عندما كان الصراخُ همساً، والعويلُ دمعاً، والخوفُ مسلكاً، والرفضُ صمتاً.
عندما كان الحياءُ شيمةً، والشهامةُ سِمةً، والضجيجُ مثلبةً، والجبن منقصةً.
عندما كانت الحريةُ غايةً، والحسينُ منهجاً.
عندما كان كل شيءٍ مختلفاً عما هو عليه اليوم… خرج من بين الجموع المطأطأة الرؤوس من كان مختلفاً عنهم.
خرج بعد أن سمع نداء الظالم يعلو وهو يخاطبه ” إسكت… جفف حبر يراعك وإقبع في زنزانة ظلمي”.
نعم إنه صوت الظالم ينادي آناء اليأس وأطراف الأمل: قسماً بعبير القومية دفناً دفناً يارجعية!
أولا يدري أن عويل الثكلى دوى كالبركانِ؟
وأي رجعية تلك التي يقصدها هذا الذي إتحذ الجحرَ مخدعاً؟
لعله يريد أن يجعل العمامة رمزاً للرجعية المزعومة، نعم بالفعل فالعمامة هي من عرقلت مسيرة أولئك التقدميين، وحالت دون إكمالهم لمشروع العري التحرري والإنحلال الثوري، التي تعد من أبرز مقومات الفكر التقدمي.
إذن النتيجة طبيعية بلاحظ سمات المنهجين.
فخرج الحكيم ثائراً ليستعيد وطناً سلبته الدعاية الخادعة وسلمه الخانعون الى عصابة لاتفقه من السياسة غير لغة الدم والتصفية الجسدية لكل من يفكر ولو”همسا” بمعاداة البعث.
فكانت النتيجة أن تعمد السلطة التي صفق لها كل من يرى الحاكم حقيقةً يجب الخضوع لها… إلى إستئصال الحكيم وكل ما يمت إليه بصلة من الوجود.
فهؤلاء ينظر الثورة شرذمة لاتستحق المحاكمة بعد التحقيق وإثبات الجرم، بل يجب ان يساقوا الى المشانق فوراً.
ومضت السنون وتم القصاص الجائر من هذا البيت العلوي لا لذنب إقترفوه سوى انهم أرادوا وطناً.
مرت الأيام وغالبية الناس لا يعلمون ان دماء ال الحكيم كانت ثمناً للحرية الا القليل منهم.
عقود مضت ظن الناس خلالها إن الحكيم كان قد خرج عن صف الإجماع الوطني، الذي كانت تزينه لهم أنغام” يا كاع ترابج كافورة”، وتشجعهم عليه بيانات التضامن الصادرة عن القمة العربية التي عقدت في كل مكان وسرقت ألباب من لا دراية له بحقيقة صدام الدموية، إلا قلوب وألباب العارفين بمنزلة الحكيم في ضمير البلد المستباح والحاملين لرؤيته في كيفية الخلاص من كابوس البعث.