وفاة صاحبة النظارة السوداء .. “نادية لطفي” فنانة بروح مُحارب !

وفاة صاحبة النظارة السوداء .. “نادية لطفي” فنانة بروح مُحارب !

خاص : كتبت – بوسي محمد :

هي امرأة لا يعرف الإستسلام طريقًا لقلبها، ولا الدموع مكانًا في عينيها، ولا الحزن موطنًا في قلبها، فرفضت التعامل مع آلامها من مبدأ الشكوى والنواح، وإنما من منطلق الابتسامة والدعابة، إنها الفنانة المصرية، “نادية لطفي”، صاحبة الملامح البريئة، والحلوة التي شدا في جمالها العندليب الأسمر، “عبدالحليم حافظ”، أغنيته (الحلوة).

بهدوء لا يعتريه عواصف عاتيه، يتشابه مع طلتها الراقية، ترحل الفنانة القديرة، “نادية لطفي”، عن عالم الأحياء لتكسن عالم الموتي، تاركة ورائها إرثًا فنيًا من الأعمال السينمائية الهامة التي شكلت وجدان وعقول المشاهدين.

آلام ومنغصات..

عانت “بولا محمد شفيق”؛ أو “نادية لطفي”، كما تُلقب سينمائيًا، من آلام المرض المبرحة، فقد مكثت ما يقارب من أكثر من 6 سنوات داخل المستشفى، ولأنها كانت تُدرك خطورة مرضها تيقنت أنها ستمكث فيها كثيرًا، وهو الأمر الذي دفعها لتحويل غرفة رتيبة تحيطها الأجهزة الطبية من كل ناحية، إلى غرفة سعادة تجمع فيها المريضات في المستشفى، يضحكن ويمرحن ويداعبن، فكانت غرفتها بالنسبة لهن النافذة التي يرون من خلالها الحياة.

لم تخشَ “لطفي” الزمن، لأنها مؤمنة بأن لكل مرحلة جمالها الخاص، فلم تزعجها التجاعيد، التي حُفرت على وجهها، وغيرت من شكل ملامحها.

حياة فنية مشحونة سياسيًا..

عاشت الفنانة، “نادية لطفي”، الكثير من الحروب، بداية من العدوان الثلاثي عام 1956؛ وما تلاه من حروب، وخصوصًا حرب تشرين أول/أكتوبر 73، والتي بدورها كانت لها فضل كبير في نضوجها على المستوى الفني والإنساني. فهى ليست مجرد فنانة ذات رصيد ضخم من الإبداع والوهج الفني، الذي يضم عدد من أعظم أفلام السينما المصرية، فعدد كبير من أفلامها تم تصنيفه في “قائمة أعظم 100 فيلم في السينما”؛ ومنها: (المومياء، الناصر صلاح الدين، الخطايا، أبي فوق الشجرة، المستحيل، السمان والخريف..) وغيرها، ولكنها حالة إنسانية ونموذج حياة ونضال ووطنية، فلها مواقف إنسانية مع الجيش لا تُنسى، حيثُ كانت تُنظم زيارات كثيرة للجبهة خلال “حرب الاستنزاف”؛ برفقة عدد كبير من الفنانين والأدباء، مثل المخرج، “فطين عبدالوهاب” و”فؤاد المهندس” و”جورج سيدهم” و”نجيب محفوظ” و”يوسف السباعي” و”يوسف إدريس”، لرفع الروح المعنوية لدى الجنود.

كما كانت الفنانة الكبيرة، “نادية لطفي”، ضمن فريق المتطوعات في أعمال التمريض بـ”مستشفى المعادي العسكري”، خلال حرب تشرين/أكتوبر 73، حتى إنها شاركت في أعمال التنظيف، ومسح أرضية المستشفى التي كانت تُمرض الجرحى بها.

وأعتادت “نادية لطفي” أن تُهزم الخوف عندما اخترقت الحصار الإسرائيلي لـ”بيروت”، عام 1982.

