشقوا عنه ليُشكلوا مليشياتهم الإرهابية، وأن هذه المليشيات، كما (جيش المهدي)، لم تُدافع عن العراقيين أو تُقاوم الاحتلال كما يدعي قادتها زورًا وبُهتانًا، بل قتلوا آلاف العراقيين الأبرياء لأسباب طائفية بحتة ولتدمير الأوضاع الأمنية في العراق”.
وسيلة ضغط لقبول التشكيلة الوزارية الجديدة..
من جهته؛ ردَّ النائب في البرلمان العراقي، “ظافر العاني”، على تصريحات “مقتدى الصدر”، مبينًا أنها قد تكون وسيلة ضغط على الكيانات السياسية للموافقة والقبول بالتشكيلة الوزارية الجديدة لـ”محمد توفيق علاوي”، وأشار إلى أنها تتحدى الدولة والمجتمع.
وعبر (تويتر)؛ غرَّد “أثير الغانمي”: “تأكدت بعد مشاهدة لقاء مقتدى الصدر على قناة (الشرقية)؛ أنه مريض نفسيًا ومُجرم بإعترافه بأنه بأمر منه (جيش المهدي) قتل السُنة في فترة الطائفية؛ وبأمر منه (القبعات الزرق) قتلوا المتظاهرين؛ وبإعترافه الشخصي، لذا أطالب كل محامٍ شريف بإقامة دعاوى قضائية بحقه وفي المحاكم الدولية كمجرم حرب”.
تحفيز لسيناريو تُشعله إيران..
أما الإعلامي العراقي، “عمر الجمّال”، فقد اعتبر أن تصريحات “الصدر”: “تحفيز لسيناريو قد تُشعله إيران في الأيام القادمة”.
عزوف النواب عن حضور الجلسات بسبب تهديدات “الصدر”..
إلى ذلك؛ كشف النائب في البرلمان العراقي، “فائق الشيخ علي”، عن سبب عدم إكتمال النصاب في جلسة البرلمان، أمس، للتصويت على كابينة رئيس الوزراء العراقي المُكلف، “محمد علاوي”، مرجعًا السبب إلى: “تهديدات مقتدى الصدر للنواب”.
وقال “الشيخ علي”، في تغريدة على (تويتر): “كل مَنْ أسأله من النواب: لماذا لم تحضر جلسة مجلس النواب وكسرتَ النصاب ؟.. هل بسبب اعتراضك على محمد توفيق علاوي وتشكيلته الوزارية ؟.. يرد عليَّ: لا والله.. وإنما بسبب تهديدات السيد مقتدى الصدر !”.
مضيفًا: “فهو يستطيع أن يهدد 54 نائبًا من نوابه.. لكن ليس باستطاعته أن يُهدد 275 نائبًا آخر”.
وأجل “مجلس النواب” العراقي جلسته الاستثنائية إلى غدًا، السبت.
ووصلت أسماء المرشحين للمناصب الوزارية في الحكومة الجديدة، رسميًا، إلى “مجلس النواب” وتغيرت مرشحة وزارة العمل، “سندس البيرقدار”، بشخصية أخرى استجابة لاعتراضات بعض الكتل، كما تم تأجيل تسمية مرشحي وزارات “الدفاع والداخلية والعدل والمالية والتجارة”، وهناك ترجيحات بتمرير 17 حقيبة وزارية وتأجيل الخمس المتبقيات.
وكانت رئاسة البرلمان، قد قررت عقد جلسة التصويت على منح الثقة لحكومة “محمد علاوي”، أمس الخميس.
ما هو “جيش المهدي” ؟
و(جيش المهدي)؛ ليس جيشًا بالمعنى العسكري التقليدي الرسمي المتعارف عليه، بل هو ليس سوى مجموعة مليشيات مسلحة تتكون من متطوعين ليسوا عسكريين.
تم تشكيله، في تموز/يوليو 2003، بأمر من الزعيم الشيعي العراقي، “مقتدى الصدر”، بهدف أساس مُعلن هو حماية المراقد الشيعية في أعقاب سقوط نظام “صدام حسين”.
الهدف تبدل لاحقًا؛ لتصبح هذه المليشيات رأس حربة في صراع ضد القوات الأميركية على أرض “العراق”، ثم في وقت لاحق طرفًا في صراع طائفي وصراع مع الحكومة.
أعلن “مقتدى الصدر”، رسميًا، عن البدء بقتال الجيش الأميركي بسبب إغلاق “صحيفة الحوزة”، التابعة لـ (التيار الصدري)، في نيسان/أبريل 2004، ومحاولات اعتقاله شخصيًا.
