تقريران خطيران نشرا خلال يومين متتالين سبَّبا لجميع المراقبين والناشطين العراقيين صداعا،الأول يتحدث عن حجم الفقر المدقع في عموم محافظات العراق،والثاني عن إجمالي القروض الربوية المحرمة التي وقع العراق بفخها وأصبح أسيرا من جرائها للبنك الدولي الذي لا يرقب في الشعوب والبلدان التي يُقرضها إلا ولا ذمة !
التقرير الأول لوزارة التخطيط بينَّ لنا حجم الكارثة وأظهر نسب الفقر في العراق وكانت وفقا للتقرير”دهوك 8.5% ،السليمانية 4.5% ، اربيل 6.7% ، نينوى 37.7% ، كركوك 7.6% ، ديالى 22.5% ، الانبار 17% ،صلاح الدين 18% ، بغداد 10% ، بابل 11% ، كربلاء 12% ، واسط 19% ، النجف 12.5% ، الديوانية 48% ، ذي قار 44% ، ميسان 45% ، البصرة 16% ،فيما حلت محافظة المثنى بالمركز الأول بنسبة فقر مرعبة بلغت 52% !!”.
لقد أصاب هذا التقرير العراقيين بصدمة لن يستفيقوا منها طويلا ذاك أن التقرير تم عنونته في بعض وكالات الأنباء – المسيسة – بعناوين مغرضة وفضفاضة ومموهة على نحو “نسبة الفقر في العراق تتراجع الى 20% ” والحقيقة أن النسبة تراجعت 2.5 % فحسب بعد أن كانت 22% عام 2014 ، فتأمل حجم تلاعبهم الخبيث حتى بمعاناة الناس والتحايل على مآسيهم والعمل على ذرالملح على جراحاتهم لمزيد من الإذلال والتعذيب المادي والمعنوي!
وفور إعلان التقرير شمَّرَ نشطاء عن ساعد الجد على مواقع التواصل الاجتماعي وقاموا بنشر مجموعة من الهاشتاجات الداعية الى رعاية الفقراء والنازحين ومساندة الجياع والعراة والمحرومين وتقديم يد العون لهم بكل ما أمكن لعل من أبرزها :
#أخرج_زكاتك_تنعم_بحياتك
#صدقاتك_للفقراء_نجاتك
#أطعم_جائعا_تُطعَم
#أكس_عريانا_تغنم
#أغث_نازحا_تُغاث
أما التقرير الثاني فكان أسوأ من الأول وخلاصته ،أن ” العراق يحتل حاليا المركز السادس من بين الدول العربية الأكثر إقتراضا من البنك الدولي بما يعادل5.6 مليار دولار،فيما تصدرت مصر بـ 22.4 مليار دولار ضمن القائمة التي ضمت أيضا كلا من المغرب،تونس،الجزائر،لبنان،الاردن،المغرب،موريتانيا،السودان ،الصومال ” .
أما عن التقرير الاخير فقد أطلق الناشطون هاشتاج #الباكونا_أسوأ_من_كورونا
ولاشك أن التأريخ سيسجل في صحائفه السوداء بأن العراق النفطي،الغازي، الفوسفاتي،الكبريتي،السياحي(سياحة دينية،آثارية،طبية،طبيعية)،الزراعي ، الأغنى في أرجاء المعمورة والذي لم يسبق له أن غرق بالقروض الربوية المحرمة في تأريخه كله كتلك القروض التي أغرق بها في ظل “أحزاب “مأزومة نفسيا،معقدة تأريخيا ،مريضة إجتماعيا،مهلهلة أيدولوجيا،متخمة من خيرات العراق المنهوب ماليا،تُحرم الربا ظاهرا وتأكله باطنا بل وتغرق جمهورها وبلدها في الربا المحرم كذلك وبإصرارعجيب يدفع للشك بأنها إنما تفعل ذلك عن عمد ونية مبيتة وعن سوء طوية لتدمير هذا البلد الذي تعيث بمقدراته فسادا في السراء والضراء والى الأبد ،تقترض ربويا من مَن ؟من البنك الدولي وما أدراك ما البنك الدولي – بنك آل روتشيلد الماسوني – الذي ما أقرض بلدا قط الا وإستباحه عاجلا أو آجلا !
وأسأل كل من يدعي محاربة الفساد والرذيلة ويلبس أردية التقوى والصلاح من أدعياء التغيير والاصلاح المزعومين،ماذا أبقيتم من السبع الموبقات وأكبر الكبائر التي نهى الاسلام الحنيف عنها ولم تمارسونه واقعا طيلة 17 عاما من ظهوركم المشؤوم في بلاد ما بين النهرين ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (اجتنبوا السّبع الموبقات) ، قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: (الشّرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس التي حرّم اللهُ إلا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) .