لم تقف مواقفها السياسية عند هذا الحدّ، فالحياة السياسية التي عاشتها طوعتها في حياتها الفنية، لأنها كانت تؤمن بقيمة الفن في المجتمع، فرصيدها الفني يضم فيلمًا وثائقيًا هو (جيوش الشمس)؛ سجلت فيه شهادة الجنود المصابين والجرحى عن الحرب داخل “مستشفى القصر العيني” مع المخرج، “شادي عبدالسلام”. كما أنها تُعتبر الفنانة الوحيدة التي زارت الرئيس الفلسطيني الراحل، “ياسر عرفات”، وتم محاصرتها مع “المقاومة الفلسطينية” في “لبنان” عام 1982، وسجلت المجازر بكاميراتها الخاصة، ونقلتها لمحطات عالمية؛ حتى أن بعض الصحف قالت إن كاميرا “نادية لطفي”، التي نقلت صور ما حدث في “صابرا وشاتيلا”؛ لم تكن كاميرا بل كانت مدفع رشاش في وجه “إسرائيل”.

لم يمنعها المرض من متابعة أحداث بلدها الأخيرة، فكانت تُسجل ملحوظاتها السياسية على كل عصر تعيشه بكل ما فيه من استقامة وإعوجاج.

نشأتها..

ولدت “نادية لطفي”، في 3 كانون ثان/يناير 1937، بحي “عابدين” في “القاهرة”، واسمها الحقيقي “بولا محمد لطفي شفيق”، حصلت على دبلوم المدرسة الألمانية بمصر عام 1955، وأكتشفها المنتج، “رمسيس نجيب”، وقدمها للسينما؛ وهو من اختار لها الاسم الفني، “نادية لطفي”، إقتباسًا من شخصية “فاتن حمامة”، “نادية”، في فيلم (لا أنام)؛ للكاتب “إحسان عبدالقدوس”.

تزوجت في حياتها ثلاث مرات، الأولى كانت عند بلوغها العشرين من عمرها؛ من ابن الجيران الضابط البحري، “عادل البشاري”؛ ووالد ابنها الوحيد، “أحمد”، الذي تخرج من كلية التجارة ويعمل في مجال المصارف، والثانية من المهندس، “إبراهيم صادق شفيق”، وكان هذا في أوائل سبعينيات القرن العشرين؛ ويُعتبر أطول زيجاتها، والثالثة من، “محمد صبري”.

تأسيس سينما المرأة..

لعبت “نادية لطفي” دورًا جوهريًا خلال مسيرتها السينمائية، في تسليط الضوء على القضايا التي تؤرق المرأة، وفتح جرحها كمحاولة لترويض الآلم الذي تعاني منه المرأة المصرية، فقدمت عددًا من الأفلام التي انتصرت فيها للمرأة منها: (عدو المرأة)؛ الذي جسدت فيه دور المرأة التي استطاعت بمفردها أن تنتصر للمرأة وتغير آراء عدوها الشهير، دكتور “عيسى”، (رشدي أباظة)، الذي وصف المرأة بالحشرة في كتاباته، كان انتصارًا للفكرة أن المرأة لا تقل عن الرجل، وغير مقبول أن تكون محل إحتقاره.

ومن الأفلام الهامة التي انتصرت فيها للمرأة، (الخائنة، السمان والخريف، على ورق سوليفان، ثورة البنات، حب ومرح ودموع، بديعة مصابني، الباحثة عن الحب، مذكرات تلميدة) وغيرها من الأفلام الهامة.

وفاتها..

داخل “مستشفى المعادي العسكري”، رحلت عن عالمنا اليوم الفنانة القديرة، “نادية لطفي”، عن عمر ناهز الـ 83 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، تاركة وراءها الكثير من الأعمال الدرامية والسينمائية التي كانت وما زالت تؤثر على أجيال كثيرة.

وكانت الفنانة الراحلة قد أحتفلت بعيد ميلادها الثالث والثمانون، في 3 كانون ثان/يناير الماضي، بصُحبة كوكبة كبيرة من نجوم الفن والإعلام.

ذكريات معها..

وما إن أعلن خبر رحيلها حتى أشتعلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لكثير من الكتاب والسياسيين نعيًا وتأبينًا للفنانة المناضلة الراحلة، ساردة ذكرياتهم معها وعنها.. كتب “سيد البدري”، أحد أبرز أعضاء “لجنة مكافحة التطبيع مع الكيان الصهيوني”، على حسابه الخاص على الـ (فيس بوك): “وداعًا يا بنت بلدي.. كنت منذ أيام أتابع أخبار صحتها، وكيف وهي في عز إشتداد المرض حريصة على راحة من يزورها، لدرجة تكليف الطاقم الذي يرعاها بعمل طعام الغذاء المفضل للأصدقاء من الزوار … كانت نادية لطفي أشد الناس حرصًا على راحة الآخرين، وكانت غير متطلبة ولم تصب يومًا بغرور النجوم. عرفتها في كبرها؛ وكانت صورتها في مراهقتي ملهمة لجيلي وأجيال أخرى سابقة. كانت من أوائل الفنانات على الجبهة وسط حرب أكتوبر، وأنتقلت لتقيم في مستشفى القصر العيني لعلاج جرحى الحرب، شاهدتها في بداية شبابي وطنية مخلصة اخترقت بيروت وسط الحصار الصهيوني ضمن سفينة المناصرة، وظلت مخلصة لوطنها وذات موقف صلب ضد الصهيونية والكيان الغاصب، نشطت في لجان المناصرة للشعبين اللبناني والفلسطيني، وإتخذت موقفًا رائعًا وقت حصار العراق الشقيق، وداعًا يا بنت مصر الوطنية”.

كما نعى الكاتب، “سيد كراوية”، الفنانة الراحلة عبر صفحتة على الـ (فيس بوك)، قائلًا: “نادية لطفي التي أقتربت بالفعل واللمس وغيرت صورة نمطية عن النجمات.. أول مرة أشوفها في حفل توزيع جوائز لنادي السينما؛ هي وسعاد حسني، سعاد حسني التي كان معروفًا عنها الخجل والإضطراب في مواجهة الجمهور، وكُنت أعرف ذلك من قريبين منها، لكن ما رأيته يومها مجرد طفلة مضطربة جدًا وتمسك بملابس أمها، نادية لطفي، التي كانت تسحبها وتطمئنها كأم رءوم، شعرت بها أم في حارة مصرية تهدهد أبنتها. في مهرجان كنا نعده لمناصرة الانتفاضة الفلسطينية في بورسعيد طلبت، فتحية العسال ونادية لطفي، أن أرسل لهن سيارة تحضرهن لبورسعيد، السائق لف بهما على المواقع في حركات مظهرية حمقاء يتباهى بأن معه نادية لطفي، وطبعًا الناس أتلموا (تجمعوا) عليها، وأعتقد أن هذا مجهد لها؛ بالذات لأننا كنا في رمضان، وحينما علمت بذلك وحضروا متأخرين قمت بتعنيف السواق، غمزت لي بعتب، ثم قالت لي بعد خروجه أن الأمر عادي ولم يتعبها وكان لطيف طول الطريق في لغة ودودة. قضينا معًا يومين في منتهى الخفة واللطف، لكن أهم شيء كلامها عن رفعها قضية ضد الدولة تطالب بالإفصاح عن مصير الجنود المختفين من حرب 67، وأخبرتني أنها رفعت القضية ومعها كشوفات بأسماء الجنود الذين أختفوا ولم تُعلن الدولة عن مصيرهم، كان العدد الذي ذكرته ضخمًا، لم أعد أذكر 14 ألف أو 17، رقم من هذا القبيل، كان كلامها في هذا الموضوع مشوبًا بالحماسة والحزن والألم والمسؤولية عن (ولادنا) الذين لا يوجع غيابهم قلب أحد كما قالت.. وداعًا سيدتي.. والسلام الأبدي لروحك النبيلة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة