مَن يصدق أن البلد الذي علم البشر كتابة أسمائهم وتدوين احلامهم ، البلد الذي أنتج أول مكتبة في التاريخ ، والذي يقطن تحت أديمه الأنبياء والأولياء الصالحون، والذي أنتج أول دستور في العالم ، ينتــج أيضاً .. أجيالاً كاملة من جُـــباة الخبـــــز!
أليست قمة المأساة ان يعيش أكثر من 5 ملايين طفل عراقي تحت خط الفقر ، لا بيت لهم ولا قرار ، في الوقت الذي يسبح فيه العراق فوق بحـر من البترول لايعلم مقاديره الا خالقه وحده ! ناهيك عن الموارد الطبيعية الأخرى التي تختزنها كوامن هذه الأرض ، من تلال الكبريت والفوسفات وليس انتهاءً بالزئبق النفيس ، أما النهرين العظيمين فلا حرج اذا حدثت عن حسد الجوار قبل الغرباء على فضلهما في أرض السواد.
نعم ، لقد ولدوا أيتاماً او مرت على عيونهم صور آبائهم وهم يذبحون جهـراً أمامهم بأصابع لا تعرف للرحمة لوناً او شكلاً او رائحة ، انهم ضحايا ارهاب العصر ، ولم يكن لهم ذنب في الحياة ، سوى ورطة العيش في بلد تكالب عليه الجن والانس في آن واحـــد. من هنا نلاحظ حجم الكارثة التي تلوح بوادرها في الأفق القريب ، فاذا ما دققنا الإحصائيات المقدمة من قبل منظمة اليونيسيف ومنظمات المجتمع المدني فاننا نقف امام ارقام مخيفة حد الرعب ، فكيف يمكن لنا ان نتصور 5 ملايين طفل يفترشون الارض ويلتحفون السماء ، وهذا يعني اننا ننتظر 5 ملايين أمّي يعول عليهم في مزاولة حياتهم مثل أي مواطن آخر لخدمة الوطن ، فكيف اذا كانت طموحاتهم مبتورة او مجتثة منذ الولادة !
لابأس اذا دمرت البنى التحتية من عمران وخدمات وادارة وماسواها ، لكن الخطر الأعظم يكمن في تحويل عقلية جيل كامل الى ما يعادل قنبلة ذرية تكفي لهلاك الخارطة الاجتماعية العراقية بالتقسيط العاجل. ان جيلاً من الاطفال تربى على مد الكف واستجداء لقمة العيش ، يطيب له ان يمد يده – بكل بساطة- الى من تكدست جيوبهم بالدولارات واكتنزت عقولهم بمخططات الدمار الشامل ، والنتيجة لا تتطلب عناءً كبيراً لإدراكها ، فكم من شعب كريم تمت إبادته بسواعد أبنائه وهم غافلون.
مايهمنا اليوم جميعاً ، هو انتشال مايمكن انتشاله بالتخطيط والبناء والتثقيف، واحتضان ايتامنا بقلوب راضية بقدرهم ، فلا يلملم اشلاء الدار الا اهلها أنفسهم.
ويبقى الســـؤال : لمن هؤلاء الــ 5 ملايين معطوب فكرياً وذهنياً تحت شمس الله ، فهل الى خروج من سبيل !