من الصعب التصديق بأن العراقيين يقبلون تقسيمهم الى مكونات ومجاميع بشرية على اساس الدين والعرق والقومية ذلك انهم رغم تنوعهم هذا وهو واقع حال لا احد يستطيع انكاره الا انهم عاشوا ما يقارب المائة عام الاخيرة على الاقل موحدين ضمن اطار دولة واحدة وعلم واحد وخريطة واحدة وانصهروا فيما بينهم وتشكلت روابط جديدة قديمة ومصاهرات وعلاقات اخوة وصداقة فالمشتركات كثيرة ويستطيع اياً كان البناء عليها وتأسيس دولة ناجحة كبيرة قد تكون مبعث فخر لابنائها وتفرض احترامها على جميع دول الجوار قاطبة من عرب واعاجم وتصبح عضو فاعل في المجتمع الدولي والانساني وهناك الكثير من دول العالم التي تشابه العراق من حيث تنوعها العرقي والديني نجحت على انقسامها واصبحت مضرباً للأمثال في تقدمها وتطورها.
يوجد هناك من هو ما زال يراهن على تقسيم العراقيين الى مكونات فهذا سني وذاك شيعي وهذا عربي وذاك كردي وتركماني وهذا مسلم وذاك مسيحي او صابئي من ابناء العراق الاصلاء والغاية واضحة ومعروفة فعندما تفرض نفسك ممثلاً عن احدى المكونات هذه فغايتك الاستئثار بالمناصب والامتيازات والمنافع وتعيين الاقارب والاحباب والاصدقاء لتتم السرقة ويحصل النهب المنظم للمال العام وإلا ومن خلال التجارب التي عاشها العراقيون وخبروها اثبتت وبالدليل القاطع انه لا السني يمثل السنة ولا الشيعي مثل الشيعي ولا العربي مثلالعرب ولا الكردي نجح في تمثيل الكرد وما شابه من السياسيين واحزابهم فجميعهم فشلوا في قيادة مكوناتهم وفشلوا في خدمتهم واسعاد اهلهم وشعبهم بل واصبحوا وبالاً وعالة على اهلهم واذاقوهم الويلات والفقر والحرمان ناهيك عن سرقة حقوقهم وثرواتهم.
الزعيم عبد الكريم قاسم ( الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة ) كان الرئيس الوحيد الذي احب العراقيين ولم يميز بينهم او يقسمهم الى مكونات بل كان للعراق والعراقيين جميعاً وقطع الطريق على العصابات من الاحزاب والعوائل والسياسيين الذين نادوا بالمكونات للسطو على مقدرات العراقيين وثرواتهم ونجح في خضم اربع سنين من صنع نقلة نوعية في حياة العراقيين والقاصي والداني شاهد على ذلك فما كان منهم إلا ان تآمروا عليه وتخلصوا منه وليصبح العراق بعده جحيماً لا يطاق وفي صراعٍ قذر الى يومنا هذا.
العراقيون مدعوون للايمان بانهم قادرين على النهوض بالعراق وان يكون وطناً للجميع وان يكون القانون هو سيد الموقف في ادارة البلد وحكمه من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه وان يطبق على الجميع دون استثناء وفي كل ارجاء العراق وان تطبق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات وان تكون الكفاءة هي المعيار الاوحد في تسلم المنصب والموقع الوظيفي ومن دون النظر الى سنية اوشيعية المرشح او عربيته او كرديته عندذاك سيعود العراق الى سابق عهده. مشاريع التقسيم جاهزة ومصادرها متعددة ولكنها لم تقنع العراقيين البتة الا الذين في قلوبهم مرض يرونها ناجحة وهي لا زالت حبر على ورق.
البناء على المشتركات واحترام الخصوصيات هي الطريقة المثلى لجمع المتضادات وهذا ما يجب تعليمه وغرسه في عقول الاجيال القادمة من العراقيين وتضمينه نصوصاً مقدسة في دستور العراق المنقح، وفق الله كل سياسي عراقي شريف غايته النهوض بالعراق وخدمة العراقيين على اختلاف مشاربهم وسدد خطاه وكان في عوناً له في تولي تلك المسؤولية العظيمة.