لماذا لم يُقال الحرسي حاجي زاده؟
الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني
حُطمت الطائرة المدنية الأوكرانية في وقت متأخر من الليلة الماضية 8 يناير فوق أجواء مطار طهران نتيجة لقيام وحدة الدفاع الجوي في قوات حرس نظام الملالي بقصفها بصاروخين أرض جو، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها وطاقمها بشكل مروع للغاية. وكان التوقع والرغبة العامة أن يستقيل الحرسي حاجي زاده، قائد قوة الجو فضائية التابعة لقوات حرس نظام الملالي بعد تحطم الطائرة المشار إليها أو أن يقيله خامنئي بوصفه القائد العام للقوات. إلا أنه في الواقع لم يحدث أن استقال أو أُقيل، لذا يتبادر إلى الذهن السؤال المنطقي: لماذا؟
تعود الإجابة المنطقية على هذا السؤال إلى مكانة قوة الجو فضائية في هيكل نظام ولاية الفقيه واستغلال خامنئي لقوات حرس نظام الملالي لبقاء نظامه القروسطي. ونظرًا لأن الحرسي حاجي زاده ليس له وزن كبير في التسلسل الهرمي للقادة والعناصر الرئيسية في نظام الملالي. لذلك، في أعقاب هذه الجريمة البشعة، ردد المتظاهرون الإيرانيون، وخاصة الطلاب المستنيرين، هتاف ” استحِ يا خامنئي وارحل من البلاد” و ” استقيل استقيل يا خامنئي يا قائد العام للقوات” كما رفع المتظاهرون شعار ضرورة استقالة روحاني أيضًا.
وتم ارتكاب هذه الجريمة عندما ذهب الحرسي حاجي زاده إلى منطقة غرب إيران في أعقاب اغتيال الإرهابي قاسم سليماني، ليحقق الانتقام الشديد الموعود بقصف القواعد الأمريكية في أربيل وعين الأسد. وبعد أن استهدفت صواريخ قوات حرس نظام الملالي الطائرة المدنية الأوكرانية؛ كان الحرسي حاجي زاده أول شخص اعترف بهذه الجريمة، ولكن لا استقال ولا أُقيل.
والحقيقة هي أن خامنئي يعتبر قوة القدس الإرهابية وقوات حرس نظام الملالي وبالتحديد قوة الجوفضائية في قوات حرس نظام الملالي أنها قواعد أساسية لبقائه ونظامه، ولهذا السبب، تجاهل خامنئي متعمدًا إقالة أو استقالة الحرسي حاجي زاده، على الرغم من مطالبة الرأي العام بذلك، ضاربًا برغبة وتقدير الرأي العام عرض الحائط.
في مثل هذه الحالة، التي رأي فيها خامنئي نفسه أكثر ضعفًا بشكل غير مسبوق في أعقاب انتفاضة نوفمبر 2019 التي اجتاحت 200 مدينة إيرانية، كان لقاسم سليماني والحرسي حاجي زاده أهمية استراتيجية بالنسبة لخامنئي بوصفهما قادة قوة القدس وقوة الجوفضائية. لذلك، فإنه بعد هلاك الرجل الثاني في ولاية الفقيه، على أرض الواقع، تلقت رموز قوة خامنئي، أي قوة القدس الإرهابية ومجموعاتها العاملة بالنيابة (أبو مهدي المهندس) ضربة قاصمة.
وفي أعقاب هذه الضربة المدمرة، أسرع خامنئي، بصفته القائد الأعلى للقوات، في تعيين الحرسي إسماعيل قاآني خليفة لقاسم سليماني، مؤكدًا استمرار الخطط السابقة لقوة القدس الإرهابية محاولًا توصيل رسالة مفادها أن قوة القدس الإرهابية والجماعات الفرعية التابعة لها ستظل قوية ونقطة ارتكاز عسكرية وسياسية إقليمية هامه لنظام ولاية الفقيه مثلما كانت عليه في الماضي.
ومن منطلق أن القدرة الصاروخية لقوات حرس نظام الملالي والحرسي حاجي زاده لها أهمية كبيرة لدى خامنئي، فإنه إذا أقال خامنئي الحرسي حاجي زاده، فإن ذلك سيفسر على أنه تشويه للذات إلى جانب الضربة القاصمة التي لحقت بقوة القدس الإرهابية.
وبنظرة عامة على تاريخ قوات حرس نظام الملالي سندرك أن هذا الجهاز كان خلال الـ 40 عامًا الماضية ولا يزال الركن الرئيسي لحماية نظام ولاية الفقيه والحفاظ على ديمومته، لدرجة أنه حتى الملا حسن روحاني وصف قوات حرس نظام الملالي في الصراع على السلطة مع خامنئي بأنها “الحكومة التي تحمل السلاح”. وبعد الحرب الإيرانية العراقية على مدى 8 سنوات، يتزايد دور ونفوذ قوات حرس نظام الملالي في السياسة الداخلية والخارجية الإيرانية يوما بعد يوم، لدرجة أن قوات حرس نظام الملالي هي التي تشكل العديد ممن يسمون بدبلوماسيي الولي الفقيه. والنموذج الفعلي على ذلك هو الحرسي إيرج مسجدي، سفير الولي الفقيه في العراق، الذي تولي مناصب حساسة في قوات حرس نظام الملالي وقوة القدس الإرهابية على مدى سنوات عديدة.
والجدير بالذكر أن قوات حرس نظام الملالي ارتكبت جريمة قمع كافة الاحتجاجات في الشوارع، على وجه التحديد منذ عام 2009 وما بعدها، ووصلت جريمة القمع ذروتها خلال انتفاضة نوفمبر 2019 التي أسفرت عن مقتل 1500 شخص وإصابة 4 آلاف شخص واعتقال أكثر من 12 ألف شخص من المتظاهرين. مما جعل هذا الجهاز الفاعل الأكثر أهمية في الحفاظ على نظام ولاية الفقيه وسواعد خامنئي القوية. ومن هنا يمكننا القول إن خامنئي لم يضمن بقاءه إلا من خلال الاعتماد على حربة قوات حرس نظام الملالي. ولهذا السبب، يرى خامنئي أن إضعاف قوات حرس نظام الملالي يعتبر تقويضًا لنظام الملالي برمته ولقيادته. وبناءً عليه، فإن إقالة أي شخص من كبار قادة قوات حرس نظام الملالي تعني الاستسلام لرغبة الرأي العام، وبالتالي سوف يستمر النظام في الانحدار نحو السقوط والانهيار خطوة بخطوة.
وعلى هذا الأساس، كان المحور الأصلي لحديث خامنئي في خطبتي الجمعة الموافق 17 يناير هو التركيز على الإشادة بقاسم سليماني الهالك، وهجوم القوات الجوية في قوات حرس نظام الملالي على القواعد الأمريكية في العراق، بينما كان الحديث عن تحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية والتضحية بركابها الأبرياء البالغ عددهم 176 راكبًا وطاقمها موضوعًا فرعيًا لدرجة أنه لم يقدم اعتذارًا عما حدث.
وعلى الجانب المقابل لهذا الموقف المشين، نجد أداء المقاومة الإيرانية الرائع ونظرتها الإنسانية المحمودة تجاه ضحايا الطائرة المدنية الأوكرانية الأبرياء، على النحو التالي:
في يوم الأحد الموافق 12 يناير، أقيمت مراسم تأبين ضحايا سقوط الطائرة المدنية الأوكرانية في أشرف الثالث بألبانيا في حضور رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي. كما أن أنصار المقاومة الإيرانية أقاموا مراسم تأبين لضحايا الطائرة المذكورة، في كبرى مدن أوروبا وكندا وأمريكا، وطالبوا بمحاكمة جميع الجناة المتورطين في هذه الجريمة البشعة والحكم عليهم بأشد العقوبات ليكونوا مثالًا رادعًا لغيرهم من المجرمين المناهضين للبشرية.
وفي أعقاب فضح الأكاذيب التي لفقها كل من خامنئي وروحاني على الصعيد العالمي، عشية يوم الأربعين لضحايا الطائرة المذكورة، دعت رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي، إلى تعاطف الرأي العام مع الضحايا والمزيد من الاحتجاج على نظام الملالي الظلامي، وأكدت مرة أخرى ضرورة محاكمة خامنئي وروحاني وقادة قوات حرس نظام الملالي في المحكمة الدولية.
كما طالبت السيدة مريم رجوي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن يدرج محاسبة زعماء نظام الملالي على قتل شهداء انتفاضة نوفمبر وضحايا الطائرة المدنية الأوكرانية في جدول أعماله.