17 نوفمبر، 2024 2:43 م
Search
Close this search box.

د.برهم صالح، والمحور الإيراني في العراق!

د.برهم صالح، والمحور الإيراني في العراق!

برهم صالح، هو مُثقّفٌ فطنٌ، واقتصاديٌّ بارعٌ ، وسياسيٌّ محنّكٌ، ولاعبٌ ماهرٌ، وشعبويٌّ مقنعٌ، ودبلوماسيٌّ ذكيٌّ، و مُتحدِّثٌ لبق، وإنسان هادئ، وبراغماتيٌّ على مستوى عالي جدًا، يُجيد اللعب على التّناقضات، والغوص في المتاهات، وإقناع الأعداء والأصدقاء. لا أُبالغ عندما أقول إن كل هذه الصّفات تنطبق على شخصيّة الدّكتور برهم صالح. ستكتشفون ذلك من خلال هذا المقال.
في عام ٢٠١٧ قدّم صالح استقالته من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الَّذي كان عضوا فيه منذ العام ١٩٩٢. وعزا سبب استقالته إلى الفساد والتّخبط والتّفرد في اِتّخاذ القرارات داخل الحزب من قبل فئة صغيرة.
وبسبب مواقفه الشّجاعة، وتصريحاته الجريئة، وترويجه لأفكار سياسيّة واقتصاديّة عصريّة، ونقده اللاذع لحزبه، ولحكومة اقليم كردستان على حد سواء؛ اكتسب شعبيّة واسعة في الأوساط الكردستانيّة، التي كانت ترى فيه الرّجل المصلح الذي سيخلِّص الإقليم من أزماته السّياسيّة والاقتصاديّة في المستقبل القريب.
ثم أنشأَ حزب “تحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” الّذي فاز بمقعدين برلمانيين في الانتخابات النّيابية العراقية سنة ٢٠١٨. شكَّلت هذه النّتيجة صدمة له، ولأنصاره، وللرأي العام الكردستاني، الّذين توقعوا أن يكون لهذا الحزب دور و تواجد أكبر في البرلمان العراقي و الكردستاني، لكن جرت الرّياح بما لا تشتهي السفن.
بعد فشله الذّريع في الانتخابات النيابية، جرى حوار بين بعض أعضاء حزب الاتحاد الوطني، وبرهم صالح؛ من أجل إقناع الأخير بالعودة مرة أخرى الى صفوف حزب الاتحاد، وقدموا له عرضًا مغريًا، وهو ترشيحه إلى منصب رئاسة الجمهورية العراقية، مقابل عودته إلى الحزب، فوافق صالح على هذا العرض من دون تردد، وبالفعل تم ترشيحه لشغل منصب رئاسة الجمهورية. لقد أجهزت هذه الخطوة على شعبية برهم صالح الكبيرة في كردستان ، لكن بالمقابل قربته من تحقيق حلم الفوز بكرسي الرّئاسة، الّذي من أجله ضحَّى بشعاراته الإصلاحية التي كان يرفعها قبيل الانتخابات النّيابية عام ٢٠١٨، وبرفاقه، وحزبه الجديد أيضا.
دخل صالح مضمار السباق مع مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني الدّكتور فؤاد حسين، للفوز بمنصب رئاسة الجمهوريّة. وتحت قبة البرلمان العراقي، صوّت المحور الإيراني لصالح الدّكتور برهم صالح، على حساب الدّكتور فؤاد حسين، الذي صنّفه المحور الإيراني على أنه مرشح أميركا، أو المحور الأميركي. وعند انتخاب صالح لرئاسة الجمهورية، ابتهجَ المحور الإيراني، وقال نوابه: سجلنا هدفًا ثالثًا في مرمى أميركا ! في إشارة إلى استحواذهم على الرئاسات العراقية الثلاث. لكن اليوم تغيّرت لهجتهم، بعد أن تضارب المصالح بينهما، وباتوا ينظرون لبرهم على أنه عميل أميركي، يقود مؤامرة ضد البلد.
تعرض صالح إلى تهديدات جدِّيَّة بالاقالة والتّصفيّة الجسديّة، و إلى إهانات كثيرة في الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعي القريبة من الخط الإيراني، وذلك لعدم موافقته على ترشيح مرشح كتلة الفتح أسعد العيداني، ونتيجة لتلك الضّغوطات والإهانات المتكررة لوح صالح بالاستقالة من منصبه، بهذه الخطوة أراد من جهة أن يسجل موقفا سياسيا و شعبيا، ومن جهة ثانية يضع ضغطا على الأحزاب السّياسيّة لترشيح شخصيّة مقبولة لدى الشّارع العراقي. لا شك أن برهم كان ذكيًا وحكيمًا جدا بإقدامه على مثل هذه الخطوة الجريئة، التي قرَّبته أكثر من الشارع العراقي، و أبعدته قليلًا عن المحور الإيراني، الذي كان غاضبًا من سلوك برهم صالح؛ لأنه لمْ يعد يتماهى أو ينسجم مع توجهاته.
بلغ التّجاوزات ضد صالح ذروتها عندما شتمه أحد أعضاء كتلة الفتح و البناء، في إحدى اللقاءات التّلفزيونية، على قناة دجلة الفضائية العراقية، حيثُ صرح قائلا: ” إن مافعله رئيس الجمهورية هو ديدن الجبناء، وعلى الشعب العراقي أن يبصق بوجه برهم صالح بأي مكان يكون”. ثم حدثت مفاجأة لم يكن يتوقعها المحور الإيراني، وهي دعم و تأييد الحزب الدّيمقراطي، لخطوات برهم صالح، ورفض إقالته أو استقالته بأيِّ حال من الأحوال.
وقبيل سفره إلى دافوس، هدده حزب الله العراقي الموالي لإيران، بالطرد من بغداد إذا ما قابل ” ترمب” رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الذي كان قد أعطى الضوء الأخضر لاغتيال قاسم سليماني والمهندس في بغداد، لكن صالح لم يأبه بذلك التّهديد، واجتمع بترمب في دافوس، وقام بحركة دبلوماسية ذكيّة، عندما قاطع خطاب ترمب الذي كان يروم الحديث عن احتمالية فرض عقوبات اقتصاديّة أميركية على العراق.
الخطوات التي قام بها صالح منذ بداية احتجاجات تشرين من العام ٢٠١٩ و إلى غاية كتابة هذه السّطور، سواء فيما يخص رفضه ترشيح العيداني، أو تلويحه بالاستقالة، أو حضوره المميز في مؤتمر دافوس؛ جعلته شخصية مقبولة لدى طيف كبير من الشارع العراقي، وقرَّبته من المحور الأميركي، كما زادت الهوة بينه وبين المحور الإيراني.

أحدث المقالات