أعتاد البشر من سكان المعمورة أن يختاروا أياماً من السنة، لأشياء مهمة بنظرهم كي يحتفلون بها كل عام، يستذكرونها ويستخلصون منها المواعظ والدروس والعِبر، وطبعاً أهميّة المناسبة من أهميّة يومها فكلما كان اليوم عظيماً كانت المناسبة أعظم.
الشهادة بمعناها العام تعني(التضحية بالنفس) وهي متفاوته في مراتبها ودرجاتها، فكلما كان الهدف أرفع وأسمى، كانت الشهادة أعلى وأرقى في مقامها، فهناك من ضحى من أجل عقيدته، وآخر في سبيل وطنه وعرضه، وغيره من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد لتغيير الواقع السيئ والمظلم إلى غدٍ مشرق، ورجل وقف بوجه الطاغوت رافضاً الظلم والعنف والتمييز الطائفي والقومي، داعياً إلى تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد. ومنهم مٓنْ جُمعت فيه كل هذه العناوين والأهداف النبيلة.
يرى كثير من القادة السياسيين في العراق، أن الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم (قده)، كان الشخصية السياسية المعارضة الوحيدة التي تفردت بالدفاع عن حقوق كافة العراقيين في المحافل الدولية، من خلال توثيقه لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها النظام البعثي الدموي، وانتهاكه لحقوق الإنسان ومنعه حرية التعبير للمواطنين، حتى قال فيه الأستاذ المرحوم رئيس جمهورية العراق جلال طالباني:( أن الشهيد السعيد “رض ” أعظم شخصية دينية سياسية حرصت على حقوق الكرد قبل العرب، وعلى حقوق السنة قبل الشيعة).
أن الذي مثٌل توجهات وتطلعات العراقيين بكل طوائفهم وأنتماءاتهم، وحمل همومهم ومعاناتهم في رؤية عراق ديمقراطي تعددي مزدهر، من المؤكد يكون قد جُمعت فيه نوايا وغايات الشهداء الذين استشهدوا من أجل تحقيق أهدافهم السامية، ولذا أصبح السيد الحكيم (رض) هو قدوتهم وإمامهم.
مٓنْ كان يرى في الشهيد العراقي رمزاً للمظلومية والمحرومية، فالحكيم عُذّب وسُجن على يد جلاوزة حزب البعث في الأعوام(١٩٧٢، ١٩٧٤، ١٩٧٧) ووضع في زنزانة لا يعرف فيها ليله من نهاره، وثم اضطر إلى الهجرة عن وطنه دامت ربع قرن، ولاقى ما لاقى من مصاعب ومصاىب ومحن كثيرة.
مٓنْ يرى في الشهيد العراقي عنواناً للبطولة والشجاعة، فالحكيم أول سياسي معارض للطاغية صدام، أُعلن عن أسمه في الصحف والاذاعات حتى راح بسبب هذا الإعلان العشرات من أخوته وبني عمومته مابين قتيل وسجين.
مٓنْ كان يرى في الشهيد العراقي صوتاً للاِصلاح ومحاربة الفساد، فالحكيم في إحدى خطب الجمعة التي كان يلقيها في الصحن الحيدري، أكد على أن تكون الوزارة تحت يد من توفرت فيه الشروط (الكفاءة والإخلاص والنزاهة).
مٓنْ كان يرى في الشهيد العراقي صورة الوحدة الوطنية، فالحكيم قالها مراراً وتكراراً ( أن من أولى أولويتنا وحدة الصف و الكلمة للعراقيين من الشمال إلى الجنوب).
مٓنْ كان يرى في الشهيد العراقي ايقونة الحرية ونبذ الطائفية، فالحكيم يرى(ان الشيعة صحيح هم الأكثرية لكن المرجعية الرشيدة تطالب بالمساواة لجميع أفراد الشعب العراقي، وضرورة توفر الحرية للعراقيين لا حرية الغرب، ولا تكون اضطهاد لطائفة أو لعنصر أو جماعة ونبذ كافة أشكال العنف).
ما خاب مٓنْ اختار يوم استشهاد السيد الحكيم (رض) في الأول من رجب من كل عام هجري، فجعله يوماً لذكرى شهداء العراق بكل مكوناته، فأحياء ذكر الشهيد الحكيم في هذا اليوم، هو أحياء ذكر جميع الشهداء في العراق، الذين قتلوا على يد طاغوت العصر (صدام السفاح) َوعلى يد الفئة الارهابية الضآلة، والشهداء الذين خرجوا من أجل المطالبة بالإصلاح والقضاء على الفساد.
السيد محمد باقر الحكيم (رض) العنوان الحقيقي للإنسان الوطني العراقي الصادق، والقدوة الأكبر والمثال الأبرز للشهيد العراقي المخلص، فسلام عليه وعلى جميع شهداء العراق.