يجد الباحث التاريخي والسياسي أوجه شبه عديدة بين الشعبين المصري و العراقي تكاد تميزهما عن غيرهما من الشعوب وتميز التشابه بينهما وتجعله حالة قد تكون نادرة فكلا منهما كان من أوائل الشعوب على الصعيد الإنساني التي انشات الحضارات والدول فالحضارة الفرعونية في مصر والحضارات السومرية والبابلية والاشورية في العراق تعد حضارات اصلية وليست فرعية وكلاهما كان من الأوائل تماما في اختراع الكتابة وسيلة للتعبير والتعامل والدراسة وذلك قبل اكثر من (2500) الفين وخمسمائة عام قبل ميلاد السيد المسيح وكلاهما انشأ شواهد حضارية معمارية فريدة من نوعها مازالت شخصة كالاهرامات في مصر وبرج بابل والزقورة في العراق وهما من أول الشعوب التي سنت القوانين وفرضتها على الواقع الحياتي بعد العمل بها عرفا وكلاهما قاد مسيرة الحضارات الإنسانية في التاريخ البعيد والمتوسط وكلاهما كان الرائد في الزمن الحديث على صعيد المنطقة بالقيام بالثورات التحررية من الاستعمار ونيل الاستقلال شكليا اوحقيقيا وظهر فيهما قادة قارعوا الدول الكبرى والاستعمار ومن الأوائل الذين لهم دور واضح وكبير للجيش في الأحداث السياسية والوطنية ومع هذا التشابه الكبير إلا إن الاختلافات بينهما تبدو واضحة في بعض المجالات ولعل تراكم الاختلافات بين الحالتين المصرية والعراقية ,واقصد بها نوع أنظمة الحكم ودور الجيش والشعب في مسار الأحداث أدى الى تميز كل منهما عن الأخر بشكل كبير جدا في الأحداث الأخيرة التي جرت خلال العقد الماضي وعلى وجه الخصوص ما حصل خلال السنتين الأخيرتين في مصر بما يسمى بـ ( الربيع الأول ) وإسقاط نظام حسني مبارك بعد احتجاجات واعتصامات شعبية شبابية كبيرة ملأت ساحات وشوارع مصر وخاصة (ميدان التحرير) في القاهرة وصولا إلى انتخاب (محمد مرسي) القيادي في حركة الأخوان المسلمين رئيسا لجمهورية مصر العربية في المرحلة الانتقالية التي لم يقدر له اكمالها فبعد مرور سنة من حكمه وثبوت فشله في ادارة البلاد من نواحي عديدة قامت الجماهير المصرية بتكرار لثورة (25 شباط 2011) واعتصمت في (31/ 8/ 2013) مطالبة الرئيس محمد مرسي بالتنحي الا ان رفضه ادى الى تدخل الجيش المصري مرة اخرى وازاحته عن السلطة و تسليمها الى رئيس المحكمة الدستورية .
ويثار التساؤل كثيرا عندنا في العراق خاصة وفي عموم الدول العربية والاسلامية عن امكانية استنساخ تجربة الثورة الشعبية المصرية في هذه البلدان او على اقل تقدير تكرارها بتجربة ذات مواصفات خاصة بكل دولة وفي العراق تحاول بعض منظمات المجتمع المدني والتجمعات الشبابية على صفحة التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) تحريك الجماهير من اجل القيام بما قام به الشعب المصري ومعاقبة الحكومة هنا كما هناك ومن باب التحليل السياسي والنفسي والمذهبي والميداني ومقارنة هذه الموارد بين الحالتين المصرية والعراقية نصل الى نتيجة عدم امكانية حصول الثورة في العراق .
ومن اجل تفصيل البحث في الاسباب والعوامل التي تمنع او تعرقل قيام ثورة شعبية في العراق مشابهة لما حصل في مصر نتناول الجوانب التالية في الفرق بين الحالتين المصرية والعراقية والتي تعد اسبابا حقيقية ورئيسية محركة للواقع السياسي والشعبي في مصر ومقارنتها بمثيلها في العراق وكما يلي:
اولا : استقلالية المؤسسة العسكرية
ثانيا : دور المعارضة السياسية
ثالثا : حرية الارادة الشعبية
رابعا : تاثير التدخلات الاجنبية