23 نوفمبر، 2024 3:47 ص
Search
Close this search box.

وظيفة جديدة للقلب المسكين

وظيفة جديدة للقلب المسكين

قلوبنا لم تعد تتحمل أيها السادة الباحثون الأجلاء في ألمانيا، فلماذا تضيفون إليها وظيفة جديدة، ألا تكفي مشاهد القسوة التي تصيب النساء والأطفال والمسنين في شتى البقاع، فيما صورها تثقب قلوبنا!

حمّل باحثون ألمان القلب أكثر مما هو فيه من وجع وحساسية مفرطة وألم وضيق، وأضافوا إليه مهمة جديدة تبدو مضحكة للوهلة الأولى، فقد زعم أولئك الباحثون أن القلب قادر على شم الروائح!

فدقات القلب لدى المصابين بمرض السكري تتراجع بعدما يشم القلب الدهون التي تشكل خطرا على الجسم. لكن تقليل القلب لدقاته يمكن أن يتسبب في مخاطر لصحة المريض.

لا يبدو القلب ناقصا للهموم كي نحمّله وظيفة أخرى، بإمكان الأنف أن يقوم بها!، قلوبنا محنتنا هكذا هو قدرنا، فحساسيتنا المفرطة سبب لوجع القلب والمزيد من القلق، لم نعد نحتمل مشاهد القسوة والوحشية والرداءة والسفالة والخداع التي تصوّب نحونا كسهام تنطلق من مسافات شاسعة وتستقر في قلوبنا، وتصلنا تلك الصور المفزعة مع كل لحظة نتصفح فيها أجهزتنا وهواتفنا.

عصيّ على الفهم، أن نجد أيضا قلوبا صلدة ومتوحشة وقاسية، وهي تمارس القتل والتعذيب دون أن ترتعش! يا لذاك الشاعر المسكين الذي لم يكف كلما أوجعه قلبه بالبوح لنفسه بجملة “آه يا قلبي المسكين!”.

قلوبنا لم تعد تتحمل أيها السادة الباحثون الأجلاء في ألمانيا، فلماذا تضيفون إليها وظيفة جديدة، ألا تكفي مشاهد القسوة التي تصيب النساء والأطفال والمسنين في شتى البقاع، فيما صورها تثقب قلوبنا! ألا تكفينا المرارة التي تنتاب قلوبنا ونحن نجد من يماثلنا في الخلق لكنه يمتلك قلبا أصمّ لا يذرف دمعة واحدة؟ من قال إن “القلوب لا تبكي”؟

أيهما العصي على الفهم، قلوبنا الضعيفة الحساسة التي تهبط مع كل دمعة لطفل بريء، أم تلك القلوب الحجرية التي لا تعبأ بدموع ذلك الطفل وهي تذبح أمه بجواره؟

من يحنو على من، هل نتمسك بمثالية السيد المسيح ونطلب المغفرة للقتلة قساة القلوب، أم ننتظر منهم أن يشفقوا على قلوبنا الركيكة التي لم تعد قادرة على حمل أجسادنا.

لا شيء يشعرنا بالضعف غير قلوبنا، وهذا قدرنا، أنها تغادر مواضعها كلما توجّع وجاع بريء وهتكت كرامته، لكنها ويا للوجع تدرك أن قلبا قاسيا آخر يقف خلف هذا التوجع والجوع وسلب كرامة الناس.

من قال مثل هذا الكلام الجميل “من يقسو على قلب امرأة تنزل عليه لعنة السماء”؟ لكن القسوة صارت أكبر من كل قلوب نساء الكون.

إن الحياة سوف تكون سهلة وبسيطة.. ولكنها لم تكن كذلك، هوميروس ومن بعده كافكا كانا يقولان: البشر كقصاصات ورق تذروها الرياح الباردة.

لكنهما لم يقولا إن نفس أولئك البشر يمتلكون من القوة والقسوة ما يجعل القلوب تموت في مواضعها.

نقلا عن العرب

أحدث المقالات

أحدث المقالات