يصفه المقربون منه انه غريب المزاج.. ومتهور.. لكنه دقيق في مواعيده.. كسبه البعثيون الى صفوف حزبهم أوائل ستينيات القرن الماضي.
ـ قبيل انقلاب شباط 1963 أضيف أسمه الى عضوية المجلس الاستشاري للانقلاب..الذي أصبح أسمه بعد الانقلاب “المجلس الوطني لقيادة الثورة”.
ـ عُين قائدا للفرقة الرابعة.
ـ عين قائدا للحرس القومي.
ـ عٌين بعد 18- تشرين الثاني 1963 عضوا في المكتب العسكري في حزب البعث.
السيرة والتكوين:
ـ ولدَ في بغداد العام 1926.. أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها.. تخرج من الكلية العسكرية برتبة (ملازم ثانٍ).
ـ دخل كلية الأركان العام 1953.. وأحتفظ برتبة ضابط حركات الفرقة الأولى.
ـ ألتحق بدورة (واجبات أركان).. في لندن.
ـ العام 1955 التحق بدورة المظليين في بريطانيا.. ونقل على آثرها إلى ضابط ركن في مديرية التدريب العسكري.
ـ التحق بدورة تدريب أساسي (للمظلين).. في لندن.. وبعد عودته عٌين آمرا للجحفل المظلي.
ـ شارك في انقلاب 14تموز 1958.
دوره في انقلاب شباط 1963:
الساعة الحادية عشر صباحاً.. أرسلت أربعة دبابات.. عبرت جسر الشهداء متوجهة الى مدخل وزارة الدفاع.. لتجد نفسها وسط تظاهرة جماهيرية كبيرة مؤيدة للزعيم عبد الكريم قاسم.. أحاطت الجماهير الغاضبة الدبابات الأربعة وصعدوا فوقها.. وفتحوا أغطيتها وأخرجوا قادتها من الضباط المتآمرين وقتلتهم.. وتمكنت الجماهير من حرق دبابتين.
ـ بعد هذه الحادثة.. لجأ الانقلابيون الى مهاجمة وزارة الدفاع وقصفها من جانب الكرخ من منطقة (الجعيفر)
لكن عندما أراد العقيد عبد الكريم مصطفى نصرت الدخول الى جانب الرصافة.. والوصول لوزارة الدفاع لقصفها بالدبابات.. وجد الشوارع تحتلها الجماهير.. فما كان منه إلا رفع صور الزعيم قاسم على دباباته.. وأخذ هو ومن معه يهتفون من على دباباتهم: (ماكو زعيم إلا كريم موتوا يا بعثية).. فأخذت الجماهير الحاشدة تهتف معه وفسحت له الطريق.. اعتقاداً منها إنها قوة مساندة للزعيم.. لكن نصرت ما إن انفتح الطريق له حتى وجه فوهات دباباته وأطلق النار على الجماهير.. فأحدث مجزرة إنسانية رهيبة!
تكرار المجزرة ثانية:
ليكرر نفس الخدعة ثانية قرب وزارة الدفاع.. وبعد قتال عنيف قرر الزعيم قاسم تسليم نفسه حقناً للدماء.. بعد أن تعهد الانقلابيون له أجراء محكمة عادله له ولرفاقه.. ليشرف نصرت على نقلهم الى الإذاعة العراقية في منطقة الصالحية بجانب الكرخ.. وعجلً نصرت وأصرً على الإشراف على تنفيذ الإعدام بالزعيم ورفاقه من دون محاكمة.
الخمر يأسره.. والله في إجازة:
يقول المقدم عبد الغني الراوي.. احد عناصر الانقلاب.. في مذكراته “أن العقيد عبد الكريم مصطفى نصرت قاد الدبابات يوم 8 شباط الأسود.. وضرب وزارة الدفاع بالمدافع والقنابل”.. وبعد الانقلاب سقوط نظام قاسم يوم 9 شباط.. (15رمضان).. خرج نصرت سكراناً من وزارة الدفاع.. يتطوح قرب الانضباط العسكري.. ويضرب إطلاقات بالمسدس.. ويقول بأعلى صوته وهو مخمور.. أن الله كان في أجازة يوم 8 شباط”.
نصرت.. والحرس القومي:
في صبيحة الانقلاب 8 شباط 1963 صدر البيان الثالث يعلن تشكيل الحرس القومي للدفاع عن الانقلاب.. ومن ثم صدر البيان الرابع في تعين قيادة لهذا الحرس برئاسة العقيد الركن عبد الكريم مصطفى نصرت.. وعضوية عناصر مدنية من كوادر حزب البعث الذين منحوا رتبا عسكرية.. لم يستطيع نصرت قيادة الحرس وفرض قراراته.. فقدم استقالته من قيادة الحرس القومي وقبلت استقالته وعين قائدا للفرقة الرابعة.
