خاص : كتبت – هانم التمساح :
مرات عديدة أُشيع خبر مقتله.. لكنه، وأخيرًا، أعترف تنظيم (القاعدة) بمقتل أمير التنظيم في “الجزيرة العربية”، بعد أسابيع من إعلان، “دونالد ترامب”، مقتله مطلع شباط/فبراير الجاري، وبعد أسبوع من قصف طائرة بدون طيار منزلاً كان يأويه في محافظة “مأرب”، بـ”اليمن”. أكد تنظيم (القاعدة)، في “جزيرة العرب”، الأحد، مقتل زعيمه، بحسب بيان لمركز (سايت)، الذي يرصد أخبار الجماعات الإرهابية.
وأفاد التنظيم، في بيان، بمقتل: “الشيخ الأمير، أبي هريرة قاسم الريمي، بعد هجرة وجهاد وصبر وبلاء”، حسب تعبيرهم، وأعلن التنظيم في “جزيرة العرب” – الذي يتخذ من “اليمن” مقرًا له – في البيان ذاته؛ أن: “خالد بن عمر باطرفي؛ هو الزعيم الجديد للتنظيم في جزيرة العرب”، كما ذكر (سايت).
أثر غياب “الريمي” على مستقبل التنظيم..
مديرة موقع (سايت)، المهتم بمتابعة صفحات الجماعات المتطرفة على الإنترنت، “ريتا كاتز”، أشارت في تغريدة لها، إلى أنه لو تأكد خبر مقتل “الريمي”، فإنها ستكون بمثابة ضربة كبيرة لتنظيم (القاعدة) بأكمله، فالإرهابي القتيل كان مرشحًا لخلافة زعيم تنظيم (القاعدة)، “أيمن الظواهري”، حسب توقعها.
وبحسب “ترامب”؛ إنه في ظلّ قيادة الريمي: “إرتكبت (القاعدة)، في جزيرة العرب، أعمال عنف غير معقولة ضد المدنيين في اليمن؛ وسعت إلى شن وإلهام العديد من الهجمات ضد الولايات المتحدة وقواتنا”. وأضاف، إن مقتله “يُزيد من تراجع (القاعدة)، في جزيرة العرب، وتنظيم (القاعدة) العالمي، ويُقرّبنا من القضاء على التهديدات التي تُشكلها هذه الجماعات لأمننا القومي”.
وأرتبط اسم “الريمي” بأول مشروع توحيد داخل فروع تنظيم (القاعدة)، هما فرعا “اليمن” و”السعودية”، حيث يُعتبر هو صاحب المشروع الذي جمع “الشهراني” و”الوحيشي”؛ وأعلن عنه في كانون ثان/يناير 2009، وكلاهما قُتل في وقت سابق، وكان كل منهما قائدًا لأحد الفرعين. وإلى جانب عشرات العمليات التي يُعد مسؤولًا عنها؛ فإن “صنعاء” شهدت واحدة من أقسى علميات التنظيم، والتي أعلن “الريمي” مباركته لها وإشرافه على تنفيذها؛ كانت اقتحام “وزارة الدفاع” اليمنية ومستشفاها وتصوير قتل أفراده وبثه علنًا قبل مقتل المهاجمين، في 2013.
كما أن آخر العمليات التي دعمها “الريمي”، وفق شريط بثه التنظيم قبل أيام من مقتله، هي عملية إطلاق النار، خلال كانون أول/ديسمبر 2019، في قاعدة بحرية أميركية، في “فلوريدا”، أدت إلى مقتل ثلاثة بحارة بيَد ضابط سعودي، أكد “الريمي” أنه ينتمي لـ (القاعدة).
وتكمن خطورة مقتل “الريمي” وأهميتها بالنسبة للتنظيم، في كونه كان أبرز من بقي من الجيل الأول من قادة “تنظيم (القاعدة) في اليمن وجزيرة العرب”.
يُعزى له أنه هو من دمج قاعديي “السعودية” بقاعديي “اليمن”، بعدما كسرت السلطات السعودية شوكة (القاعدة)، في نهاية العقد الماضي من الألفية، ففرَّ كثير من منسوبيها وقادتها إلى “اليمن”، ومن هناك، جعلوا مركز عملياتهم العالمية.
من هو “الصنعاني” ؟
اسمه الحقيقي، “قاسم عبده محمد أبكر”، أو “قاسم الريمي”، والمُكنى بـ”أبوهريرة الصنعاني”، مولود في 5 حزيران/يونيو 1978، في “اليمن”. تعلم في مدرسة بـ”اليمن” على يد مدرسين مصريين فى المرحلة الابتدائية، وأنضم إلى تنظيم (القاعدة) في فترة مبكرة من حياته، بعدما اختفى مع أهله وأقاربه من محافظة “ريمة” اليمنية، وكان في الـ 15 من عمره.
سافر إلى “أفغانستان” وتدرج في المواقع القيادية حتى وصل إلى درجة “مدرب” في معسكر تابع لتنظيم (القاعدة)، في “أفغانستان”، قبل الإجتياح الأميركي، في 2001.
وكان “الريمي”، مع “الوحيشي”، ضمن مجموعة المقاتلين الذين عملوا تحت إشراف زعيم التنظيم، “أسامة بن لادن”.
عقب عودته إلى “اليمن”، تم اعتقال “الريمي” في سجن الأمن السياسي في “صنعاء” مع عدد من الإرهابيين العائدين من “أفغانستان”. واستطاع “الريمي” إحياء تنظيم (القاعدة) من داخل سجنه.
تولى، في عام 2009، منصب القائد العسكري للتنظيم الإرهابي بـ”السعودية” و”اليمن”، بعد أن دمج فرعي التنظيم بالبلدين، ليتولى منذ ذلك الحين مسؤولية تجنيد الشباب اليمني والعربي للإنضمام إلى (القاعدة).
شارك “قاسم الريمي”، بعد ذلك؛ في التخطيط للعديد من العمليات الإرهابية، منها تفجير المدمرة الأميركية، (يو. إس. إس. كول)، والإشراف على “كمين وادي دوعن”، والإشراف على “تفجير شبام”، وغيرها من الهجمات الإرهابية، مما حدا بـ”واشنطن” إدراج اسمه على قائمة الإرهاب، في أيار/مايو 2010، وجمدت أرصدته المصرفية داخل “الولايات المتحدة”.
حاولت “الولايات المتحدة” التخلص منه، في كانون ثان/يناير 2017، من خلال هجوم شنه فريق من القوات الخاصة على مقر للتنظيم في “اليمن”، وأسفر الهجوم حينها عن مقتل 14 قياديًا لم يكن بينهم.
وأعلنت “وزارة الخارجية” الأميركية، في 18 تشرين أول/أكتوبر 2018، عن رفع قيمة المكافأة التي ستقدمها مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال “الريمي” من خمسة ملايين دولار إلى 10 ملايين دولار.
كان مرشحًا لخلافة “الظواهري”..
و”الريمي”، ثاني قيادي يمني لـ (القاعدة) من الذين بايعوا “أيمن الظواهري”، بعد مقتل “أسامة بن لادن”، كما يُعد من آخر القيادات التي بدأ مشوارها مع التنظيم إبان ما كان يُسمى الجهاد الأفغاني، أيام كان ذلك لا يزال مشروعًا مشتركًا لـ”جماعة الاخوان المسلمين” و”المملكة العربية السعودية” وأجهزة المخابرات الغربية في صراعها مع “الاتحاد السوفياتي”.
وكان ضمن مجموعة المقاتلين الذين عملوا تحت إشراف زعيم التنظيم، “أسامة بن لادن”، وكان محلًا لثقة “الظواهري”، حتى أنه كان مرشحًا لخلافته في زعامة التنظيم الأم.
وفرّ إلى “اليمن” قادة من (القاعدة) أمثال: “إبراهيم الربيش”، و”سعيد الشهري”، (أبوسفيان الأزدي)، و”إبراهيم عسيري”، (أبوصالح)، مُصنّع القنابل الشهير، وغيرهم، وكلهم على الأرجح قُتلوا بغارات من طائرات مُسيرة، على غرار الغارة التي صرعت “قاسم الريمي” بمخبئه بـ”وادي عبيدة”، في “مأرب” اليمنية.
مكان اختبائه يُثير علامات استفهام !
وأثار مكان اختباء “الريمي”، وطريقة هروبه من السجن وعلاقاته المتشابكة، علامات استفهام وريبة حول إمكانية دعم دول نظامية له.
اللافت؛ كان الموقع الذي اختار “الريمي” الاختباء به، وهو “وادي عبيدة”، بـ”مأرب”، حيث تُعتبر المحافظة عاصمة المقاومة الشرعية، وهذا يلقي بمسؤولية كبيرة على قيادة الحكومة اليمنية، في تتبع ملاذات ومخابيء قيادات (القاعدة) أو (داعش)، فالوقاية والتوقّي في مثل هذه الحالات، من عزائم الأمور.
وبرز اسم “الريمي”، عام 2003، في محاكمات عُقدت لنحو 18 عنصرًا من (القاعدة)، فهرب مع 23 عنصرًا آخر من سجن الأمن السياسي – عملية هروب مشبوهة جدًا، وحتى اليوم لم تكشف حقيقتها ! – بـ”صنعاء”، في شباط/فبراير عام 2006، الأمر الآخر، مقتل “قاسم الريمي”، يفتح السؤال من جديد على تاريخ تنظيم (القاعدة)، في “السعودية” و”اليمن”، وجزيرة العرب” كلها، وتتبع صفحاته وصفقاته المظلمة، ومناطق التشابك بين (القاعدة) ومخابرات الدول المحيطة.