خاص : كتبت – هانم التمساح :
بعدما أدرك الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، حجمه الحقيقي؛ وأن انسحابه من التظاهرات لن يضعفها، كما أن تأثيره منعدم على هذه القوى الغاضبة في الشارع؛ والتي لم تُعد تأتمر بأمر زعامات سياسية، طالما أنها تخالف حقهم في “وطن قوي حر”.. وبعدما بدت حقيقة الرجل المتلون تتكشف وحجمه الحقيقي يظهر؛ إستشاط غضبًا من المحتجين، الذين لاذوا بسلاح التهكم والسخرية من خصمهم، لكن سلاح السخرية وحده لم يصمد أمام هراوات أنصار “الصدر”، مما دفع المتظاهرين السلميين للجوء إلى “القبعات الحمراء” في مواجهة “قبعات زرقاء” يُمثلها أنصار “الصدر”.. فهل يريد “الصدر” أن يُحول التظاهرات السلمية إلى ساحة إقتتال ويجرها إلى مشهد مماثل لمصير “ثورة سوريا” ؟.. بالتأكيد هذا ما حذرت (كتابات)؛ منه مرارًا لأنه لن يكون في صالح الانتفاضة، ولا يُصب إلا في مصلحة من يريدون تشويه الحراك الثوري والقضاء عليه.
تطورات متسارعة..
وشهد جنوب “العراق” تطورات متسارعة؛ بعدما دعت مجموعات من الحراك الاحتجاجي في البلاد إلى تظاهرة حاشدة في “بغداد”، رفضًا لسلوك ما يُعرف بـ”أصحاب القبعات الزرقاء” من أنصار “الصدر”، الذين نزلوا إلى ميادين التظاهرات لتفريق المتظاهرين، بعد أن إندسوا بين المتظاهرين كأنهم منهم ومؤيدين لمطالبهم، فيما توافد مئات الطلاب على ساحات الاعتصام في محافظتي “ذي قار” و”الديوانية”.
وشهدت محافظة “كربلاء” المجاورة؛ انتشارًا لعناصر غير معروفة تحمل السلاح وسط محافظة “كربلاء” لمنع المتظاهرين من غلق الشوارع.
ودعت ما تُعرف بـ”تنسيقيات الحراك الطلابي في العراق”؛ إلى تظاهرة حاشدة تتوجه إلى “ساحة التحرير” لمساندة المتظاهرين السلميين.
وجاءت هذه الدعوة عقب إستيلاء “أصحاب القبعات الزرقاء”، من أتباع (التيار الصدري)، على “المطعم التركي” – وهو عبارة عن مبنى مهجور يقع قرب “ساحة التحرير”، ويعتبره المتظاهرون خط دفاع عنهم في وجه القوات الأمنية – كما دعت هذه التنسيقيات إلى رفع شعارات رافضة لتكليف “محمد توفيق علاوي”، لرئاسة الوزراء.
في الوقت ذاته؛ أعلن محافظ “النجف”؛ اتفاقه مع قيادات (التيار الصدري) على سحب “أصحاب القبعات الزرقاء” من ساحة الاعتصام في المحافظة.
وبدأت مخيمات الاحتجاج في “بغداد” وجنوب “العراق”؛ الانقسام إلى مجموعات منفصلة، وذلك إثر تأييد الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، تكليف “محمد توفيق علاوي” تشكيل الحكومة.
رفض شعبي لأنصار “الصدر”..
وأتسعت رقعة الرفض الشعبي لمحاولات أتباع (التيار الصدري) إنهاء الاحتجاجات الشعبية المستمرة، منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي.
وكان زعيم (التيار الصدري)، “مقتدى الصدر”، قد دعا أنصاره إلى مساعدة قوات الأمن في فتح الطرق التي أغلقت على مدى أشهر من الاعتصامات والاحتجاجات، وطالب بعودة الحياة اليومية إلى طبيعتها، بعد تكليف “علاوي”.
وبعد أن طالب “مقتدى الصدر”، الأحد، أنصاره بالتعاون مع قوات الأمن العراقية لإعادة فتح المدارس والشوارع التي أغلقها المحتجون على تكليف “محمد توفيق علاوي”، رئيسًا للوزراء في البلاد، نفذ “أصحاب القبعات الزرقاء”، الإثنين، ما طلبه زعيمهم، وانتشروا بين المتظاهرين في “ساحة التحرير” وسط العاصمة، “بغداد” وأعتدوا عليهم.
