خاص : ترجمة – محمد بناية :
انتشرت الأخبار مؤخرًا عن تأييد “السفارة السويسرية” تجربة إطلاق الدفعة الأولى من شحنة الأدوية بإتجاه “طهران”. وقد طوت هذه العملية مدة طويلة استغرقت العام الماضي، حين أعلنت “الولايات المتحدة الأميركية” سياسة الضغط إلى أقصى حد ضد النظام الإيراني، وفرضت بموجبها المزيد من العقوبات على “إيران”.
وكانت “أميركا” تتطلع إلى تقليل عوائد النظام، بحيث تكفي بالكاد نفقات الشعب الإيراني دون المزيد من الأموال التي تُستخدم في أغراض أخرى. وهذا يتطلب تقليل العوائد النفطية وتحديد التجارة الخارجية الإيرانية في القنوات الإنسانية.
وهذا في ذاته كان بمثابة وسيلة لإقناع الدول الأوروبية بمشكلة قضايا المساعدات الإنسانية على خلفية العقوبات المفروضة ضد “إيران”. بحسب “سعيد داغينه”؛ الخبير الإيراني في الشأن الدولي، في مقاله التحليلي بصحيفة (الوطن اليوم) الإيرانية الأصولية.
سياسات التقييد الأميركية..
وقد أكدت هذه الدول؛ على ضرورة توفير قنوات مالية لعدد من السلع الخاصة، مثل “الدواء” و”الغذاء”. ونشرت هذه الدول بيانًا، عام 2018، بخصوص القناة المالية الأوروبية، (SPV)، وأكدوا على أن التركيز الرئيس ينصب على الاحتياجات الأساسية للشعب الإيراني. لكن لم تجيزهم “الولايات المتحدة” توريد هذه السلع، وكان هذا الأمر واضح جدًا في آلية (إينستكس).
واستمرت هذه القيود حتى تشرين أول/أكتوبر 2019، حيث أعلنت “وزارة الخزانة الأميركية” دعمها، إحدى القنوات المالية للمعاملات الإنسانية. وقد كان يعتقد الأميركيون بالأساس، أن “إيران” سوف تسيء استغلال هذه القنوات؛ واتهمت بلادنا بتوفير الدعم المالي للإرهاب.
وكانت الذريعة الأميركية أنهم لا يعلمون ماهية الطرف الإيراني المفيد بعد إنتهاء هذه المعاملات. ولذلك تم الإعلان عن الحاجة لإقرار شفافية تجارية غير مسبوقة. حتى أنهم تعرضوا للحديث عن، (FATF)، وأنه لا توجد رقابة على المكاسب النهائية للتجارة مع “إيران”، وأن السلطة الإيرانية لن تسمح بتمرير مخططاتهم.
بينما القناة الحالية تنطوي على معاملات قانونية واضحة بالنسبة لـ”الولايات المتحدة”، ذلك أن الطرف المُصدر مكلف بتقديم كل المعلومات المفيدة. على سبيل المثال: لابد أن تفحص البنوك الأميركية سوابق الأطراف المُصدرة، خلال السنوات الخمس الماضية، شريطة ألا يكون لأي من الأطراف سوابق مع أفراد تخضع لـ”العقوبات الأميركية”.
الاقتصاد الأبيض والأسود..
والمتوقع لاستيراد هذه الأصناف الإنسانية؛ الاستفادة من المصادر الإيرانية المجمدة في البنوك الأجنبية. وهذا يعني تدفق كل المصادر الإيرانية المجمدة حول العالم على هذه القناة. بعبارة أخرى ربط كل التجارة الإيرانية الخارجية بقناة المساعدات الإنسانية.
وهذا بالضبط ما حدث مع “العراق”، في التسعينيات. وفي نموذج القناة المالية الإنسانية، تستطيع الشركات الإيرانية العاملة، من وجهة النظر الأميركية، في القطاع الاقتصادي الإيراني الأبيض استيراد السلع المطلوبة. وهذا يعني أن نقسم اقتصادنا بالنسبة لـ”أميركا” إلى “أبيض” و”أسود”.
وللدول الغربية كذلك؛ تحليل جميل إذ يقولون: يجب إنفاق العوائد الاقتصادية الإيرانية على الشعب، لكن لعبة تركيب الصور هذه لا توضح مطلقًا ما إذا كان سيتم القضاء تمامًا على صناعات النسيج، والسيارات، والبناء، والكيماويات وغيرها، أم سوف تندرج تحت القائمة السوداء، بحيث لن نواجه مشكلة في توفير الغذاء والدواء طالما يريدون.
هذا يعني أنهم يعترفون فقط بحياة الشعب الإيراني. فإذا أبتُليت الحكومة الإيرانية بهذه الآلية مدة طويلة، فإن النتيجة سوف تكون المزيد من الضغوط الاقتصادية والعقوبات على “إيران”. لأنهم يريدون بالأساس تغيير منهج الإدارة الاقتصادية الإيرانية وتحويل بلادنا من منتج وفاعل اقتصادي إقليمي إلى مجرد بائع لـ”النفط الخام” مقابل “الغذاء” و”الدواء”.
وهذا ليس الهدف النهائي بالتأكيد؛ وإنما ينصب تركيزهم على “القطاع الصاروخي”. ويمكن لـ”إيران” أن تتخذ رد الفعل بهذا الصدد على مستويين، الأول: إستراتيجي، والثاني: تكنيكي.
يجب على “إيران”، كرد فعل سريع، الفصل في قناتها المالية مع “روسيا” وتحقيق نتائج سريعة، بحيث لا تَضطر إلى الاستفادة من هذه القضايا.
وعلينا كذلك، على المدى الطويل، تفكيك إلتزاماتنا بخصوص الرقابة، وهذا لا يعني انسحاب من “اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي”؛ وهذا يستدعي ضرورة الفصل بين الشيئين. ويجب أن ننتبه أن إمتداد هذا المسار هو نفس مشكلة “النفط مقابل الغذاء”، لأنه كل سلسلة صادراتنا النفطية سوف تخضع للرقابة الأميركية على غرار ما حدث لـ”العراق”.