بين “مافيا المستشارين” وسماسرة الوطن .. كيف تُنهب خيرات العراق ؟

بين “مافيا المستشارين” وسماسرة الوطن .. كيف تُنهب خيرات العراق ؟

خاص : كتبت – هانم التمساح :

“هناك مافيا عميقة لنهب ثروات الشعب، من خلال مستشارين يعملون لمصلحة جهات خارجية تتلاعب بمقدرات العراق، مثل المدعو سالم الجلبي؛ عراب عقود النفط والكهرباء، والذي يتدخل في كل العقود الدولية، وصديقه غسان الأشقر؛ صاحب الشركة الوهمية الكندية، التي أحيل إليها عقد أنبوب النفط العراقي الأردني”.. هذا ما قالته النائبة، “عالية نصيف”، عضو مجلس النواب العراقي.. تلك المعلومات التي تفتح أمامنا ملف تجار الأوطان، الذين نهبوا خيرات “العراق”، منذ الغزو الأميركي 2003، وحتى الآن، ممن تسببوا في إفقار الشعب العراقي وتدميره.

وحذرت “نصيف”، من استمرار ما سمتها: “مافيا المستشارين”، بالتلاعب بمقدرات الشعب العراقي أمام  أنظار الجهات الحكومية، مطالبة الجهات الرقابية بفتح تحقيق على أعلى المستويات في جولة التراخيص الخامسة؛ والجولات التي قبلها وعقود الكهرباء ومحاسبة المتورطين فيها.

من هو “سالم الجلبي”.. عراب عقود النفط ؟

تُشير أصابع الاتهام، التي وجهتها النائبة، “عالية نصيف”، فى مجال عقود “النفط” إلى “سالم الجلبي”، فمن هو ؟.. وبرغم شبهات الفساد التي تحوم حول “سالم الجبلي”، وعمه المتوفي، “أحمد الجبلي”، منذ 2003؛ إلا أن دورهم كمستشارين في “العراق” استمر، ربما مكافأة لهم؛ على دورهم في محاكمة الرئيس الراحل، “صدام حسين”.

ففي 2004؛ كان قاضٍ عراقي قد تسلم التحقيق في ملابسات قتل أحد موظفي “وزارة المالية العراقية” سابق، وأصدر القاضي أمرًا باعتقال “سالم الجلبي”، رئيس محكمة جرائم الحرب العراقية ورئيس المحكمة الخاصة للرئيس العراقي، “صدام حسين”، وتبين أن “سالم الجلبي” قام بتهديد الموظف بالقتل بفترة وجيزة قبل مقتل الموظف. وقد قام “زهير المالكي”، رئيس محكمة “العراق المركزية”، بإصدار أمر اعتقال أيضًا، وقتها، بحق “أحمد الجلبي”، عم “سالم الجلبي”، بتهمة تقديم فواتير مزيفة.

وفي 20 أيار/مايو 2004، أقتحم شرطيون عراقيون المقر الرئيس لـ”المجلس الوطني العراقي”، بـ”بغداد”، وفتشوا بيت “الجلبي” بناءً على طلب من القاضي، “المالكي”. ويقول الشهود أن “هيثم فضيل”، موظف المالية المقتول، قام بإعداد ملف مفصل يفضح الوسائل والطرق التي قامت من خلالها عائلة “الجلبي” و(حزب المجلس الوطني العراقي)؛ بإختلاس البيوت والمزارع ومكاتب النظام السابق، وأضافوا إن “هيثم فضيل” أخبر زوجته وأحد أصدقائه بأنه قد تلقى تهديدات بالقتل من “سالم الجلبي”؛ في حال سلم الملف لـ”قوات التحالف”، بقيادة “الولايات المتحدة”، التي كانت تُشرف على إدارة “العراق”، في ذلك الوقت.

“سالم الجلبي” أو “سام جلبي”؛ كما يطلق عليه المقربون، نفى حينها جميع التهم الموجهة إليه، مضيفًا أنها تهدف إلى إبعاده عن إدارة محاكمة “صدام حسين”.. وفي إطار ما يعتبره حربًا موجهة إلى عمه “أحمد”، الذي يقال إنه بدأ مسيرته بالقيام بعملية خداع بنكي دولي كبيرة؛ خدمة لمصالح الاستخبارات الغربية. ثم لعب يومًا بعد آخر دور الخادم لمصالح وكالة الاستخبارات المركزية، (سي. آي. إي)، وكذا “الموساد” و(البنتاغون). وكان ميدانه هو إبداء الحجج العراقية الضرورية من أجل إظهار الحرب الاستعمارية بمظهر تحرير الشعب. ولكن، بعد كذباته المتكررة على جميع الناس، حول أسلحة الدمار الشامل والعلاقات الموجودة بين “صدام حسين” و”بن لادن”، صار اليوم مستهلكًا ومزعجًا. واستطاعت وكالة الاستخبارات المركزية، (سي. آي. إيه)، إبعاده، مؤقتًا، لصالح غريمه، “إياد علاوي”، لكنه عاد ليسيطر على مافيا تراخيص “النفط”.

