خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة جديدة من سلسلة تحركات “إسرائيل” بإتجاه تطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، المنتهية ولايته، “بنيامين نتانياهو”، مساء أمس الأول الإثنين، عبر (تويتر)، إنه التقى برئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، “عبدالفتاح برهان”.
وقال “نتانياهو”، عبر حسابه الرسمي في (تويتر)؛ إنه اتفق مع “برهان” على “إطلاق تعاون سيؤدي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين”.
من جهتها، أعلنت الحكومة السودانية أنه لم يتم إخطارها أو التشاور معها بشأن لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي، “عبدالفتاح البرهان”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته، “بنيامين نتانياهو”، أمس الأول، في “أوغندا”.
وأثار هذا اللقاء سجالًا كبيرًا في “السودان”، وعاد معارضون سودانيون للتذكير بخطورة منح مسؤولي الجيش في البلاد صلاحيات دبلوماسية، حسب موقع قناة (الحرة) الأميركية.
فيما قال “فيصل محمد صالح”، وزير الإعلام السوداني، المتحدث باسم الحكومة، في بيان مقتضب: “تلقينا عبر وسائل الإعلام خبر لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي مع نتانياهو”.
مضيفًا “صالح” أنه: “لم يتم إخطارنا أو التشاور معنا في مجلس الوزراء بشأن هذا اللقاء، وسننتظر التوضيحات بعد عودة رئيس مجلس السيادة”.
ترحيب أميركي بالتطبيع “الإسرائيلي-السوداني”..
فيما قالت “وزارة الخارجية” الأميركية إن الوزير، “مايك بومبيو”، شكر رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول “عبدالفتاح البرهان”، على قيادته في سعيه إلى تطبيع علاقات بلاده مع “إسرائيل”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، “مورغان أورجتوس”، في بيان؛ إن “بومبيو” و”البرهان” أكدا، خلال مكالمة هاتفية، رغبتهما المشتركة في تحسين المشاركة الفعالة لـ”السودان” في المنطقة والمجتمع الدولي، وإلتزامهما بالعمل نحو علاقات صحية أقوى بين “الولايات المتحدة” و”السودان”.
تسعى لتكوين دولة ثالثة..
من جهته، استنكر “ساطع حاج”، القيادي في “الحزب الناصري” و”قوى الحرية والتغيير”، ما أقدم عليه “عبدالفتاح البرهان”، رئيس المجلس السيادي السوداني؛ من لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، منفردًا ودون تشاور مع بقية الأجسام التي تُشكل نظام الحكم الجديد في مرحلة ما بعد الثورة، مشيرًا إلى أن ما أقدم عليه “البرهان” يُعد خروجًا على هذا النظام، خاصة وأنه يتعلق بأمر تترتب عليه أشياء في غاية الخطورة على مستقبل السياسة السودانية والمنطقة.
وأشار “حاج” إلى أن “إسرائيل” ستظل في نظرنا هي اللاعب الأميركي لصالح المشروع الإمبريالي لتفتيت المنطقة العربية ونهب ثرواتها لصالح هذا المشروع، مضيفًا: “أننا في السودان لنا تجارب كثيرة مع إسرائيل، وذلك عندما تم فصل السودان إلى دولتين، في العام 2011، وكانت إسرائيل وراء هذا المشروع وهي تسعى الآن لتكوين دولة ثالثة في غرب السودان”.
يؤدي إلى مزيد من الشرخ..
الخبير في الشأن السوداني، “الرشيد حسب الرسول”، قال أن خطوة “البرهان”، في اللقاء مع “نتانياهو”؛ لن تؤدي إلا إلى مزيد من الشرخ داخل مؤسسات الدولة فيما بينها، وبين المجلس السيادي والرأي العام السوداني – من جهة أخرى.
وشدد الخبير السوداني على أن الإدعاءات بأن تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” ستُخرج “السودان” من عزلته أثبتت فشلها، كما حصل مع “جنوب السودان”، الذي ما زال يعاني من نفس الأزمات التي عايشها في مرحلة ما قبل الإنفصال.
تغريدًا خارج السرب العربي..
وقال نقيب الصحافيين السودانيين، “الصادق الرزيقي”، إن الشعب السوداني سيُسقط دعاة التطبيع مع “إسرائيل” في “السودان”، مشيرًا إلى أن قطاعات سودانية واسعة ترفض بصورة قاطعة اللقاء الذي عقده رئيس مجلس السيادة السوداني، “عبدالفتاح البرهان”، مع رئيس حكومة الاحتلال، “بنيامين نتانياهو”، في “أوغندا”.
وأضاف: “هذا الموقف الجديد من رئيس مجلس السيادة؛ سيَسقط لا محالة لأن الشعب السوداني أجهض من قبل كل الخطوات التي كانت تهدف إلى التطبيع مع إسرائيل”.
وتابع: “واجهت قطاعات واسعة من الشعب السوداني هذه الخطوة بالرفض القاطع؛ وليس فقط بالتنديد، بل كان هناك ردات فعل قوية وواضحة”.
وأوضح أن العديد من البيانات صدرت عن الأحزاب والكيانات السياسية والقوى الشعبية وعدد من الاتحادات والنقابات رفضًا لهذه الخطوة “التي تُمثل شطبًا للموقف التاريخي السوداني من القضية الفلسطينية؛ ولوقوف جميع السودانيين معها”.
وقال “الرزيقي”، إن: “هذه الخطوة تُعتبر تغريدًا خارج السرب العربي”، موضحًا الموقف العربي الراهن الذي صدر عن اجتماع “وزراء الخارجية العرب” الأخير في العاصمة المصرية، “القاهرة”، كان موحدًا في رفض “صفقة القرن” والإتجاه إلى التطبيع مع دولة الاحتلال بهذه الطريقة.
وأضاف: “هذا الموقف لا يشبه الشعب السوداني وتاريخه، وهو بيع للقضية الفلسطينية وخيانة للشعب السوداني، الذي ظل ثابتًا وراسخًا في موقفه من القضية الفلسطينية ومدافعًا عنها”.
ولفت إلى أن السودانيين رووا تراب “فلسطين” بدمائهم في كل الحروب التي دارت مع دولة الاحتلال، مشيرًا إلى أن موقف رئيس مجلس السيادة يُجرّد “السودان” من أهم ما لديه من مباديء ومواقف تاريخية مناصرة للشعب الفلسطيني؛ ليصبح مجرد فرد في قطيع التطبيع السائر خلف “صفقة القرن” والإرادة الأميركية والصهيونية.
دفعة قوية لتوسيع حضورها الخارجي..
ويأتي اختيار “بدء تعاون” مع “السودان” في وقت مهم جدًا بالنسبة لـ”إسرائيل”. إذ لا تزال الحكومة الإسرائيلية منتشية بتقديم حليفها الأميركي لما يُعرف بـ”صفقة القرن” ودفاعه المستميت عنها، فضلًا عن أن التقارب “الإسرائيلي-العربي” أخذ دفعة جديدة بعد الزيارة التي قام بها “نتانياهو” إلى العاصمة العُمانية، “مسقط”، وتُعدّد التقارير التي تُشير إلى تنسيق “إسرائيلي-عربي” في ملفات متعددة، وأخيرًا الاختراق الذي نجحت فيه “إسرائيل” داخل القارة الإفريقية وتقويتها لعلاقاتها مع عدة دول هناك، ومن ذلك تطلعها لأن تفتتح “أوغندا” سفارة لها في “القدس”.
ويبقى “السودان” ذا أهمية إستراتيجية بالغة لـ”إسرائيل”، فهو يقع في منطقة لها علاقات مع الأخيرة، سواء جارته الشمالية، “مصر”، أو دول أخرى جارة في الجنوب، كـ”جنوب السودان وأوغندا وإريتريا”. ومن شأن إدخال “السودان” إلى “مجموعة الشركاء” أن يعطي لـ”إسرائيل” دفعة قوية في توسيع حضورها الخارجي، فضلاً عن منافع اقتصادية كبيرة، منها مزاحمة قوى إقليمية، كـ”تركيا والسعودية”، تتسابق لكسب النفوذ في “السودان”.
قطع روابط السودان مع الجبهات المعادية..
ومن أكبر المنافع الإستراتيجية، حسب تحليل نُشر في صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية، هو قطع الروابط التي تجمع “السودان” مع جبهات معادية لـ”إسرائيل”، وبالتالي تخسر القوى التي شنت الحرب على الغرب، خلال العقدين الآخيرين، واحدة من أهم قواعد عملياتها، خاصة أن “الخرطوم”، حسب التحليل ذاته، كانت لها روابط مع أسوأ الأزمات التي واجهت “إسرائيل” والغرب، ومن ذلك إحتضان مقاتلين لتنظيمات إسلامية.
وحسب “أوجيني كونتوروفيش”، أستاذ القانون الدولي في جامعة “جورج ماسون” الأميركية، فإن “السودان” تحوّل من: “مكان إنطلق العرب منه لرفض إسرائيل، إلى مكان ينطلقون منه للرّد على الرفض”، في إحالة منه إلى تهديدات الرئيس الفلسطيني، “محمود عباس”، بقطع كل العلاقات مع “إسرائيل”.
وفي حديث لـ (DW)؛ يمضي “كونتوروفيش” قائلًا؛ إن الموقف السوداني ذو أهمية؛ خاصة لأنه يأتي بعد تقديم “واشنطن” لرؤيتها الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، وأن كل التوقعات برد فعل عربي قوي ضد الإدارة الأميركية بعد إعلان الصفقة لم تتحقق، بل “صرنا نرى دولًا عربية لا تريد أن تكون رهينة عدمية السلطة الفلسطينية”، حسب قوله.
ويضيف أنه لعل أكبر مصلحة بالنسبة لـ”السودان”، في أيّ تطبيع محتمل مع “إسرائيل”؛ هو رفع اسمه من قائمة الإرهاب، وهو هدف ركض وراءه الرئيس المخلوع، “عمر البشير”، ودخلت إلى جانبه “السعودية”، التي لا تزال تؤكد دعمها لـ”السودان” في هذا الصدد، دون أن تقدم “واشنطن” ضمانات حقيقية لـ”الخرطوم”.
الرفض الشعبي عقبة في وجه إسرائيل..
غير أن ما يقف في وجه “إسرائيل” هو الرفض الشعبي القوي داخل “السودان” لأي تطبيع في العلاقات. وفي هذا الإطار يقول “الطيب العباس”، الأمين العام لنقابة المحامين السودانيين، والقيادي في “قوى إعلان الحرية والتغيير”، إن أيّ اتفاق بين “نتانياهو” و”البرهان”، سواء أكان مخططًا له أو وقع بشكل عرضي، “مرفوض تمامًا بالنسبة للشعب السوداني المتمسك بالقضية الفلسطينية”.
توقعات بثورة ضد “البرهان”..
ويضيف “العباس”، في حديث هاتفي لـ (DW) عربية؛ أن الوثيقة الدستورية لا تمنح الحق لمجلس السيادة في توقيع مثل هذه الاتفاقيات، وإذا ما تأكد التوقيع فعلًا، فـ”سيشهد السودان ثورة عارمة ضد البرهان”. ويتهم القيادي في “قوى إعلان الحرية والتغيير”، “إسرائيل”، بأنها: “ساهمت في عدم استقرار البلاد، خاصة تدخلها في مناطق الحروب، ودورها الكبير في إنفصال جنوب السودان”.
وعانى “السودان” اقتصاديًا لأسباب متعددة؛ منها “العقوبات الأميركية” التي منعت عليه الإقتراض الدولي وصعبت على المستثمرين التوجه إليها، (رُفعت العقوبات في نهاية 2017)، فهي واحدة من أفقر 20 دولة في العالم، ورغم كل الأموال العربية التي دُست في الخزائن السودانية، إلّا أن واقع الحال لم يتغير كثيرًا، لذلك قد يكون التطبيع مفتاحًا. لكن “العباس” يرد على ذلك؛ بأن استمرار العقوبات لا يهدف سوى إلى الضغط على “السودان” وكسر شوكة السودانيين، غير أن الاستجابة لن تأتي لأن الموقف السوداني تجاه رفض “إسرائيل” ثابت، حسب رأيه.
