أعادة نقاشات مؤتمر ميونيخ للأمن حول الأزمات الراهنة والتحديات الأمنية المستقبلية والذي عقد منتصف الشهر الحالي، الحديث عن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتهديده الحالي والمستقبلي وحقيقة قدرته على أعادة تنظيم صفوفه وشن الهجمات أو السيطرة على مساحات من الأراضي من جديد، وسلطة بعض التقارير الاستخباراتية التي صدرت خلال هذا الشهر أيضاً الضوء على وقع التنظيم الحالي.
ففي 5 شباط / فبراير 2020 كشف تقرير استخباري أعد من قبل استخبارات القيادة المركزية الأميركية بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) حول تأثير مقتل البغدادي على قدرات التنظيم قدم لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن “القضاء على زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي لم يوقف عمليات التنظيم، ولم يؤد إلى تدهور فوري لقدرات التنظيم الإرهابية، وأن التنظيم ينفذ خطة خلاقه لإعادة تنظيم صفوفه وأن الخطة مستمرة دون توقف، وان التنظيم وفي أعقاب مقتل زعيمه بقي متماسكاً بهيكل قيادة وسيطرة سليم وشبكات سرية ووجود للمقاتلين في الكثير من المدن والمناطق الريفية في العراق وسوريا، وان القيادة الجديدة للتنظيم تحاول إعادة تجميع صفوفها مع تطوير قدرتها، وتحويل قوتها من قوة مسيطرة على المدن إلى شبكات من المتمردين يمكن أن ينفذوا هجمات محلية فضلاً عن التحريض على هجمات خارجية.
وفي 7 شباط / فبراير 2020 أفاد رئيس مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة (فلاديمير فورونكوف) خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، أنه “وبالرغم من فقدان تنظيم داعش لأخر معاقله في سوريا ومقتل قائده أبو بكر البغدادي إلا أن التنظيم لا يزال يشكل تهديداً إرهابيا عابرا للحدود”، وأضاف إن “تنظيم داعش مستمر في سعيه لإحياء نشاطه من جديد واكتساب زخم عالمي من خلال الإنترنت وغيرها من الوسائل، حيث يتطلع إلى إعادة تأسيس قدراته على العمليات الدولية المعقدة، وأن الفروع الإقليمية التابعة له تواصل أتباع استراتيجية التخندق في مناطق النزاع من خلال استغلال المظالم المحلية للسكان”.
وفي 17 شباط / فبراير 2020 خلص تقرير لموقع Insider الأميركي الى ان “الوضع الميداني لتنظيم داعش أقوى مما كان عليه في عام 2014، وأنه لديه حالياً عدد من المقاتلين أكبر من العدد الذي كان يمتلكه عندما أعلن تأسيس دولته، بالإضافة إلى ملايين الدولارات الموجودة تحت تصرفه”، وأضاف التقرير إن “التوترات بين أميركا وإيران تعود بالنفع على داعش، وقد صرفت الانتباه عن التنظيم وعملياته، وان داعش ما زال موجوداً بالفعل في كل من العراق وسوريا وان تاريخه الطويل من المرونة والانتعاش بعد الهزائم يشير إلى أنه يمكن أن يشكل تهديداً أكبر في المستقبل القريب في كل من العراق وسوريا”.
وفي 19 شباط / فبراير 2020 أكد رئيس وزراء حكومة شمال العراق مسرور بارزاني خلال حديث لعدد من وسائل الإعلام الدولية أن داعش مازال على حاله، وقال: “نعم، لقد فقدوا الكثير من قيادتهم، ورجالهم الأكفاء، لكنهم تمكنوا أيضاً من اكتساب المزيد من الخبرة، وجندوا المزيد من الناس، لذلك لا ينبغي الاستخفاف بهم”.
وأضاف بارزاني إن “داعش لا يزال لديه حوالي 20 ألف مقاتل في جميع أنحاء العراق وسوريا، وان المواجهة بين الولايات المتحدة وايران سيكون لها تأثير سلبي على الحرب ضد الإرهاب وداعش، والتي يجب أن تكون الأولوية بالنسبة لنا جميعا”.
وحسب المعطيات المتوفرة من التقارير الاستخباراتية والميدانية عن التنظيم في كل العراق وسوريا يمكن استخلاص عدد من النتائج حول الوضع الحالي لتنظيم داعش وقدرته الحالية والمستقبلية من أهمها:-
أن تنظيم داعش قد بدأ بالفعل بترتيب أوراقه في كل من العراق وسوريا، مستغلاً الظروف السياسية والأمنية المحلية والإقليمية والدولية في كلا البلدين، وأن التنظيم قد أظهر علامات واضحة على أعادة تأسيس شبكاته في العراق وسوريا، عبر شنه العديد من الهجمات العنيفة التي استهدفت القوات الأمنية الحكومية وعناصر الموالية لها في عدد من المحافظات العراقية والسورية من أبرزها “ديالي ، كركوك ، نينوى، دير الزور، الحسكة”.
أن الأصول التركمانية لزعيم التنظيم الجديد (أمير المولى) ونائبه (طه الخويت) جعلت المخابرات التركية (MIT) تقوم بعملية إعادة تقييم لخططها تجاه التنظيم وقيادتها وعناصره وطريقة التعامل معه.
أن أهم خطط التنظيم المستقبلية هي أخراج معتقليه من السجون في كل من العراق وسوريا، خاصة وان لديه نحو (20) ألف مقاتل معتقل في سجون غير مؤمنه بشكل كامل لدى القوات الكردية بينهم نحو (2.000) مقاتل أجنبي، وأن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض عديد القوات الأميركية العاملة في سوريا قد خلق خطر أكبر بخصوص عمليات الهروب من سجون القوات الكردية في سوريا.
أن خطر المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم لازال شديداً، حيث أن أكثر من ثلثي نحو (40) ألف مقاتل انضموا لتنظيم داعش لا زالوا أحياء ولا يزالون يدينون بالولاء للتنظيم.
أن لدى التنظيم مصادر تمويل كافية تزيد على (100) مليون دولار، خاصة بعد أن قلص التنظيم نفقاته العامة, ولم يعد لديه دولة كبيرة لإدارتها والإنفاق عليها، وأن تحرر التنظيم من مسؤولية مسك الأرض والدفاع عنها، أتاح للتنظيم المزيد من المرونة وحرية الحركة خاصة في مناطق الحدود العراقية ـ السورية.
هذا ومع اتساع وتشعب الصراع الأميركي ـ الإيراني في المنطقة، وخاصة في كل من العراق وسوريا واليمن فان هذا الصراع يصب بالكامل في صالح تنظيم داعش، ومن المتوقع أن يشهد النصف الثاني من العام الحالي العديد من العمليات الخطيرة للتنظيم في كل من العراق وسوريا.