في خضم الصراعات الحزبية والطائفية والسياسية والمجتمعية المتصاعدة في العراق تغيب عن الساحة مواضيع اجتماعية تثقيفية من قبيل الصحة العامة والمال العام والتبذير والاسراف والبيئة العامة والتوجه العام للشعب ونظراً لكثرة الشكوى الشعبية من قلة الخدمات وانعدامها في بعض المناطق والاحيان ولكي نتصف بالإنصاف في التعامل مع المواضيع الخدمية بصورة عامة وعدم كيل التهم للدولة وتبرئة المواطن كان كلامنا هنا حول ظاهرة تتفشى في مجتمع اللامبالاة واللامسؤولية واللاوعي والاكتفاء بالنحيب والشكوى وعدم اداء الواجب الفردي والمجتمعي الا وهي التبذير او سوء التدبير او بتعبير مخفف عدم التقشف وعدم التوفير وعدم الترشيد! وفي كل شيء :الماء، الكهرباء، النظافة، الانترنت، المال، والاهم من كل هذا الوقت!!
– الماء:
رغم ان هناك مناطق كاملة لا تنعم بنعمة الماء الصافي (الاسالة) والذي لا اجرؤ على وصفه (بصالح للشرب) بل لنقل انه للتنظيف والغسل وامور اخرى وربما للشرب لأناس يعجزون عن شراء ماء ال (RO) اقول رغم كل ذلك هناك من يغسلون سياراتهم، مداخل بيوتهم، الشوارع، بل وحتى رش الشوارع والطرقات لتلطيف الجو بماء الاسالة اضافة الى الانابيب المكسورة التي ترشح وتفيض الماء في الكثير من احيائنا وطرقاتنا والساحات المتروكة ولا ننسى مضخات الماء البيتية والتي اخ المواطنون يتفننون في اقتناء اكثرها (سرقة) للماء من الانابيب حتى سمي بعضها (الحرامي!) والتي تعمل 24 ساعة بلا كلل ولا ملل ولا يوقفها امتلاء الخزانات بل لا تتوقف الا حين تنطفئ الكهرباء او حين تعطل! فهل هذا صحيح؟ وهل فكر الاهالي الكرام بأن الماء المهدور هنا وهناك يضعف الضخ في الشبكة الوطنية ويحرم مواطنين اخرين في امكنة اخرى من هذه النعمة التي يقال انها ستكون اعز من النفط واغلى في قابل الايام خصوصاً في ظل الموت السريري لنهري دجلة والفرات واعتمادهما الكلي او شبه الكلي على الخزين في البحيرات العراقية وبعض الامطار هنا وهناك؟ علماً ان للأمر جانباً دينياً يتلخص في حرمة تبذير الماء حتى في الوضوء والغسل فكيف ببقية الموارد الاخرى!
– الكهرباء:
الكهرباء من جانب اخر تعاني من عدم تناسب كمية الاستهلاك مع كمية الانتاج ورغم ان الكهرباء من حق كل انسان ومن حق المواطن على الدولة ان توفر له ما هو حقه الا ان الظروف تحكم ورغم الفساد في صفقات انشاء المحطات وغيرها مما نسمع عنه ونرى وثائقه على الفضائيات والمواقع الإلكترونية بين فترة واخرى، اقول رغم كل هذا لم لا نكون نحن من يبادر الى الترشيد (الذي هو واجب وقت الازمات والظروف الخاصة) ثم نطالب بالحقوق وهي الكهرباء المستمرة؟ الانوار المشتعلة 24 ساعة واجهزة التكييف التي يشكوا اصحابها انها تسبب الزكام والرشح لهم لشدة برودتها ومع ذلك لا يطفئونها! فهي في كل غرفة بل وحتى في الصالات والممرات! والسحب غير المدروس للكهرباء والتجاوزات التي لا تنتهي على الشبكة الوطنية وبلا اذن رسمي كلها عوامل ادت الى تردي الوضع فنحن لا ننكر تقصير الدولة وتقاعسها عن واجبها ولكن في الوقت الذي يشغل فيه احد المواطنين مبردة لتبريد طيور الحمام او اقفاص الحيوانات في بيته او يترك الانوار والاجهزة الكهربائية مشتعلة في بيته او دائرته بعد مغادرته لها يجب ان يدرك ان هناك بشراً (شيخاً او عجوزاً او طفلاً ) يتلوى من الحر وليس من الانسانية ان القي باللوم كله على الدولة وارى المحتاجين واغض الطرف وادير راسي للمشكلة واشكوا واتهم فقط وكلنا شاهد او سمع بأكثر مما ذكرت فهل يمكن ان نبدأ الدعوة الى الترشيد وترك التبذير؟
– النظافة:
لا احتاج الاسهاب فنحن ينطبق علينا المثل الشعبي القائل (واحد يبخر و10 يحرقون الفضلات) ولو ساهمنا في نظافة شوارعنا كما ننظف اجسامنا وبيوتنا لأختلف الحال كثيراً وقد قيل ان الشوارع النظيفة لا تحتاج عمال نظافة بل الى شعب مثقف ولا يخفى على احد ان كل من سافر الى خارج العراق شاهد بعينه كيف ينبذ المجتمع ويحتقر كل من يرمي النفايات في الشارع وفي هذا الصدد قد يسأل السائل انه كيف وصلوا الى ذلك ولم نصل؟ والجواب هو ان النظافة سلوك مجتمعي يربي الاب والام اطفالهم عليه منذ الصغر وينشأ معه ونحن ان بدأنا ذلك في الجيل الحالي فحتماً سينتج لدينا مستقبلاً وبعد جيل او جيلين اناس ينبذون القذارة ويشعرون بالمسؤولية الجماعية عن كل النظافة العامة في البلد كله.
-الانترنت:
خدمة رائدة وضرورة متزايدة في حياتنا وفوائد لا تعد ولا تحصى مادية ومعنوية من تواصل وتراسل واعمال تجارية واقتصادية وترفيهية فهو عصب كل عمل من اعمال الحياة المدنية العصرية ولكن هل استخدمناه هكذا ولهذه الاغراض؟ قطعاً الجواب كلا والكل يعرف ان اغلب اوقات مستخدمينا تنقضي في تحميل النكات والفيديوهات الغير لائقة والدردشة الفارغة والاحتراب الكلامي بين المختلفين والتعاون على الاثم والعدوان وليس على البر والتقوى (لو جاز لنا استخدام هذا التعبير) وغير ذلك الكثير مما لا يفيد بل يضر فنحن نبذر المال المدفوع لقاء الخدمة والوقت الذي نقضيه مع الانترنت في التصفح الفارغ غير المفيد ونعمة الانترنت على ما لا ينفع بل يضر.
المال:
لا اعتقد ان العراق مر او سيمر بفترة رخاء مالي ووفرة نقدية وقدرة شرائية كالموجودة الان الا ان الوضع هو الوضع واعداد الفقراء تتزايد اكثر من تزايد القصور والعمارات والارصدة فهل فكرنا يوماً لماذا تزداد الهوة بين الفقراء والاغنياء يومياً عندنا؟ هل السبب هو انعدام التكافل الاجتماعي؟ ام شيوع ثقافة الرأسمالية بيننا؟ ام الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة والسماسرة والمقاولين والسياسيين وغيرها؟ ام ان الامر يتجاوز كل هذا الى غياب التخطيط لدى الدولة لكيفية توزيع الثروة بين الناس؟ ربما كل هذه الاسباب وغيرها اسهمت في ايجاد فروقات طبقية كبيرة جداً تكاد ترجعنا الى القرون الوسطى او ايام الاقطاع والمماليك وغيرها من الفترات المظلمة في تاريخ الانسانية!
فرفقاً بأنفسكم يا اصحاب النقود فالحساب من ورائكم عسير وما افتقر فقير الا بمنع الغني حق ماله من صدقة وزكاة وخمس، قال امير المؤمنين (ع) ان الله تعالى قد فرض على الاغنياء في اموالهم بقدر ما يكفي فقرائهم فأن جاعوا او عروا او جهدوا فبمنع الاغنياء اموالهم وحق على الله تعالى ان يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه.
العقل:
امر اخر نهدره بكثرة وهو العقول البشرية التي جعلت الانسان سيد الكائنات وافضل المخلوقات حيث ان شعبنا يتخبط بين تقليد مقيت لكل نزعة جديدة او مستوردة وبين عادات بالية خاوية مخالفة لكل دين وعقل وبين محاولة التشبه بالدولة الفلانية او العلانية لا لجودتها بل لكون منتجاتها الفينة والثقافية تهاجمنا في بيوتنا على مدار الساعة فالله الله في عقولنا والتي هي اثمن جوهرة منحها الله تعالى لعباده فمتى نبدأ بتشغيل هذه النعمة العظمى والاستفادة من نتائج عملها بدل تعطيل العقول والسير وراء الشرق والغرب!!؟؟
واخيراً الوقت:
اكثر شيء نبذره ونهدره ولا نعير له اهتمام هو الوقت رغم انه اغلى ما نملك بل انه الوحيد الذي نملكه ملك عين وليس استئجار او امانة كالمال والاهل والولد والمنصب وبقية ما نظن اننا نملكه بل ونفتخر بامتلاكه فالله الله بالوقت الذي لم ننجح لحد الان بقطعه فقطعنا ارباً ارباً حتى اصبحنا نهباً لكل طامع وخرافاً لكل راعي وتابعين لكل ناعق فالله الله في الوقت فأن لم نبدأ باستغلال الوقت في طاعة الله ومنفعة الناس والاهل وانفسنا والتخطيط لمستقبل بلدنا فلن تبقى لنا بعد مدة قصيرة مبادئ نتفاخر بامتلاكها ولا نفط نعتمد على وارداته ولا جدول زمني وتخطيط مستقبلي للغد.