اعتقاله:
ارتكب مجاز جماعية في قتل الآلاف من العسكريين والمدنيين بدم بار سواء خلال قيادته لمعركة الدفاع أو خلل قيادته الحرس القومي.. وهنا لابد أن نذكر هذه الواقعة: (فعندما اعتقل نصرت في سجن رقم 1 في معسكر الرشيد بعد انكشاف محاولة البعث للقيام بانقلاب ضد عبد السلام عارف في 5 / 9 / 1964.. التي حاول تنفيذها حزب البعث.. لكن انك\فت من قبل السلطات الحاكمة.. وجرت اكبر حملة اعتقالات في صفوف البعثيين من ضمنهم نصر.. كان في ذلك السجن مجموعة من الشيوعيين المعتقلين.. وقد قال نصرت للطيار الشيوعي المعتقل عبد النبي جميل: “بشرفي لو جئتم الى السلطة وقتلتمونا وسحقتمونا بالدبابات سيكون ذلك من حقكم.. وقليل بنا لأنه لم يبق شيء لم نستخدمه ضدكم”.
نصرت.. والمحاولة الانقلابية للبعث 1964:
بعد نجاح حركة 18 تشرين الثاني العام 1963 التي قادها عبد السلام عارف.. وحلً الحرس القومي والبدء باستبعاد البعثيين من السلطة والجيش.. اختار حزب البعث عبد الكريم نصرت لمسؤولية مكتبه العسكري.. وأخذ يخطط للإطاحة بعبد السلام عارف لكن خطته المزمع تنفيذها في 5 / 9 / 1964 انكشفت للسلطة.. فجرت حملة اعتقالات شملت 50 كادراً بعثياً ممن ساهموا في تلك المحاولة وآخرين.. وكان الرجل الأول فيها عبد الكريم نصرت.. الذي لم يعترف كما اعترف الآخرون أمثال صدام.. كما يقول القيادي ألبعثي حازم جواد.. عندما اعترف صدام عن دراسة حزبية ضبطت عنده وضعناها في القاهرة (أنا حازم وطالب شبيب) ، وأطلق سراح الجميع باستثناء نصرت الذي عذب تعذيبا شديداً.. ويقول حازم جواد: “كان نصرت يربط بسيارة جيب.. وتجره يومياً بعد منتصف الليل على طول طريق قناة الجيش.. ولم يحصلوا منه على شيء”.
أحيل على التقاعد.. وظلً معتقلاً في عهد عبد السلام عارف ومن ثم عهد أخيه عبد الرحمن.. وفي أوائل العام 1968 أطلق سراحه مع آخر وجبة من السياسيين المعتقلين!!
محاولات البكر صدام كسب نصرت:
بعد انشقاق حزب البعث الى كتلتين: الأولى يطلق عليها (البعث اليميني تعترف بقيادة ميشيل عفلق والقيادة القومية.. وهي مجموعة البكرـ صدام).. والكتلة الثانية يطلق عليها: (البعث اليساري).. المؤيدة لنظام البعث في سورية.. يبدو أن نصرت انحاز الى الثانية.. واختير مسؤولاً لتنظيمها العسكري.
المهم بعد إطلاق سراحه أخذ أحمد حسن البكر وصدام يترددان عليه لكسبه إليهم ومشاركتهم في انقلابهم المنتظر.. لكن نصرت رفض عروضهما.. وقال لهما: “أنا لا أشتغل معكما ولا مع صالح مهدي عماش وغيره.. أنا حزبي حقيقي”.. وتركهما وحقدوا عليه.. ولم يكن أن ينس البكر وصدام له هذا الموقف.. بعد تسلم البعث السلطة ثانية.
مصرعه:
يروي حازم جواد.. في مقابلة له مع جريدة الحياة اللبنانية نشرت في 9 / 2 / 2004 حادثة مصرع عبد الكريم مصطفى نصرت حيث يقول: (هذه الجريمة لا تقبل الجدل.. فهي كانت مرتبة والسبب في ذلك.. وأذكرها للمرة الأولى إنني كنتُ طرفاً فيهاً.. ففي أحد أيام أواخر سنة 1968 وصل الى بغداد الصديق طلعت صدقي السوري الأصل.. وكان يشغل في ذلك الوقت رئيس مكتب الشؤون العربية في رئاسة الجمهورية العربية المتحدة.. وكان بيته ومقر عمله قريبين من بيت الرئيس جمال عبد الناصر.. وكان مبعوثا للاستطلاع أو كتابة تقرير.. وهو صديق شخصي ليً ويعرف عبد الستار عبد اللطيف منذ أيام ثورة 14 تموز و14 رمضان.. وله علاقات أيضا مع صالح مهدي عماش وأحمد حسن البكر وعلي صالح السعدي.. وعلى الرغم من انه شخصية ناصرية.. إلا أن له علاقات متشابكة مع البعث العراقي.. هي علاقات ود أن لم تكن علاقة تعاطف.. دعاه عبد الستار عبد اللطيف الذي كان متقاعداً في ذلك الوقت الى عشاء في الساعة السابعة والنصف وكان بين من المدعوين أنا وعبد الكريم نصرت وضابط أو اثنان من معارفه.
نصرت معروف بين أصدقائه وزملائه بدقة مواعيده الى درجة عجيبة فإذا كان موعده في السابعة فلا يمكن أن يأتي بعدها بدقيقة أو قبلها بدقيقة.. وهو يسكن قريباً من بيتي فأنا أسكن في منطقة المنصور ببغداد وهو في مدينة اليرموك.. وكان من المفروض أن يمر عليً ونذهب الى الجانب الشرقي من بغداد الى بيت عبد الستار عبد اللطيف.. وعند الساعة السابعة بالضبط تلقيتُ مكالمة هاتفية من عبد الستار عبد اللطيف يتوًسلني كي أذهب الى فندق بغداد لجلب طلعت صدقي الى داره.. ويبدو انه لم تكن هناك سيارة رسمية مخصصة لطلعت صدقي.. قلت له: وماذا عن عبد الكريم ؟ قال: اترك له خبراً عند السيدة الوالدة ليتوجه مباشرة الى هنا.. حاولتُ الاتصال به مرتين أو ثلاثة ولم يكن أي رد منه.. تركتُ رسالة عند أمي أن يلتحق بنا.. وذهبتُ الى فندق بغداد وأخذتُ معي طلعت صدقي وتوجهنا الى بيت عبد الستار عبد اللطيف الكائن في منطقة الصليخ المشهورة.. وبدأنا نتسامر مع بقية المدعوين الآخرين.. وفجأة انتبهنا الى أن عبد الكريم تأخر على غير عادته فاتصلنا به في بيته إلا أن الهاتف يرن ولا يجيب.. فاتصلنا بأمي نسألها أن كان قد جاء ؟ فأجابت لا وبقينا الى حد الساعة العاشرة ننتظر ليأتي ويتعشى معنا وكررنا الاتصال هاتفيا به إلا أن الهاتف يرن بلا جواب.. اعتقدنا أن شيئاً ما حدث قطعاً.. تناولنا العشاء وغادرنا بيت عبد الستار بحدود الساعة الثانية عشرة على أمل أن نفهم في اليوم التالي ما حدث لعبد الكريم ودعاه الى الغياب.
عاد معي طلعت لأوصله في طريقي الى فندق بغداد.. وصلنا الى ساحة التحرير المشهورة.. وإذا بها محتلة من قبل عدد من المدنيين ورجال الشرطة والجيش.. وقد اختلط الحابل بالنابل.. وكأن هناك مسيرة أو تظاهرة.. حتى تلك الساعة كنتُ لا أزال معروفا واسمي متداولاً فأوقفت سيارتي لأنهم لم يسمحوا للسيارة بالمرور الى ساحة التحرير.. سألتُ أثنين أو ثلاثة مدنيين وقلتُ لهم أنا فلان ما الخبر ؟ فقالوا ألم تعلم سيدي ؟ قلت لا.. فأجابوا: الليلة سيتم إعدام مجموعة من جواسيس إسرائيل وستعرض جثثهم في ساحة التحرير.. لذلك فالطريق الوحيد هو أن تسلك شارع أبو نؤاس.. استغربتُ وقلت: ما هي قصة هؤلاء الجواسيس؟.
أما طلعت فقد اصفر وجهه ولم يكن مرتاحاً للعملية.. وكانت لديه حركة مشهورة عندما تخطر له فكرة أو كذا يضرب على جبينه.. ففي تلك اللحظة ضرب على جبينه بشكل عجيب ! فقلتُ له: ما الأمر ؟ فقال: (بدأتُ الآن أقلق على صديقك).. طبعاً طلعت كان قد أمضى حياته في الاستخبارات المصرية وفي المكتب الثاني السوري.. قلتُ له ولماذا ؟ قال: “قلبي يقول ذلك.. فأنتم تقولون عن هذا الرجل انه مضبوط المواعيد.. واتفقتما أن يمر عليكً.. فما هو الهدف من هذا التوقيت ؟”.. فقلتُ له: “أن هذه مجرد ظنون.. على كل حال أوصلته وذهبتُ أنا الى البيت”.
في صباح اليوم التالي اتصل بي أحد الأصدقاء وهو الضابط عزيز شهاب وهو صديق قديم لعبد الكريم نصرت وللأسرة.. وقال: البقية بحياتك عبد الكريم نصرت قتل !! فقلتُ له أعوذ بالله هل تتكلم بصدق ؟ قال نعم.. لقد اتصلت بيً أخته في الصباح.. وأنا سأمر عليك.. أخذتني المفاجأة من الذي يريد قتله ؟ وفوراً ربطت المسألة مع حادثة البارحة.
إذاعة بغداد والتلفزيون باشرا منذ الصباح الباكر بالحديث عن إعدام 10 الى 12 بينهم عدد من اليهود وجنود وأصحاب مخابز.. وهناك معلومات عرفتها متأخراً من احد منظمي هذه العملية وهو السيد علي رضا (كادر بعثي.. ورئيس محكمة خاصة) قال: “أن هذه كانت كلها تمثيلية.. وان هؤلاء كانوا معتقلين لدى عبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف”.. وكانت القضية قيد التحقيق.. استدعوهم (الجماعة) من الاستخبارات العسكرية الى قصر النهاية.. وبعد ذلك قاموا بهذه التمثيلية. والغرض منها.. كما قال لي علي رضا الإرهاب فقط!!.
كلمتُ صديقاً أو اثنين من أصدقاء عبد الكريم في وزارة الدفاع وذهبتُ الى بيته كان مغلقاً.. والشرطة العادية تتولى الأمر.. أي ليس الاستخبارات أو أجهزة أخرى.. علما أن الرجل شخصية بارزة من شخصيات حزب البعث.. لم نستطع أن نفهم شيئا.. لكن عرفنا من احد أفراد عائلته أن الدخول الى البيت ممنوع.. وان الدولة وضعت يدها على البيت.. وان المغدور كان مصاباً بأكثر من طعنة سكين!!.
شاع الخبر في بغداد.. نظمنا له تشيعا وقراءة فاتحة في جمعية الآداب الإسلامية.. وجاء ممثلون عن السلك الدبلوماسي العراقي.. وقد غاب الحضور ألبعثي الرسمي والحكومي.. الغريب انه انطلقت شائعة في اليوم التالي في وزارة الدفاع وعلى عموم الحزب الرسمي: أن عبد الكريم مصطفى نصرت كان رجلاً مخادعاً للحزب وللجميع.. وشاذاً جنسياً وكان معه أحد الصبيان عندما قتل.
ويبدو أن هذا الصبي هو الذي طعنه وقتله وهرب بسيارته.. لان سيارة عبد الكريم لم تكن موجودة في بيته.. طبعاً هذه عملية خسيسة.. كما يقول حازم جواد.. ويضيف قائلاً: كان في الجيش ولم يثر أحد هذا الموضوع ولم نكن نسمع عنه هذه السمعة عندما كان في الخدمة العسكرية.. وفجأة أعلن تلفزيون بغداد عن اعتقاله لقاتل عبد الكريم نصرت.. بعد خمسة أيام من الحادث حيث أعلن بيان يعلن عن اعتقال القاتل في مدينة النجف ومعه سيارة عبد الكريم نصرت.. وظهر في شاشة التلفزيون شاب صغير.. لم يتعرف عليه أي من المقربين من نصرت.. وادعى انه خادم نصرت وانه قتله.. ولمح الى شذوذه الجنسي.. وانه على خلاف معه وطمع في سيارته .. ويضيف حازم جواد قائلاً: “إن الأمر كان مرتباً.. واضطروا الى إعلان هذا البيان.. وبقيً هذا الولد معتقلاً بانتظار تقديمه الى محاكمة عادية.. ثم اختفت آثاره.. ولم يقدم الى محاكمة ولم يعرف شيء عن مصيره وانقطعت أخباره الى اليوم”.
يقول القيادي في ألبعثي طالب شبيب: “أن قتل عبد الكريم نصرت كانت تمثيلية بائسة.. وعرض قاتله على التلفاز ليدعي انه قتله لأسباب أخلاقية !! فيما يؤكد الكادر ألبعثي حسن العلوي: (أن صدام اغتال وبطريقة تخلو من الشهامة قائد الهجوم على وزارة الدفاع في 8 شباط 1963 اللواء عبد الكريم مصطفى نصرت.. وأعلن بيان صادر عن صدام: أن غلاماً منحرفا كان اللواء على صلة جنسية معه.. وهو الذي اغتاله بمنزله”.
بقيً أن نقول أن الشخص الذي ظهر على شاشة التلفزيون ليس صبياً.. وعرفً عن نفسه سائق عبد الكريم نصرت.. وهو الجندي المكلف علي الخزعلي.. واعتراف بان نصرت كان شاذاً جنسياً.. وكان يريد الاعتداء عليه مما اضطره الى قتله.