وكان احتلال “العراق” عبارة عن جولة سياحية، بعد أن تعرض “صدام حسين” للخيانة؛ من جنرالات فرّوا وتركوا الساحة ولم يكن للمقاومة الشعبية وقت كاف لتنظيم صفوفها. وتفرّغ “أحمد الجلبي” لإعادة الإعمار، فهذا هو وقت النهب والصفقات الجيدة. وهكذا، منح “بول بريمر” 3 صفقات عمومية، بمقدار 400 مليون دولار أميركي؛ لمؤسسة خيالية تسمى، “نور يو. أس. آي”، ويسيّرها “هدى فوقي”، ولكن عائلة “الجلبي” هم أصحابها الحقيقيون.

وعلى الرغم من أن “أحمد الجلبي” كان لا يتمتع بأدنى شرعية في “العراق”، حصل على السلطة بصفته مصفي (حزب البعث). وبعد سقوط “بغداد”، إستحوذ على ملفات الشرطة السرية للنظام، وقام بتعيين قريبه، “سالم الجلبي” ـ عن طريق “بول بريمر” ـ على رأس المحكمة المكلفة بمحاكمة “صدام حسين” وإطاراته. ووجد نفسه بذلك في موقع يسمح له باتهام أو تبييض من يهوى.

عوائد فلكية لمافيا الفساد وصفقات “الصدر” مع شركات الأدوية الأميركية !

ويُدر الفساد المالي، الذي تُديره الأحزاب والميليشيات حاليًا في “العراق”، عوائد مالية فلكية تجنيها أطراف السلطة منذ سنوات طويلة، على حساب شعب فقير ومؤسسات بدأت بالتصدع والإنهيار.

في 2017؛ قام نحو مئتين من قدامى المحاربين وعائلات الجنود الأميركيين، الذين أصيبوا أو قتلوا في  “العراق” برفع دعوى قضائية تتهم خمس شركات أدوية أميركية كبرى بالتعامل مع ميليشيات عراقية مصنفة على اللائحة الأميركية للإرهاب؛ لدورها في استهداف جنود أميركيين، خلال سنوات الحرب الأولى في “العراق”.

وتُشير الدعوى القضائية إلى أن شركات الأدوية الأميركية أبرمت عقودًا مع “وزارة الصحة العراقية” بمئات ملايين الدولارات، ودفعت أيضًا عمولات ورشاوى لأتباع رجل الدين العراقي، “مقتدى الصدر”، من أجل الحصول على تلك العقود، رغم علمها بمسؤولية ميليشياته عن العديد من الجرائم الإرهابية في “العراق”.

وأظهر الدفاع، للمحكمة، جميع المعاملات التي تثبت حقيقة تلك الصفقات، والتي نُظمت بطريقة تجعل من السهل على الإرهابيين تحويل وإعادة بيع الأدوية التي يحصلون عليها في السوق السوداء المزدهرة في “العراق”، حسب ما يضيف.

ويسيطر أتباع “الصدر”، إلى جانب شركاء سياسيين، على عقود وموازنات “وزارة الصحة العراقية”، منذ 2004، حسب الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة العراقي، “راضي الراضي”.

ويُشير “الراضي” إلى أن الوزراء، الذين يتسمون ببعض النزاهة؛ لم يتمكنوا من الاستمرار، لأن المفتش العام والمدراء العامين كانوا متفقين على تقاسم العمولات، بحيث كانوا ينظمون العقود بالشكل الذي يناسب مصالحهم.

وكانوا يخفون ذلك عن الأجهزة الرقابية؛ في وقت كان “ديوان الرقابة المالية” لا يقوم بالتدقيق إلا في نهاية العام، بعد أن تكون العقود قد وقعت وصُرفت أموالها.

يحيلنا هذا الملف إلى وثائق هامة كشفها النائب في البرلمان العراقي، “جواد الموسوي”، في شهر آب/أغسطس 2019، وتتحدث الوثائق عن شبهات فساد في “وزارة الصحة العراقية”؛ وفي العقود التي تشرف عليها.

فساد كبار رجال الدولة يؤدي لموت المواطنين !

“الدولة التي تسرق نفسها..”، هو ملخص ما وصف به، رئيس هيئة النزاهة السابق، “موسى فرج”، الفساد في “العراق”.

ويُشدد على أن الفساد مرتبط برجال الدولة الكبار، ولا ينحصر في اختلاس أموال الدولة وحسب؛ وإنما في تبديدها بطريقة متعمدة من خلال صرفها على كل ما هو فاشل ومغشوش وفاسد.

الفساد في “العراق” يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى موت أعداد كبيرة من السكان، لأنه تشعب في جوانب تتصل بظروف حياة السكان اليومية، طبقًا لما يضيف “فرج”.

وإذا تذكرنا سنوات الحصار الجائر؛ إستثنت “الأمم المتحدة”، “العراق”، من قضية معينة هي: “النفط مقابل الغذاء” و”الدواء”، فلو كان هنالك من رقابة حكومية جادة؛ كانت على الأقل راقبت هذين الملفين، ملف “الغذاء” من خلال “وزارة التجارة” والبطاقة التموينية، وملف “الدواء” من خلال “وزارة الصحة”.

ويرى المتابعون للملف الاقتصادي والمالي العراقي؛ أن الحكومات العراقية المتعاقبة، سعت وبشكل تدريجي ومنظم إلى تدمير جميع أعمدة الدولة العراقية الاقتصادية والعسكرية والتعليمية والصحية لصالح الجارة الشرقية، “إيران”، ورجال الحكم والمال العراقيين.

أما فيما يخص القطاع المالي، فتُشير تقارير إيرانية وعراقية إلى تراجع كبير في حصة العراقيين من القطاع المالي العراقي، حيث باتت تمتلك “إيران” نحو 11 مصرفًا يعملون في “العراق” بشكل مستقل.

كما أشترت مصارف إيرانية، حصة ستة مصارف عراقية أخرى، وبلغ اجمالي الأموال الخاصة بالإيرانيين في تلك المصارف؛ أكثر من سبعين مليار دولار، الأمر الذي يعكس هيمنة إيرانية شبه مطلقة على الاقتصاد العراقي.

الهيئات الاقتصادية وإبرام عقود النفط والكهرباء..

وتتقاسم الأحزاب والميليشيات، الموارد المالية للوزارات والمؤسسات الحكومية، من خلال ما يُعرف بالهيئات الاقتصادية. والهيئة الاقتصادية هي الجهة المخولة بصرف النفقات والتخصيصات وإبرام العقود في المؤسسات الحكومية، من العقود الكبرى في “وزارة النفط” إلى عقد أصغر شركة تنظيف في دائرة رسمية.

ويستشري الفساد في قطاعات الإنتاج العراقية، وخاصة في وزارات “الصناعة والكهرباء والنفط والإعمار والإسكان والبلديات”، مما أدى إلى استنزاف موارد الدولة العراقية وتدمير اقتصادها وبنيتها التحتية الأساسية.

ولا تخضع تلك العقود والنفقات لهيئات الرقابة المالية والقضائية، لأن الأحزاب والميليشيات فوق سلطة القانون، وهذا ما حصل لإثنين من مفتشي “وزارة الصحة”؛ عندما طلبا مراجعة عقد شركة تنظيف تابعة لميليشيا (العصائب)، ليتحولا إلى متهمين يواجهان قضية فساد.

وقدرت حكومة رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، حجم الفساد، في تسعة آلاف مشروع حكومي، بعضها وهمي بنحو ثلاثمئة مليار دولار أميركي.

وفي هذا الصدد؛ يقول “عبدالمهدي”: “مثلًا تهريب النفط، ملف العقارات، تهريب الأموال، التهريب والمنافذ الحدودية، الجمارك، الذهب والتجارة وتهريبه، السجون ومراكز الإحتجاز، هذه كلها فيها فساد، كل هذه الملفات فيها فساد”.

وتتم عمليات نهب موارد الدولة العراقية عبر أساليب وإجراءات متنوعة، بعضها يتم خارج إطار القانون كعمليات تهريب “النفط الخام” و”مشتقات البترول”، أو عبر عمليات السرقة المباشرة، كعملية سرقة معدات مصفاة النفط في “بيجي”.

مافيا عقود الكهرباء..

ويرتبط اسم المقاول، “بهاء علاء عبدالرزاق”، صاحب شركة “الشبوب” للمقاولات، بعقود وصفقات حكومية؛ أهمها مع “وزارة الكهرباء”.

ويتهمه النائب في البرلمان العراقي، “عدي عواد”، بدفع عمولات ورشاوى لأعضاء آخرين في “البرلمان العراقي”، لمنع أي مسائلة برلمانية لنشاطاته المشبوهة.

ويقول “عواد” إن: “بعض الإجراءات التي قام بها، بهاء علاء، بالـ 2013؛ قام بعرقلة عملية استجواب وزير الكهرباء في حينها، عبدالكريم عفتان، وذلك عن طريق شراء ذمم بعض النواب بصراحة؛ ولدي الأدلة على ذلك وقدمنا دعوى قضائية بخصوص ذلك، ومازالت في المحاكم”.

ويملك المقاول، “بهاء علاء عبدالرزاق”، شقة في حي “سولنا” في العاصمة السويدية، “ستوكهولم”، ويستخدمها أيضًا كمقر لشركة مسجلة في “السويد” تحت اسم “الاتصالات الدولية وتكنولوجيا الطاقة”.

الأمر الذي يترك علامة استفهام حول الطريقة التي حصل بها على عقود حكومية متعددة مع وزارتي “الصناعة” و”الكهرباء”.

ويقول أعضاء في “البرلمان العراقي”؛ إن “بهاء علاء عبدالرزاق”؛ يمثل واجهة تجارية لسياسيين متنفذين في الدولة العراقية، والتسهيلات التي يُحصل عليها داخل الإدارات العامة هي جزء من عمليات توزيع الحصص المالية بين الأحزاب السياسية والميليشيات المرتبطة بها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة