بمراجعة بسيطة لموقع اليوتيوب وبعض مواقع التواصل الاجتماعي تلك النعمة الكبيرة التي تستطيع من خلالها المقارنة بين المواقف التي تتغير بين فترة وأخرى لأسباب قد لا نجد لها تفسيرًا مناسبًا سوى “المصالح الشخصية”، وبينما كنت منشغلًا بالبحث عن احداث الاحتجاجات الشعبية قفز امامي مقطعا فيديويا لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، كجزء من لقاء تلفزيوني سابق يعود لايام الحرب بين التيار الصدري والأمريكان، او بعدها بقليل، يتحدث السيد الصدر عن وصية لوالده السيد محمد صادق الصدر، اكد فيها بان “السيد الولد منع جميع طلابه من العمل السياسي، وكان يوقعهم على تعهدات خطية تضمن عدم المشاركة فيه” والسبب كما تقول وصية الصدر الثاني، بان “رجال الحوزة او طلابها مهمتهم الاجتهاد فقط”، ليختتم حديثه باستنكار لمشاركة الجهات الدينية بالعملية السياسية في حينها.
حاولت بعد انتهاء مقطع الفيديو ايجاد اجابة لحديث السيد الصدر عن وصية مرجع ديني لنجله والتي يجب ان تنفذ بعد وفاته كما هو المتعارف في مجتمعاتنا، لكن جميع النتائج كانت محيرة، فالسيد الصدر اصبح يتزعم جبهة تشارك بالعملية السياسية ولديه وزراء ومناصب في جميع مفاصل الدولة وممثلين بمجلس النواب، ليخرج التيار الصدري من صيغته الشعبية إلى قوى سياسية تقف إلى جانب الأحزاب وتتصارع معها للحصول على المكاسب، وبذلك يكون السيد الصدر قد خالف بما لا يقبل الشك وصية والده وأصبح شريكا في جميع المشاكل التي يعاني منها “عباد الله” بسبب قرارات “جهابذة” العملية السياسية حتى جاءت التظاهرات الشعبية قبل اكثر من أربعة اشهر كردة فعل على “الإخفاقات” المستمرة، لكن هذه المرة من دون قيادة أو زعيم من جهة سياسية وهو ما جعل زعيم التيار الصدري يتقدم بدعوة أنصاره للمشاركة فيها بمحاولة واضحة “لفرض” قيادته لتلك الاحتجاجات، قبل ان يتفاجئ برفض قد يكون الأول من نوعه بهذه الطريقة،لأسباب عدة ابرزها تجاوز مرحلة “الخوف” التي كانت تجبر المواطنين على الطاعة رغمًا عنهم.
وحتى لا يخرج زعيم التيار الصدري من صفة “الزعيم الشعبي”، تحرك السيد الصدر بقرار جديد دوافعه معروفة وقد تحدثنا عنها في العديد من المواقف السابقة ولا حاجة لإعادة تكرارها، ليجد في تهمة وجود “المندسين والمخربين” فرصة لإنهاء التظاهرات بعد تعهدات لأطراف سياسية بانه يمتلك القدرة على التخلص من هذا “الكابوس” مقابل منحه الحق في تحديد هوية رئيس الوزراء المقبل البديل عن المستقبل عادل عبد المهدي، لكن محاولاته واجهت الرفض مرة أخرى، ليصدر زعيم التيار الصدري توجيهًا لأنصاره باقتحام ساحات التظاهرات بعنوان “القبعات الزرق” وانهاء الاحتجاجات بقوة “النار والسلاح” حتى حصلت “مجزرة” في مدينة النجف راح ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى بعد اقتحام عناصر مسلحة تابعة للتيار الصدري لساحة الاحتجاجات وحرق الخيام ومطاردة المحتجين في شوارع مدينة النجف، وهذا لا يمكن “انكاره” بسبب توثيقه بأدلة مصورة وشهادات الجرحى والمتظاهرين، لتفشل مرة أخرى محاولة السيد الصدر بفرض نفسه زعيما للاحتجاجات.
لكن التيار الصدري وزعيمه لم يتراجع وحاول تبرير جميع تلك الأعمال بانها محاولة “لتنقية الساحات من المخربين”، لتأتي بعدها خطبة صلاة الجمعة للمرجعية الدينية التي أكدت بانه “لا غنى عن القوات الأمنية الرسمية في حفظ الامن والاستقرار، وحماية ساحات الاحتجاج والمتظاهرين السلميين، وكشف المعتدين والمندسين، والمحافظة على مصالح المواطنين من اعتداءات المخربين ، ولا مبرر لتنصلها عن القيام بواجباتها في هذا الاطار، كما لا مسوغ لمنعها من ذلك او التصدي لما هو من صميم مهامها، وعليها أن تتصرف بمهنية تامة وتبتعد عن استخدام العنف في التعامل مع الاحتجاجات السلمية وتمنع التجاوز على المشاركين فيها”، لتكون تلك الكلمات رسالة نصها، بانه لا يحق لكم مهما ارتديتم من زي القيام بواجبات القوات الامنية، وهي ادانة واضحة لأصحاب القبعات الزرق وتصرفاتهم في ساحات الاحتجاج، لتسجل “نصرا” جديدا للمتظاهرين اجبر السيد الصدر على إرسال معاونه الجهادي ابو دعاء العيساوي لساحة التحرير للتفاوض مع المتظاهرين في اجتماع استمر لنحو خمس ساعات كانت نتيجته انسحاب القبعات الزرق والاعتذار عن الاعتداء على الطلاب، وإعادة بناية المطعم التركي (جبل احد) للمتظاهرين بسبب رمزيته في الاحتجاجات، وهذا ماكان ليتحقق لولا تمسك المحتجين بالسلمية ورفضهم وجود قيادة سياسية تتزعم الاحتجاجات.
تلك النتائج لم يتحملها السيد الصدر فخرج علينا بتغريدة جديدة عنوانها “ميثاق ثورة الإصلاح” طرح خلالها ثمان عشرة نقطة عبارة عن توصيات وتعليمات للمتظاهرين، منها منع الاختلاط بين الجنسين في ساحات الاحتجاج والابتعاد عن مناقشة القضايا السياسية، وإدارة التظاهرات من الداخل والتخلي عن المتحكمين بها من الخارج، واختيار متحدث رسمي للتظاهرات، وإصدار امر بانسحاب اصحاب القبعات الزرق من ساحات الاحتجاج وتسليمها للقوات الامنية، لياتي الرد بعد ساعات على تلك التغريدة بتظاهرات طلابية حاشدة في جميع المحافظات المحتجة ترفض “الميثاق” وبنوده، وتهتف ضد محاولات فرض الزعامة والقيادة على الاحتجاجات الشعبية مرة اخرى، كون السيد الصدر لا يملك الحق بتوجيه التوصيات والتعليمات للمحتجين، من خارج تياره.
الخلاصة… ان تمسك السيد الصدر بفرض نفسه كزعيم للاحتجاجات الشعبية بعد خسارة جميع اوراقه يثير العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام عن أسباب هذا الإصرار “الغريب” على الرغم من الرفض الجماهيري لجميع ما يصدر من زعيم التيار الصدري، لكنه قد يثبت حقيقة واحدة عن وجود تعهدات “يعجز” السيد الصدر عن تحقيقها…. اخيرا… السؤال الذي لابد منه… لماذا ترفض الاحتجاجات مبدأ الزعامة؟،..