بالأمس اطعنا الملوك وحنينا رقابنا لكل من شوه صورة الحياة وجردنا عن أملنا في مستقبل كان لنا مجرد اوهام كتبناها بعدة لغات على اوراق ومزقناه بعد لحظات من اكتمل الفكرة , وحينما عرفنا ان الحياة هي ممر الى الاخرة رفضنا واعترضنا عن مايصيب افكارنا وينسف مستقبلنا وقررنا مع ارواحنا من اليوم نركع فقط امام الحقيقة ولانتبع سوى الجمال ولانطيع سوى الحب , بعدما أنجلت منا الغمة وبانت لنا حقائق كنا نسير خلفها في سراب لانجد له ضوء يرشدنا هنا سنقف ونعيش بأمان ,سمعت رجلا كانت له تجارب كثيرة بالحياة حتى اصبح جليس في داره تحف حوله كتب الحياة والقصص وعبر النساء وهو مولع بالجمال قال لي (نجوب العالم بحثا عن الجمال , ولا ندري أننا يجب أن نحمله بداخلنا والا لن نجده ابداً ) , فعلا عبارة جاءت منسجمة مع معطيات ودلالات لشعبي المسكين وهو ينزف كل يوم دما ودموعاً مزقته الاماني الذي غاب عنها ضوء القمر وهو يعانق شواطىء دجلة في الليل لتظهر صورة القمر منكسرة على امواج الشاطىء تنبعث منها الحنين لياخذ منها الشاعر قصيدته والرسام لوحته وأنين المرضى هواجس الاستشفاء وانا ارى بعيني عن أمل سرق مني قبل خمسين عاما , ولايختلف الامر عند اشعة الشمس وهي ترسل خيوطها الذهبية من مناكب الفجر لتسدل اجنحة الظلام مابين هذا وذاك القادمون لايحبون الجمال ويسعون لازالة كل شيء ممتع , مايهمني بالامر اقول منذ عدة عقود عشت كبقية اقراني على هذه التربة في بلد جريح لم ولن نرى فيه الا الحروب والدمار والقتل والضياع والعنف والتهديد والتهجير القسري وغيابات السجون وفقدان الاعزة غابت عنه السعادة وشاع اللون الاسود يحيط بنا في كل زواية وخلف ذلك لنا اجيال من الايتام وفيالق من الارامل وحسرات في قلوب الامهات ضلت لوعة تكوي صدورهن الى ان فارقن الحياة , ومع ذلك نحن لازالنا نعمل بقاعدة اعطتنا فسحة من الامل وضعها لنا سيد البلغاء وهي (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا ) وهي حكمة نقية رسمت لنا طريق ومنهاج عمل نستثمر منها كل خير واحسان دون يأس لدنيا زائلة , وهي المبادرة والمسارعة في انجاز اعمال الاخرة والتباطؤ في انجاز امور الدنيا لتكون لنا امل يطفوا على احزاننا نستمد منه العزم , فعلا ان الجمال الحقيقي يتمثل بنكران الذات واحترام الناس والصدق وحسن التصرف وحب الخير والتواضع , فالجمال ليس كما يضنه البعض هو الشكل المألوف والطبيعة الزاخرة والجبال الشاهقة , فجمال الشكل يموت والصحة تتغير نحو الانحدار والاضمحلال وتذبل الورود وتتغير الطبيعة ولكن تبقى صفة الجمال الحقيقي هي حب الخير وهو القاسم المشترك لكل شيىء في هذه الحياة وهناك قصة قصيرة تمثل جانب الرجولة واحترام الاخلاق كجزء من الجمال نذكرها بشكل مختصر ( كان هناك شاب وفتاة تعرفوا على بعض من الانترنت ثم بدأت بينهما علاقة الصداقة ثم تحولت الصداقة مع الوقت الى اعجاب , ثم الى اهتمام ثم الى حب ولكن حب حقيقي دون ان يرى كلاهما الاخر والشاب طلب من الفتاة ان يراها عندما وافقت الفتاة على رؤيته , انتظرته في الحديقة العامة وظلت تمسك في يديها وردة حمراء لكي تستقبله بها ولكن اشترطت اذا لم يعجب بها الشاب ان يمش في الحال , دون ان يعرفها بنفسه ووافق الشاب وجاء في الموعد وعندما وجد الشاب الوردة الحمراء نظر للفتاة فوجدها شديدة القبح فتراجع سريعا خلف الشجرة , واخذ يبكي من شدة حبه لها ولكنه مسح دموعه وتذكر الاخلاق التي كانت عليها ورقتها التي ليس لها مثيل فوقف خلفها وقال لها انا الشاب الذي يحبك , فالتفت الفتاة وقالت له انا لست الفتاة التي تحبك والفتاة التي تحبك مختبئة هناك فنظر الشاب فوجد الفتاة في قمة الجمال والرقة , فقالت الاخرى هي من طلبت مني أن اجلسي هنا حتى تختبر حبك لها . ) على حسب ماجاء بهذه القصة الصغيرة ان الجمال والخلق واحترام الكلمة وحسن الظن بالاخرين يجعلك دائما تعيش في سعادة ولاتتعرض الى مشاكل قد تغير احوالك , لهذا ثقة النفس يأتي بحسن ايمانك وعلاقتك مع رب العالمين , نحن لانستطيع ان نغير مفاهيم وخلق الناس بمجرد ان اوجه نصحي وكتاباتي لهم بل الله هو الذي يغير الاحوال كما قال عز وجل( انك لاتهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين ) القصص/56 , مااحب ان اقوله واتمنى ان اراه ليثلج قلبي نحن لو كل انسان يحب الخير للجميع ويتنازل للاخر عن ابسط المطالب وينأى بنفسه اتجاه بلدنا , لابتعد عنا الاجرام والقتل واصبحنا كحال بقية شعوب الارض نتمتع بخيراتنا ونبني بلدنا ,,وكما قال النبي صل الله عليه واله( كيفما تكونوا يولى عليكم ), لهذا تحملنا تبعيات اعمالنا ولهثنا وراء ملذاتنا وتركنا مايرشدنا للعقل والجمال لهذا نعشق الماضي الفقير البسيط ونهرب من الحاضر ونهرب من المستقبل المجهول ,