23 ديسمبر، 2024 8:53 م

رمضانيات / 20 ــ علي ابن أبي طالب !

رمضانيات / 20 ــ علي ابن أبي طالب !

أول ما يفتح الصغار أعينهم على الدنيا ، دائما ما تكون امامهم  صورة كبيرة معلقة داخل صالة البيت ، لرجل ملتحي ، يمسك سيف ذو الفقار قرب حجره ، وأحياناً يضعوا في بعض صوره أسداً يجلس إلى جانبه  ، دلالة على الشجاعة والبطولة ! وحين يسأل الصغار آباءهم عن صاحب الصورة ؟ فيأتي الجواب سريعا هذا أمامك علي أبن ابي طالب !
الآباء والامهات يحبون الامام على فطرتهم فقد توارثوا هذا الحب اباً عن جد وكذلك الصغار توارثوا حبه جيلا بعد جيل منذ أكثر من اربعة عشر قرناً ومازال !
لكن من يكون علي أبن ابي طالب ؟ وما هي منجزاته ؟ ولماذا كل هذا الحب !
أسئلة كثيرة كانت تجوب في داخلي وأنا أسمع  الكثير من القصص والحكايات عن شخصيته يوم كنت صغيرا ، منها الواقعية ومنها الخرافية !
وبعد سنوات بدأت اقرأ عنه الكتب الكثيرة فوجدته أهلا لكل ما قيل فيه لا بل أكثر من ذلك بكثير !
البسطاء داخل العراق لا يقسّموا إلا بعلي وأولاده ! ليجعلوا منه حلقة لوصول الدعاء  قربة الى الله ! لكن بالمقابل اغلب الفقراء الذين يحبون علي ابن ابي طالب لا يعرفون شخصيته ! فهو ليس بأمام المتقين فحسب !
أنه : العالم ، الشجاع ، التقي ، الفقير ، الزاهد ، الخبير ، الفيلسوف ، النحوي ، المفكر ، العبقري  ، البطل ، والشاعر !
وقبل أن يكتب بودلير ورامبو وجاك بريفيير قصيدة النثر ، كان علي ابن ابي طالب قد كتبها قبل اكثر من  1400 سنة عبر كتابه ( نهج البلاغة ) والذي يعتبر فوق كتابات كل البشر ودون كتاب الخالق ! جلس علي  مع ابي الاسود الدؤلي لينقط حروف لغتنا العربية ويضع النحو والقواعد لها !
وحين جمع الرسول محمد (ص) عشيرته وهو يقول لهم : لو ان قوما خلف هذا الجبل سيحاربونكم فهل تصدقوني ؟ قالوا بلى !
ثم قال : لقد جئتكم بأسرار السماء فمن منكم يساندني ويكون وصييّ وخليفتي في الارض ! رفضوا ذلك جملة وتفصيلا !  إلا أبن عمه علي الذي رفع يده مؤيدا للرسول وهو صغير السن ! وكررها عليهم ثلاث مرات ، ثم أخذ بيد علي وهو يقول لهم : هذا أبن عمي علي وصييّ وخليفتي في الارض ، إلا ان لا رسول من بعدي  !
كان أول الذين اسلموا وهو طفل صغير ، وعندما جهر المسلمون بالدعوة بدأت قريش ترسل صبيانها لتنال من النبي ! حتى أنه ذات يوم دخل البيت ورآه عليا مضرجا بدمائه ! فسأله قال أن اطفال قريش يضربونني بالحجارة !
فأنبرى لهم علي أبن ابي طالب وبدأ يقطم أنوف الصبية الذين يرمون بحجارتهم على النبي  وتمكن من ايقافهم !
أكثر من 84 معركة وغزوة خاض ضمارها ولم يخسر بواحدة على الاطلاق ! فكان البطل الذي لا يضاهى والكبير بكل تصرفاته !
وقد قتل ابطال العرب آنذاك . وكان عمار ابن ياسر في معركة صفين قبيل استشهاده وهو رجل قارب عمره التسعين يقول له : سيدي عليك بلباس الدرع من الظهر حتى لا يأتي احد الجبناء ويطعنك من الخلف حينها اين سنذهب نحن ؟ قال الامام  لعمار ( لا ابقاني الله ان ابقيت عليه ) !
لم يسجل التاريخ الاسلامي مثلبة واحدة عن علي ! بل كل المناقب العظيمة كانت تزحف إليه !
ولد داخل الكعبة التي تشرفت بيوم ولادته ! يقول يزيد ابن قعنب : كنا جلوسا واقبلت فاطمة بنت أسد وهي حامل بعلي ابن ابي طالب  ، وقالت : اللهم برب هذا البيت أن تفرّج عليّ وتيسّر ولادتي ! فأنفتحت لها ابواب الكعبة ودخلت ! ولم تخرج منها إلا بعد ثلاثة ايام وهي تحمل وليدها علي بين يديها ! كان وجهه كأنه الضوء ، وأستبشرت قريش بهذا الوليد الجديد والوحيد الحاصل على هذه المنقبة الكبيرة في ولادته داخل الكعبة !
والوحيد الذي لم يذهب الى الخلافة ! لا بل هي من جاءت إليه راكعة !
علي ابن ابي طالب كان أول عمل قام به بعد تسلمه الخلافة هو نقلها من المدينة الى الكوفة لاعتبارات كان أهمها أن الخلفية الثقافية والجغرافية لبلاد الرافدين تختلف عن جزيرة العرب التي تحيطها الصحراء !
اما الآن تتاجر الاحزاب الاسلامية العراقية منذ سنوات باسم علي ابن ابي طالب وتضحك على عقول البسطاء والفقراء مستجدية اصواتهم الانتخابية وهذه الاحزاب جعلت توزيع البطانيات والاجهزة الكهربائية على هؤلاء الفقراء عبر محاولات قذرة لاستجداء تلك الاصوات وللاسف الشديد نجحت في ذلك ! إلا انها لم تنجح بتوزيع ثروات البلاد على اهلها ! لقد سرقوا كل شيء باسم الدين وباسم علي ، شدوا العمائم السوداء والبيضاء للضحك على البسطاء وحولوا العراق الى طوائف واديان واشعلوا الطائفية والعرقية من أجل استحواذهم على السلطة والمال ! كل ذلك بأسم علي الذي عاش حياته على الكفاف والفقر وهو خليفة المسلمين !
وفي يوم استشهاده قال قولته الشهيرة ( فزت ورب الكعبة ) الجنة من خلال الشهادة وهو التقي الذي لم يرتكب معصية قط لكنه ارادها مع الشهداء فهي ارفع مكانة !
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا ابا الحسن والسلام على ارواح الشهداء الذين يتساقطون كل يوم داخل العراق جراء مفخخات الساسة الذين اتخذوك قدوتهم في الكلام فقط من دون تطبيق ! أعمتهم بصيرتهم واستلذت الدنيا بأعينهم القبيحة فنسوا الوطن وأهله ونسوا علي ابن ابي طالب الذي كان يعتبر الدنيا مثل عفطة عنز !
وكما يقول النبي (ص) من أراد أن يرى آدم في علمه ، ونوحا في طاعته ، وأبراهيم في خلته ، والى يحيى في زهده ، والى موسى في بطشته ، فألينظر الى علي أبن ابي طالب !!