إلا أن المتظاهرين عادوا ورددوا هتافات مناوئة لـ”الصدر”؛ بعد موقفه الأخير الذي قال فيه إن رئيس الحكومة المكلف، “محمد علاوي”، متوافق عليه من الشعب، وأشار المتظاهرون إلى أن “الصدر” ينوي إختلاق المشاكل لأن الشعب العراقي لم يختر “علاوي” رئيسًا للحكومة، بحسب تعبيرهم.
إلى ذلك؛ أفادت مصادر أن المتظاهرين حملوا العصي لحماية أنفسهم من “القبعات الزرق” في عدة مناطق، الإثنين. كما عمد بعضهم إلى إرتداء “قبعات حمراء” ردًا على مرتدي “القبعات الزرقاء”.
هل تصمد السخرية من “الصدر” أمام هراوات قبعاته الزرقاء ؟
قبل التظاهرات؛ كان العراقيون مستمرون بالسخرية من الحكومة والبرلمان ورموز العملية السياسية.
بعدها، بدأ المتظاهرون يسخرون من “قوات مكافحة الشغب”، التي يتهمونها بقتل وإصابة آلاف منهم، ثم تحولت بوصلة السخرية بإتجاه الميليشيات، التي هاجمت ساحات التظاهرات بشكل علني في الإعلام، ومستتر نسبيًا ميدانيًا وبالأسلحة. والآن، يسخر العراقيون من “مقتدى” و”قبعاته الزرق”. وفي عام 2014، وما تلاه، شن العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حملة مكثفة ضد تنظيم (داعش).
السخرية، كانت واحدة من أكبر الأسلحة التي استخدمت للحط من قدر التنظيم الإرهابي الذي كان يركز على بث الرعب من مقاتليه؛ الذين تحولوا إلى مسخرة شيئًا فشيئًا، قبل أن يتحطم الحاجز النفسي ويصبح الجنود الذين فروا من أمام (داعش)، في “الموصل”، إلى مطاردين لعناصر التنظيم في كل مكان من دون خوف.
الآن؛ يقوم العراقيون بشيء مشابه، لكن ليس ضد (داعش) بل ضد من خدعهم لسنوات رافعًا شعارات استقلالية “العراق” عن “إيران” و”أميركا”، وعندما تعرض لاختبار حقيقي لهذه الشعارات سقط “الصدر” ومعه خداعاته.
المتظاهرين بدأوا يوجهون سخريتهم تجاه “القبعات الزرق” كنوع من رد الفعل على “القمع”، الذي تمارسه ميليشيا “القبعات الصدرية” ضد المتظاهرين.
ويقول أحد المشاركين في التظاهرات: “نعرف إننا لو حملنا أسلحة، أو عصيًا أو سكاكين كما يفعلون، لأصبحنا إرهابيين مثلهم، وهذا ما يريدونه، لا يستطيعون النقاش؛ لأن حججهم ضعيفة، ولا يمتلكون أي حق، كما إنهم يعلمون إن أملهم الوحيد هو قمعنا، لكننا لا نزال أقوى منهم”.
ومواقع التواصل الاجتماعي قد تكون مكانًا مناسبًا لهذه المعركة، (معركة السخرية)، حيث تفقد “القبعات” عنصر قوتها الأساس، الهراوات والترويع. فالسخرية سلاح المتظاهرين العُزل في مقابل الهراوة المصممة لجعل الشخص الذي يتلقاها محطم العظام، والسخرية عدوانية ناعمة ويرى أحد المتظاهرين أن: “المصريون استخدموا السخرية بنجاح لإسقاط حكم، حسني مبارك، والعراقيون يستطيعون أن يفعلوا هذا”.
لكن هذا الموضوع قد يكون خطرًا فيما يتعلق بـ”مقتدى الصدر”، المعروف بحساسيته للنقد، وتأثره بما يُكتب أو يُقال عنه.
كما إن الطاعة المفرطة والتفاني الذي يبديه أتباعه، والتقديس الذي يولونه له، تمثل مشاكل إضافية، فبالنسبة لكثير من الصدريين، تُعتبر السخرية من “مقتدى”، أو من أبيه، “محمد صادق الصدر”، محرمات دينية كبرى.
هذا الموضوع تغير الآن؛ وربما هذا من أهم ثمار هذه الثورة، “أصبحنا نسخر من شخصيات كانت تعتبر مقدسة، ومن يسخر منها مهدد بالقتل، وهذا أهم نصر للحريات في تاريخ العراق، والثورة هي صاحبة الفضل بذلك”.
الصراع على “المطعم التركي”.. لماذا ؟
ونظم متظاهرون مسيرة أمام بناية “المطعم التركي”، التي أستولى عليها عناصر “القبعات الزرق”، ففي معركة الرمزية، يحتل “المطعم التركي” مكانة عالية، فهو منصة المعتصمين الأولى، ومكان قراءة بياناتهم، ورمز للانتصار على السلطة التي حاولت أخذه منهم عدة مرات، ولم تنجح.
وتُسيطر “القبعات الزرقاء” على هذا الرمز الآن، لكنه أصبح الآن يرمز أيضًا لـ”الثورة” المسروقة، التي يجب استعادتها.
“قبعات حمراء” تواجه “القبعات الزرقاء” !
وفي “النجف”، أيضًا، إندسّ أنصار “الصدر” بين المحتجين وهددوهم بالسلاح، حيث تم إطلاق الرصاص الحي في المنطقة. وإندلعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين.
بدورها؛ دعت مديرية شرطة محافظة “النجف”، المتظاهرين السلميين، إلى الإلتزام بالأماكن المخصصة للتظاهر بالمحافظة، داعية المتظاهرين إلى عدم الخروج من ساحة التظاهرات المركزية في المحافظة “حفاظًا على سلامتهم”، بحسب البيان الذي أصدرته حول الوضع.
وفي “جامعة البصرة”، جنوب البلاد، أطلق الطلاب هتافات أخرى منددة بتكليف “علاوي”.
إلى ذلك؛ حاول محتجون إغلاق مديرية التربية ونقابة المعلمين في مدينة “الديوانية”، (جنوبًا).
أما في مدينة “الحلّة”، مركز محافظة “بابل”، فقد طرد المتظاهرون، أنصار “الصدر”، (أصحاب القبعات الزرقاء)، واستعادوا السيطرة على ساحة الاعتصام. وقال محتجون إن شخصين على الأقل تعرضوا لرصاص حي بعد اشتباكات مع عناصر “القبعات الزرقاء”. وأرسلت قيادة شرطة “بابل” قوة إضافية لساحة التظاهر بعد طرد “القبعات الزرقاء”.
كما طرد متظاهرو ساحة الحبوبي في مدينة “الناصرية”، جنوب البلاد، أنصار “الصدر”، بعد تمزيقهم لافتة تحتج على تكليف “محمد توفيق علاوي” برئاسة الحكومة.
ونشر ناشطون مقاطع فيديو توضح مشادات كادت تتحول إلى اشتباك بين المتظاهرين و”القبعات الزرقاء” في “الناصرية”. وأكد المحتجون استمرار اعتصاماتهم ورفضهم محاولات إجبارهم على العودة إلى الدوام.
يُذكر أن أفراد “القبعات الزرقاء” هم أنصار لـ (التيار الصدري)؛ يتبعون لـ (سرايا السلام)، وهي الجناح العسكري التابع لزعيم التيار، “مقتدى الصدر”، الذي رحب بتكليف “علاوي” واعتبره: “خطوة جيدة”، ما أثار ضده موجة سخط واسعة.
وقال في تغريدة نشرها على حسابه في (تويتر): إن “الثورة يجب أن تعود إلى إنضباطها وسلميتها”، وذلك لكي “ينعم الجميع بحياتهم اليومية”، بحسب تعبيره.
في المقابل، اعتبر المحتجون رسالة “الصدر”، ودعمه لـ”علاوي”، “خيانة”، وهتفوا في “ساحة الطيران”، وسط “بغداد”: “مرفوض بأمر الشعب لا تغرد إنت بكيفك”، وأخرى: “ثورة شبابية ما حد قادها”.
يُشار إلى أن “العراق” يعيش، منذ الأول من تشرين أول/أكتوبر 2019، احتجاجات مطلبية تدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة وتسمية رئيس وزراء مستقل ومحاربة الفساد وملاحقة المسؤولين عن إراقة دماء المتظاهرين.
كما يشهد مظاهرات حاشدة في مختلف الميادين؛ منذ الإعلان عن تولية “علاوي” رئاسة الحكومة.
إلى ذلك؛ ذكرت “مفوضية حقوق الإنسان” في “العراق”، أن حصيلة ضحايا أحداث التظاهرات العراقية، منذ إنطلاقها في الأول من تشرين أول/أكتوبر الماضي، بلغت 556 شخصًا.