بيدَ أن “إسرائيل” تملك ورقة ضغط أخرى، فالجالية اليهودية من أصول سودانية، داخل “إسرائيل”، قد تلعب دورًا في هذا الصدد، وهي التي هاجرت هناك بشكل قوي منذ حرب 1967، وخصوصًا في عهد “جعفر النميري”، الذي فرض الشريعة الإسلامية. ويُعدّ هذا الموضوع من أكثر المواضيع حساسية في “السودان”، خاصة عندما دعا وزير الأوقاف، “نصرالدين مفرح”، في أيلول/سبتمبر 2019، الجالية اليهودية السودانية في “إسرائيل”، إلى العودة، في وقت لا تُخفي فيه هذه الأخيرة أنها تهتم للتطورات في بلدها الأصلي، كما فعلت خلال وقفات نظمتها في “تل أبيب” دعمًا للمتظاهرين في “السودان”.
ولا يُعتبراللقاء الإسرائيلي بـ”برهان”، الأول على الصعيد العربي، إذ سبق أن تحركت “إسرائيل” بإتجاه محاولة تطبيع علاقاتها مع دول عربية لا تملك معها أي اتفاقيات سلام أو علاقات دبلوماسية، وهو ما أكده “نتانياهو” أكثر من مرة.
ونقلت وكالة (الأناضول) التركية، في 23 من تموز/يوليو 2019، تصريحات لـ”نتانياهو”؛ قال فيها إن حكومته تبذل “جهودًا خفية” لتعزيز علاقاتها مع عدد من الدول العربية.
كما أعلن، عبر (تويتر)، عن علاقات مستمرة تجمع الاحتلال الإسرائيلي مع ست دول عربية؛ لم يسمها.
تحسين موقفه الدولي مع أميركا..
من جهتها؛ قالت صحيفة (THE WASHINGTON POST)؛ إن اللقاء في “أوغندا”: “هدفه مساعدة السودان على تحسين موقفه مع الولايات المتحدة الأميركية”. ورفع العقوبات المفروضة عليه وإنهاء العزلة الدولية، بحسب الصحيفة.
وذكرت الصحيفة أن أهداف “إسرائيل” من تطبيع علاقاتها مع “السودان” تشمل عدة ملفات، أهمها إعادة أكثر من ثمانية آلاف طالب لجوء سوداني في “إسرائيل”، بالإضافة للحصول على موافقة التحليق فوق الأجواء السودانية، وهو ما يعني تقصير مدة الرحلات بإتجاه “أميركا الجنوبية” بشكل كبير.
وأضافت الصحيفة؛ أن اللقاء الذي جمع بين الطرفين كان بتنظيم ودعوة إماراتية، بحسب ما نقلت عن مسؤول عسكري سوداني، تحفظت على ذكر اسمه، كما أن “مصر والسعودية” كانتا على علم مسبقًا بالاجتماع.
تحركات إسرائيلية تستهدف الدول العربية..
وشهدت نهاية العام الماضي، 2019، محاولات إسرائيلية لتوقيع معاهدة “عدم إعتداء” مع أربع دول عربية، هي: “المغرب والإمارات وسلطنة عُمان والبحرين”.
وقالت صحيفة (القدس العربي)، في 5 من كانون أول/ديسمبر 2019، إن “إسرائيل” حاولت توقيع المعاهدة بوساطة أميركية، وربطت بين الاتفاقية واتهامات الفساد التي يواجهها “نتانياهو”.
وفي 26 من تشرين ثان/نوفمبر من 2018، زار “نتانياهو”، “سلطنة عُمان”، بشكل مفاجيء، والتقى السلطان الراحل، “قابوس بن سعيد”، وأعلن “نتانياهو”، بعدها؛ عن موافقة السلطنة على مرور الطيران الإسرائيلي المدني فوق أجوائها، بحسب ما نقلت قناة (روسيا اليوم)، وأكدته (الأناضول) التركية، نقلًا عن “نتانياهو”.