هذه الرؤية السياسية هي عبارة عن مقتبسات وإضاءات ومقابلات وتصريحات للرئيس مسعود بارزاني حول الوضع العراقي من بعد الإطاحة بنظام حزب البعث العربي الاشتراكي في 2003 وإلى سنة 2019 بعد تقديم استقالة رئيس الوزراء العراقي الدكتور عادل عبدالمهدي …
بعد سقوط الدكتاتور في سنة 2003 بادرنا باختيارنا ورغبة منا بالمشاركة الفعّالة في رسم ملامح العراق الجديد بالتخلي عمّا كنّا فيه من ( شبه استقلال ) والانخراط في العملية السياسية والمشاركة في صياغة مفاهيمها وهيكلتها وقبلنا بالتسويات والحلول الوسطية ثقة منا بشركائنا الذين تقاسمنا معهم ويلات النظام السابق وكتبنا الدستور معًا وتم الاستفتاء على الدستور من قبل الشعب وكل هذا نابع من حسن مقصدنا من الناحية الوطنية وحرصنا على إنجاح العملية السياسية وتكريس النظام الديمقراطي الاتحادي الفيدرالي وبناء دولة مؤسسات مدنية وأكدنا دومًا على العيش المشترك في العراق الجديد في دولة يحترم فيها جميع القوميات والديانات والمكونات والابتعاد عن التفرّد بالسلطة وتحريفها عن مسارها الديمقراطي وإعادة البلد إلى التسلط والاستبداد والدكتاتورية وقلت في حينها للرئيس الأمريكي باراك أوباما :
سيبقى العراق موحدًا إذا بقي صاحب دستوره الحالي أما إذا تحوّل العراق إلى دولة دكتاتورية عندئذ لا يمكننا العيش مع الدكتاتورية .
إن المشهد السياسي العراقي مقلق جدًا بسبب عدم الالتزام بالدستور وتنفيذ بنوده فلو طبق الدستور لتجاوزنا الأزمة التي نمر بها .
وقد ساهمنا في صياغة الدستور ووافقنا عليه ومشاركتنا في الحكم كانت بسبب المادة 140 لذلك نحن نصرُّ على تطبيق الدستور والمادة 140 التي لم تحل إلى الآن وما لم تُحل هذه المادة الدستورية ستبقى هناك عقدة كبيرة ولسنا ضد التعديلات الدستورية التي من شأنها أن تنهض بقيمة الدستور وإصلاح الخلل فيه فهذا الأمر مرحب به من قبلنا أما أن تخرج أصوات تنادي بإلغاء الفيدرالية وإلغاء الصلاحيات التي منحت لإقليم كوردستان فإن هذا الأمر مستحيل وغير ممكن أن نقبل به لأن هذا الأمر انقلاب على الدستور الذي صوّت عليه من قبل الشعب .
والدستور حدد هوية العراق وشكل الحكومة العراقية فالحكومة العراقية هي حكومة فيدرالية والعراق بلد فدرالي متعدد القوميات والديانات والمذاهب وقد عشنا تجربة نظام الحزب الواحد والطائفة الواحدة والشخص الواحد فأصبح البلد مدمرًا نتيجة هذه السياسية وهذه العقلية ولهذا السبب ناضلنا بقوة من أجل عراق يحكمه القانون .
إننا لن نسمح لكل من يحاول عرقلة العملية السياسية بل يجب أن نواصل ببناء جسور الثقة بين مجتمعاتنا من خلال تعزيز مؤسساتنا والالتزام بسيادة القانون وينبغي أن نوضح للأقليات والمستضعفين ونطمنئهم ونشعرهم أنهم في أمان بمجتمعنا ولن يقتصر عملنا على حماية حقوقهم فحسب بل سنجد لهم فرص الازدهار .
ومنذ عام 1991 سلك إقليم كوردستان الطريق نحو الديمقراطية ولن يتراجع شعبنا عنه وليس بمقدورنا تقديم تنازلات تتعلق بطبيعة الدولة فشكل الدولة يمثل الخط الأحمر بالنسبة لنا .
ويجب أن يدرك الجميع أن قضيتنا لا تدخل ضمن كوننا الأقلية أو الأكثرية في البرلمان العراقي بل نحن الكورد القومية الثانية في العراق الذي يتكون من قوميتين رئيسيتين .
وليست لدينا مشكلة مع أية شخصية سياسية إلا إذا لم يلتزم بالدستور وتطبيق بنوده فأن عدم تطبيق الدستور سيجر البلد إلى الكوارث .
وبدأت المشكلات تبدأ من الانفراد بالقرارات ولاسيما في إعادة بناء الجيش فهناك تفرد واضح وتهميش وإقصاء للآخرين في حين أن الدستور ينص على الجيش هو ملك للشعب العراقي .
وليعلم الجميع أنه ليس هناك أي عقد كوردستاني أبرم مع الشركات النفطية خلافًا للدستور أو القانون ولكن تكمن المشكلة والمصيبة العظمى في أن هناك أطرافًا غير راغبين في تطوير إقليم كوردستان ومنذ اليوم أننا لسنا جزءًا من المشكلة بل جزء من الحل وسافرنا مع سيادة جلال طالباني إلى بغداد وأبلغنا الإخوان هناك أن تجربتنا هي في متناول أيديكم ونحن مستعدون لمساعدتكم غير أنهم اختاروا بدلًا عن ذلك صيغة أخرى وها هو وضع العراق الذي ترونه الآن !
لقد حان الوقت الذي نقول فيه كفى لأن العراق يتجه نحو الهاوية وأن فئة قليلة على وشك جر العراق باتجاه الدكتاتورية وعلى جميع الأطراف السياسية أن يجلسوا معًا وتدراك الوضع وإيجاد حلول سريعة وإلا سنلجأ إلى شعبنا وآنذاك سيتخذ شعبنا قراره النهائي وهذا كي لا تلقوا علينا باللائمة بعد الآن .
لقد شرحتُ وجهة نظري ومخاوفي بشأن مستقبل العراق للرئيس باراك أوباما من أن العراق يسير باتجاه التفرد بالسلطة والدكتاتورية وكان هناك حديث بين ضباط وقادة من الجيش العراقي حول طائرات F16 لتسهل مهمتهم بمهاجمة الكورد فعلق المالكي على كلام أحد الضباط انتظروا فقط حتى نستلم طائرات F16 من أمريكا وسترون ما سأفعل !
لقد كنا نعتقد بأن هذه الثقافة قد انتهت وأننا إخوة في إعادة بناء العراق الجديد ولكن لازالت هذه العقلية باقية ولا فرق بين طائرات F16 وميغ 23 و 25 وميراج F1 وسوخوي 24 كلها سواسية وكلها تقال وتدمر ولكننا لن نركع !
عندما حصلت مشكلة خانقين في سنة 2008وقام المالكي بتحريك قوات عسكرية ضد الپيشمرگة غسلتُ يدي من المالكي في حينها.
وبحسب الدستور لا يجوز إقحام الجيش العراقي في القضايا السياسية الداخلية .
فتولد شعور عند المالكي بأنه سيقوم بتعيين مدير آسايش ( الأمن ) العامة في أربيل وعدم احترام صلاحيات إقليم كوردستان وعلمتُ من 2008 بخطورة عقلية المالكي !
وقد جرى خرق القوانين فيما يتعلق بالجيش العراقي وتعيين القادة العسكريين يجب أن يكون عن طريق البرلمان وكل هذا لم يحدث والنتيجة الحالية أن الجيش العراقي من الناحية الدستورية غير قانوني .
وفي سنة 2013 خرجت مظاهرات بسبب إهمال الخدمات للمواطنين وإقصاء الشركاء وعدم تطبيق الدستور ونحن مع مطالب المتظاهرين المشروعة التي تتوافق مع الدستور .
إن إقليم كوردستان لن يقبل إطلاقًا بأية محاولة لإخراج العملية السياسية عن مسارها الديمقراطي وأننا لن نكون طرفًا في أي صراع طائفي والحكومة الاتحادية لم تنجح في تقديم الخدمات الرئيسية وإقامة علاقات متوازنة مع الدول المجاورة ولم يصبح الجيش العراقي جيشًا وطنيًا يمثل كل المكونات بسبب سياسة الحكومة العراقية وإذا استمر الوضع بهذا الشكل فأن العراق ذاهب إلى الهاوية !
لأن تحسين الوضع في العراق مرتبط بتنفيذ المبادىء الثلاثة ( الشراكة والتوازن والتوافق )
وبعد سقوط نظام صدام حسين حاولنا نقل تجربة إقليم كوردستان إلى بقية مناطق العراق ودعونا إلى اعتماد ثقافة التعايش والتسامح واستخلاص العبر من الماضي وللأسف فأن هذا لم يحصل فقد لجأ كثيرون إلى ثقافة الانتقام وهذا سبّب تفكك العراق .
هناك حالة عارمة من عدم الاستقرار فالإرهاب مستشري في كثير من المناطق وهناك مناطق خارج سيطرة الحكومة والإرهابيون يمارسون نشاطهم بشكل علني والعملية السياسية ما بعد صدام توشك أن تفشل وهناك صعوبة التفاهم ما بين المكونات العراقية وعدم قبول الآخر وعدم القناعة بالنظام الديمقراطي ولا تزال ثقافة الحكم الشمولي هي الثقافة السائدة .
لن نركع ولن نخضع لن نسمح لأحد بكسر هيبة إقليم كوردستان أو شوكته والمس بكرامة سكانه ولن نكون تابعين شركاء أهلًا وسهلًا إخوان أهلًا وسهلًا حلفاء أهلًا وسهلًا …
حاولنا إيجاد حلول جذرية للمشكلات وقدمنا مقترحات عديدة إلا أنهم كانوا إما ضد تلك المحاولات أو أنهم أهملوها ولذلك فهم وحدهم يتحملون المسؤولية المباشرة عمّا آلت إليه الأوضاع وما حل بالعراق .
كنا مع الشيعة دومًا عندما ظلموا وبعد 2003 وقفنا ضد تهميش السنة انطلاقًا من أخلاقنا الكوردية عبر التاريخ التي تجعلنا مع المظلومين أبدًا .
والنغمة النشاز ( الانفصال وتقسيم العراق ) التي استعملتها الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة وهي نغمة موجودة لدى كل طاغية متغطرس وحاكم فاسد من أجل دغدغة الأوساط العربية في العراق وخارجه في إفساد البيئة الوطنية المشتركة وتصديع الثوابت المشتركة .
لم نتردد يومًا في مختلف مراحل الكفاح المشترك مع سائر القوى الوطنية العراقية ضد الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة في التأكيد على حق تقرير المصير !
حاول المالكي تأسيس سلطة فردية تقود إلى الدكتاتورية من نمط جديد وهو من قام بتهميش الآخرين وإقصائهم واضطهادهم وإصراره على إلغاء الدستور وإنكاره للحقوق الدستورية في استعادة المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان .
إن التطورات غير المسبوقة التي حدثت في 2014 التي أدت إلى سقوط نينوى وصلاح الدين وديالى وأطراف من كركوك لم تكن مقدمتها خافية على بغداد وقد بادرنا بوقت من مبكر ما يجري في الموصل إذا قوبلت تحذيراتنا بالاستخفاف وربما بالتشكيك في نيتنا من التحذير !
إننا نتساءل أليس من فرّق العراق إلى سنة وشيعة هو مَنْ قسّم العراق فعليًا ؟
أليس تكريس النزاعات الطائفية هو مَنْ صمّم على تمزيق نسيج المجتمع العراقي ؟!
إن تهديد مستقبل العراق والعراقيين هي مسوؤولية يتحملها من يصرّون على تمزيق نسيج المجتمع العراقي !
النظام الفيدرالي فشل في العراق والآن على الشعب أن يقرّر هل أنهم مع الكونفدرالية أو لا وبكل تأكيد لا نرضى بهذه الفيدرالية ولايمكن أن نبقى بهذا الحال إلى الأبد.
إن سياسة إنكار وجود وحقوق الشعوب والقوميات هي سياسة عفى عليها الزمن وليس لها أية قيمة .
وبعد هذه المشكلات شهدنا حكم شخص وصل لكرسي الحكم بدعم من الكورد في بغداد وللأسف لم يكن وفيًا لدور ودعم وتأييد الكورد له بل كان سببًا في قطع رواتب ومستحقات إقليم كوردستان المالية وكان بانتظار طائرات الـ F16 ليهاجم بها إقليم كوردستان !
إن قرار الاستفتاء جاء لنتيجة التجربة المرة مع الدولة العراقية لأننا جئنا إلى بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين والمشاركة الفعّالة لبناء عراق جديد ولكن العقليات الحاكمة لم تختلف عن بعض في التعامل مع الكورد وأن البقاء مع العراق بهذا الشكل والذي يشكل خطرًا على نسيج المجتمع العراقي وتتقاتل جميع المكونات فيما بينهم ويتسببون في تعميق المشكلات فيما بينهم وقد تجاوزت بغداد بجميع أسس الشراكة ولم تلتزم الحكومة العراقية بالتزاماتها حول تسليح قوات الپيشمرگة كونها جزءًا من المنظومة الدفاعية العراقية !
إن الدولة العراقية مقسمة عمليًا وانتهكت أسس الشراكة والدستور والحرب الطائفية موجودة ولا توجد سيادة للدولة
وقد عمل شركاؤنا في بغداد على إفشال الدستور ووضعوا قانون النفط والغاز على الرف وفشلوا في إقامة دولة المواطنة والشراكة الحقيقية والعراق الحالي وبشكله الفعلي ليس جمهوريًا ولا برلمانيًا ولا ديمقراطيًا بل تحوّل إلى دولة تحكمه حكومة طائفية ومذهبية .
إن كوردستان جربت كل أنماط العلاقات مع بغداد من اللامركزية مرورًا بالحكم الذاتي ووصولًا إلى الفيدرالية وقد فشلت جميع هذه الأشكال من العلاقة حيث إن في بغداد لم تتغير سوى الوجوه مع بقاء العقول المتسلطة على الحكم والذين لا يعترفون بالتعايش السلمي .
ومنذ تكليف الدكتور عادل عبد المهدي بمنصب رئيس الوزراء في سنة 2018 أعلن الرئيس مسعود بارزاني دعمه الكامل لكابينته الوزارية حاول الدكتور عبدالمهدي إعادة العلاقة ما بين بغداد وأربيل بعد فتور أصابها في حكومة حيدر العبادي وترميم تلك العلاقة إلا أن ذلك أغاض بعض الساسة في بغداد وخرجت مظاهرات مطالبة بتقديم استقالته على الرغم من بقائه في المنصب ما يقرب من سنة فقد استلم تركة ثقيلة من الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة وانعدام الخدمات وفرص التعيين وانعدام البنى التحتية وتعطيل كثير من بنود الدستور .
فخرجت مظاهرات في بغداد وبعض المحافظات الجنوبية تطالب بحقوقها فأعلن الرئيس مسعود بارزاني أيضًا وقوفه مع المتظاهرين السليميين وتنفيذ مطالبهم المشروعة مع الحفاظ على ممتلكات الدولة .
وقد حذر الرئيس مسعود بارزاني منذ 2010 تفاقم الأوضاع السياسية في العراق وأن البلد يتوجه نحو الهاوية .
والبارزاني هو أول من تنبأ بخطورة الوضع العراقي .