خاص : ترجمة – محمد بناية :
أعلن المتحدث باسم “الخارجية الإيرانية”، رفض “الرياض” مشاركة وفد “خارجية طهران” في اجتماع وزراء خارجية “منظمة التعاون الإسلامي”، في مدينة “جدة”، تلك الجلسة التي كان من المقرر عقدها بناءً على دعوة الحكومة الفلسطينية لمناقشة مشروع، “دونالد ترامب”، المعروف إعلاميًا باسم “صفقة القرن”، ومن ثم إتخاذ موقف إسلامي موحد إزاء هذا المشروع.
والحقيقة أنه سواء شاركت “إيران” في الجلسة أم لا، فلن تتجاوز المخرجات المشتركة عن مثل هذه اللقاءات والاجتماعات العربية والإسلامية والدولية المعنية بـ”القضية الفلسطينية”، مجرد النقد اللفظي لـ”الكيان الصهيوني” والدعم اللفظي لـ”القضية الفلسطينية”. بحسب صحيفة (آرمان ملي) الإيرانية.
قضية ليست جامعة بين طهران والرياض..
والواقع تؤكد تجربة مئات الجلسات والاجتماعات لـ”الجامعة العربية” و”منظمة التعاون الإسلامي”، على مدى العقود الماضية، عدم إمتلاك أعضاء هذه المنظمات آلية عملية. رغم ذلك، لكن الإجراء السعودي الأخير؛ إنما يكشف النقاب عن مجموعة من المسائل والقضايا على النحو التالي :
أولاً: أن العلاقات “الإيرانية-السعودية” وصلت إلى مرحلة الحضيض، حتى أن الأهداف والتطلعات الفلسطينية لا تستطيع جمع البلدين على موقف سياسي مشترك داعم لتلكم الأهداف.
ثانيًا: لم تُعد مثل هذه الأهداف عامل وحدة في العلاقات الإسلامية والعربية، أو على الأقل بين “السعودية” و”إيران”، وإنما أضحت “القضية الفلسطينية” عامل اختلاف بين البلدين. والأكثر من ذلك، أنه نتيجة للتطورات المرعبة بالشرق الأوسط، خلال العقد الأخير، لم تختف فقط ملامح دعم “فلسطين” من السياسة الخارجية لبعض الدول؛ وإنما حل بدلاً منها التحالف والتطبيع مع “الكيان الصهيوني”، وبالتالي فرض تداعيات هذا التوجه على العلاقات الإقليمية، وبخاصة بين “إيران” و”السعودية”.
ثالثًا: لم يكن التفاؤل بإمكانية المصالحة بين “إيران” و”السعودية”، خلال الأشهر القليلة الماضية، في أعقاب تحركات الوساطة الباكستانية، والعُمانية، والعراقية، يتسم بالواقعية، وإنما كان نابع عن إلمام غير صحيح للوقائع الجديدة في المنطقة.
تتبع الانفتاح “الإيراني-الأميركي”..
والتوتر “الإيراني-السعودي” مؤخرًا لم يُعد يتبع العوامل المعروفة، على مدى العقود الأربعة الماضية، أو القضايا الخلافية القديمة بين الطرفين، وإنما يتبع التوتر الأكبر على مستوى المنطقة بين “طهران” و”واشنطن”.
وعليه يبدو أن الانفتاح والمصالحة بين “إيران” و”السعودية” إنما يرتبط بالانفتاح أولاً في العلاقات “الإيرانية-الأميركية”. وقد بدأ هذا التطور، في العام 2015، لاسيما بعد إعتلاء “دونالد ترامب”، عرش السلطة في “الولايات المتحدة الأميركية”.
والسبب يعود للتحالف بين “أميركا” و”السعودية”، والذي يدعو “السعودية” إلى مساندة “الولايات المتحدة” في سياسة “الحد الأقصى” ضد “إيران”، وبخاصة في ضوء تصاعد وتيرة خلافات “طهران-واشنطن”، خلال السنوات الأخيرة.
طموح “بن سلمان”..
ويرتبط السبب الثاني؛ بعلاقات السلطة الداخلية في “السعودية” ذاتها، فلا يُخفى على أحد أن، “محمد بن سلمان”، إنما يهتم ويُركز على المُلك ويحتاج للجلوس على هذا الكرسي؛ إلى دعم الإدارة الأميركية وشخص “ترامب”. والعارفون بمعادلة السلطة داخل “الأسرة السعودية” يعلمون جيدًا مدى تقارب علاقات جميع الأطراف القوية بالمعادلة مع “الولايات المتحدة الأميركية”.
ومن هذا الطريق؛ تُنفذ “واشنطن” بشكل مؤثر، وإن لم يكن مباشر، في اختيار الملك السعودي وولي عهده، وبخاصة بعد عزل الملك “فيصل”، في سبعينيات القرن الماضي. ولم يُكن ممكنًا بالأساس وصول، “محمد بن سلمان”، إلى منصب ولي العهد والإطاحة بشخصية نافذة وأصولية مثل، “محمد بن نايف”، لولا النفوذ الأميركي ودعم “ترامب”.
ويعي “محمد بن سلمان” هذا الدور أكثر من أي شخص آخر، ولذلك من المُستبعد عودة العلاقات “السعودية-الإيرانية”، لاسيما بعد أزمة اغتيال، “جمال خاشقجي”، وممانعة لوبي “بنيامين نتانياهو”، في “أميركا” من الضغط بقوة على هذه القضية.
والحقيقة؛ فقد توترت الأزمة بين الطرفين، الإيراني والسعودي، خلال العقد الأخير؛ أكثر من أي وقت مضى، وقد كان الوقت الأمثل للحد الكبير في الخلافات؛ بل والمصالحة في عهد الملك “عبدالله”، لاسيما بعد التوقيع على “الاتفاق النووي”، حيث أستشعرت “السعودية” تخلي “الولايات المتحدة” عنها؛ وأنها لم تُعد تعبأ بمشكلات “الرياض” مع “إيران”. لكن “إيران” لم تغتنم تلك الفرصة ورأت عدم الحاجة للتحرك في إطار المصالحة مع “السعودية”، ولم ترى الحكومة، التي تضرب الآن على طبل تحسين العلاقات مع دول الجوار، حاجة لذلك بعد تطوير العلاقات مع القوى الكبرى بعد التوقيع على “الاتفاق النووي”.
لكن الآن؛ ترى “السعودية” نفسها في موقع آخر بالتماهي من جهة مع سياسة الضغط إلى أقصى درجة، وإرتباط العلاقات “الإيرانية-السعودية” من جهة أخرى بالمتغير الأميركي والإسرائيلي.
وعليه؛ فإن عدم مشاركة “إيران” باجتماع “جدة”، وموقف “السعودية” إزاء “صفقة القرن”، هو أفضل مؤشر على دورة السياسة الخارجية السعودية إزاء “القضية الفلسطينية” و”إسرائيل”.