فهل يستسيغ عاقل حكيم ووطني شريف وصاحب ضمير حي أن يهدر بلد هو الأغنى في العالم بسبب فاسديه وانتهازييه وطائفييه أكثر من 1000 مليار دولار ليورطوننا بعد الهدر والسرقة في السر والعلن بقرض ربوي قيمته 5.6 مليار دولار بفوائد هائلة لن تسدد في وقتها ما يعني زيادتها وفقا لمنظومة ربا النسيئة..لن يسددها في وقتها لأن النفط المعول عليه للتسديد قد تم بيعه – كرسته وعمل – في خمس جولات تراخيص للشركات العالمية الاحتكارية في ليلة ظلماء أفتقد في سمائها البدر، وما تبقى من هذا النفط وإقتصادنا الريعي قائم عليه رهن ضمن الصفقة الصينية بواقع 100 الف برميل يوميا قابلة للزيادة الى 300 الف برميل يوميا مقابل الاعمار المزعوم ..العراق لن يتمكن من تسديد هذا القرض لأن أموالنا محتجزة في البنك الفيدرالي الامريكي، لن نتمكن من التسديد لأن العراق إستدان ربويا من دول كثيرة منها اليابان وبعض دول الاتحاد الاوربي ،لن يتمكن من التسديد لأن العراق مازال غارقا بالتعويضات للشرق والغرب ونصفها – كلاوات – لن يتمكن من التسديد لأن الفساد المالي والاداري والسياسي يضرب أطنابه في كل مكان ولما يزل قائما على قدم وساق تقف خلفه أحزاب وجماعات متنفذة ما يعني إهدار المزيد من الموازنات المالية وعقد المزيد من الصفقات الوهمية ،إقامة المزيد من المشاريع المتلكئة،حرق المزيد من طوابق العقود وتشكيل لجان وفتح المزيد من ملفات التحقيق بالمشمش لمعرفة”من سرق البلاد ونهب العباد وإغتال شمس الحقيقة ثم أقام على جثمانها مأتما وعويلا ؟!”.
وبهدف الاصلاح الحقيقي أضرب مثلا بالداعية الكبير عبد الرحمن السميط ،الذي أسلم على يديه 11 مليون افريقي وأنشأ 860 مدرسة وأربع جامعات وقام ببناء 124 مستشفى ومستوصفاً وكفل أكثر من 15 الف يتيم وحفر ما يقرب من 9500 بئراً ارتوازية وبنى 5700 مسجد، وأسأل أيا من مدعي الاصلاح في العراق وبرغم كل جعجعاتهم وتغريداتهم ومؤتمراتهم هل قام أحدهم بعشر معشار ما قام به هذا الرجل الصالح حقيقة ولا نزكي على الله احدا في افريقيا ؟
والسميط لمن لايعرفه هو طبيب جراح خريج كلية الطب جامعة بغداد بداية سبعينات القرن الماضي كان يصلي الجماعة ويواظب عليها يوميا في مسجد أبو حنيفة النعمان وقد طورد من أمن النظام السابق وسجن وعذب وكاد أن يشنق لنشاطه وحيويته ،وأتساءل من أين للسميط كل هذه الأموال التي حقق بها كل تلك المنجزات الرائعة ؟ الجواب من المتبرعين الكويتيين الموسرين وغير الموسرين أولا ومن ثم من الخليجيين وبقية الأثرياء حول العالم ،ولولا حسن(إستثمار أموال الزكاة والصدقة وعدم التفريط ولو بدينار واحد منها في غير محلها ولولا ثقة المتبرعين بجهوده وإخلاصه وأمانته التي طبقت شهرتها الافاق ) ما كان لمنجز واحد منها أن يتحقق على ارض الواقع من أموال الصدقة والزكاة التي حافظ عليها وأداها لمستحقيها – من غير أن يعبث بها أو يتلاعب فيها – ووظفها كما ينبغي لها أن توظف في مجالات الخير كافة وكان رحمه الله لايؤمن بقضية – أعط الفقير مالا ثم أتركه لينصرف -الا للضرورات القصوى لأن هذا الأسلوب يعني أن ذات الفقير سيأتيه بعد أسبوع واحد يريد منه مالا أيضا وهكذا حتى الموت وانما كان يوظف المال لتأسيس مشاريع انتاجية تمول نفسها بنفسها يزج الفقراء للعمل فيها على أن يتصدقوا ويزكوا بانفسهم بعد أن تنجح مشاريعهم وقد كان له ما أراد وخطط ، بمعنى ” داعية يشجع الناس على الزكاة والصدقة والبذل في سبيل الله ليل نهار + متصدق لا يرائي ولا يمنُ بصدقته ولايخشى الفقر ابدا ولا من ذي العرش إقلالا +عامل على الصدقات يتمتع بالنزاهة والكفاءة والتقوى والقدرة على الإدارة الناجحة مع همة لا تلين + عقل متوقد غير تقليدي ولا جامد يفكر بالله ولله وفي الله ليل نهار ويبدع لخدمة دين الله وعباد الله بطرق ووسائل مبتكرة وأعمال تذهل القاصي والداني = كل ماذكر من إنجازات مذهلة تحققت على يد السميط كما وثق ذلك المحققون في سيرته الشخصية وخلال مسيرته الدعوية ، ولايفوتنا التنويه الى أن السميط استثمر تخصصه في مجال الطب لكسب ثقة المتصدقين أولا ولعلاج مرضى افريقيا مجانا ثانيا ومن هنا كانت البداية الإنسانية الكبرى ولطالما كان التنصيريوين ولا أقول المبشرين ومن لف لفهم يرددون دوما”حيث ما وجد المرض وجدت الحاجة الى الطبيب ، وحيث ما وجدت الحاجة الى الطبيب والدواء نجح التنصير !!” وكان علينا أن نقلب المعادلة تلك لصالح الخير رأسا على عقب كما قلبها السميط ونجح أيما نجاح ، وشعارنا في ذلك “القوة الرحمانية الراحمة بمواجهة القوتين الغاشمة والناعمة ” كما أسلفت بمقال سابق.
ولشدة المأساة وعظم المعاناة ولقرب حلول شهر رجب الخير الذي إعتاد العراقيون على إخراج زكاتهم فيه أقترح أن تكون خطب جمعات رجب كلها عن فضل الزكاة والصدقة وفضل الإنفاق في أبواب الخير المختلفة لعل الله تعالى يرحمنا ويحدث بعد عسر يسرا . اودعناكم اغاتي