قتل واختطاف وتهجير للطائفة السُنية..
يُعرف هذا التنظيم المسلح باسم “فرق الموت”، حيث يُتهم بالوقوف وراء عمليات قتل جماعي واختطاف وتهجير، خاصة ضد أفراد من الطائفة السُنية.
وأرتبط اسمه بعمليات إبادة وتهجير قسري وتخريب عديدة في البلاد، أبرزها تلك التي وقعت بعد حادثة تفجير مرقد الإمامين العسكريين في “سامراء”، عام 2006.
قام “مقتدى الصدر” بالتبرأ من العناصر المتورطة في عمليات قتل وتهجير العراقيين.
بدايات “جيش المهدي”..
بدأ (جيش المهدي) كمجموعة صغيرة، من حوالي 500 طالب ديني، مرتبط بـ”مقتدى الصدر”، في مدينة “الصدر”.
عام 2007؛ قدرت مجموعة دراسة “العراق”، والمعروفة أيضًا باسم “لجنة بيكر هاملتون”، أن عدد أفراد التنظيم بلغ 60 ألف فرد، إلا أن كثيرون كانوا يرون حينها أن العدد أكبر من ذلك بكثير، بسبب انتشاره في كل مدينة وبلدة، من “بغداد” إلى الجنوب.
وخلال ذروة نشاطه كان هذا الجيش ينقسم إلى وحدات عسكرية تبدأ من مجموعات صغيرة داخل كل فصيل مؤلف من 50 مقاتلاً، تليها السرية التي تتألف من 300 مقاتل، وكل سبع سرايا تُشكل فوجًا.
أبرز الأحداث التي تورط فيها..
هجوم “الناصرية” نيسان 2004..
قامت قوات (جيش المهدي)، في “الناصرية”، يوم 5 نيسان/أبريل 2004، بالهجوم على قواعد الجيش الإيطالي فيها وتدميرها، وكان عدد قوات (جيش المهدي)، في هذا الهجوم؛ 600 مقاتل مسلحين ببنادق ورشاشات وقذائف صاروخية.
معارك النجف ومواجهة القوات الأميركية..
قام مسلحو (جيش المهدي) بالهجوم على مراكز الشرطة وقواعد القوات الأميركية، في “النجف”، وإحراقها في آب/أغسطس عام 2004، وفرضت قوات التحالف حصارًا تامًا على قوات (جيش المهدي). وانتهت الاشتباكات بعقد هدنة.
الصراع الطائفي ومواجهة الحكومة..
بعد تفجير “مرقد الإمامين العسكريين”، في “سامراء”، في شباط/فبراير عام 2006، بدأ (جيش المهدي) بممارسة العنف بأشكال متعددة تضمنت، بحسب متابعين؛ عمليات “تهجير وقتل وتطهير عرقي” ضد السُنة في “العراق”، وبين عامي 2006 و2008؛ تحدى “الصدر” بقواته علانية، الحكومة العراقية ،برئاسة “المالكي” حينها، في محاولة للسيطرة على عدة مناطق عراقية مما أدى إلى مواجهات عسكرية مع الحكومة وقواتها، من ضمنها “صولة الفرسان”، وهي سلسلة معارك طويلة ضد القوات الحكومية.
قرارات التجميد..
في نهاية آب/أغسطس 2007؛ أعلن “مقتدى الصدر” تجميد (جيش المهدي) لمدة ستة أشهر لإعادة تنظيمه، ثم أمر من جديد، بعد انتهاء المدة، بالتجميد لمدة ستة أشهر أخرى، قبل أن ينشط من جديد عام 2008.
وفي 2009؛ أعلن “الصدر” عن تجميد المليشيا بشكل كامل، وطرد المتورطين في عمليات “تطهير طائفي” وقتل على الهوية، قبل إنخراطه في العملية السياسية بشكل رسمي.
وتسبب (جيش المهدي) بأزمة سياسية وأمنية وضعت “العراق” واستقراره على المحك.
العودة بشكل جديد..
بعد نحو خمس سنوات من إعلان “الصدر” تجميد تنظيمه المسلح، أعلن من جديد عن عودة (جيش المهدي) بحُلة جديدة.
في حزيران/يونيو 2014، أعلن “الصدر” ولادة (سرايا السلام)، ومجددًا بهدف مُعلن هو حماية المراقد المقدسة، إلا أن المليشيات شاركت في المعارك التي دارت في “العراق” ضد تنظيم (داعش)، وتعمل ضمن قوات (الحشد الشعبي).