يعتليه هدوءٍ كاتم، تنهدر بجواره أصوات الكواتم، يغفو على أجنحة الطير، حلم يراود كل صابر، تثور بجوفه نار باردة، بلون القهر الغامق، يستعير منها سلاطين الشموخ، عنفوان الصمود، ثورة تشرين لن تلين.
في خضم هذه الأحداث المتسارعة والأخبار العاجلة، أجواء ما قبل البركان.. كان الصوت الذي يعلو هو الموت، في رحاب الشهادة، لم نرى سوى لون الأسود واخبار الذبح والتقطيع والانفجار، استقبلنا خبر سقوط الطاغية، الذي لم يستوعبه الكثير، حتى تساقطت شظايا حطام؛ اول سيارة مفخخة، ثم قطع الرؤوس بالجملة، حتى من فارق الحياة كان لرأسه ثمن؟!
سنوات الدم والدخان، كان صوت المأتم الحسيني، هو المتنفس الوحيد لعيون الرجال، لتنوح وتسمع قوة الصبر التي ستنتصر، هناك نبتت الثورة في عقول الشباب، تتناثر عليهم صور الشجاعة العظيمة، التي رسمها شباب الطف، (الموت عندي أشهى من العسل) (السنا على الحق) (لا نبالي أًوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا)
الكثير من المواقف البطولية، وصور التضحية والإباء، التي رسمتها ثورة كربلاء، في نفوس شباب العراق، وعلى مدى سنوات المتسلسلة، نهض الجيل الأول، في فتوى الجهاد الكفائي، بعدما تآمر الخائنون على الوطن، وباع ترابه بثمن بخس، إلى تجار الحروب، في المنطقة والعالم، تقدم ذاك الجيل، المشبع بتراب كربلاء، و المتعطش للكرامة والفداء، وكان يتحين الفرص، لينتصر للحسين (عليه السلام) ويسجل ذاك الموقف العظيم، النابع عبر السنين، فاثبت النصر، وحقق الانتصار، بسواعد تركت اثرها على الصدور في حب الحسين عليه السلام، وأسودت لأثر السلاسل على المتون، فراحت تزأر في العرين، بلبيك ياحسين.
عشر سنوات، من منبر الحسيني الصادح بالثورة، والصارخ بدفع الظلم، و الانتصار للمظلوم، حتى غرست هذه الثورة باللاشعور في كينونة الجيل المندفع، والمتحرر من القيود، و الصانع لكل جديد، والمتحمس لإثبات أنه لا يقل شأنا عن أولئك الأبطال في سوح الوغى رجال، فاثمرت تلك النبتة، وأصبحت ثمارها ناضجة، فاقترب موعد الثورة.
دأبت المرجعية على غرس فكرة، المعركة ضد الفساد، بوصفها (حرب) أشد ضراوة، و أقسى معاناة، قبل عامان، حيث شددت، انها قادمة لا محال، ومهما تأخرت فإنها تزداد قوة وترتفع سقوفها.. لم تكتفي المرجعية بالتوصيات، بل عملت بشكل دؤوب على ترشيح وتفعيل، البعد الحسيني في نفوس الشباب، والرسائل العظيمة من وحي كربلاء، كل قصة تنقل عن الطف، كانت كفيلة بأن توقد شعلة، حتى قرب يوم الوطن، و أي وطن، وطن يظم بثراه جسد أعظم ثائر خلده التاريخ.. فشاءت الأقدار أن ينطلق الشباب في شهر الحسين عليه السلام، واكيد هذا ليس من فراغ، بل لها انعكاسات باطنية ورغبة خارجية عند جيل لم تتيح له الظروف أن يعبر بصدق عن ما بداخله، فجاءة الفرصة وانطلق، من ذاك المبدئ، وبتلك الخلفية الحسينية مهما تناقل صور الانحراف، إلا أن صورة الحق والخط المستقيم يبقى صامدا و واضحا وهو المنتصر في كل معركة.
هكذا دعمت المرجعية التظاهرات، بكل ما تملك من قوة وأرسلت كل أشكال الدعم والشرعية، وهي تعلم أن الانحراف و ركاب الموجات من الداخل والخارج لن يتركوا هذا الصيد يمر دون استثمار، إلا أن سفينة المرجعية كانت أكبر وأسرع وأقوى في طريق السلمية المنتصرة دوما.
الانتصار الرابع، حققته مرجعية النجف على قوى الشر والظلم والاستبداد، من الخارج والداخل.. فكتب النصر على يد قائد العراق، الاولى عندما أوقف حرب النجف، والثانية عندما اجهض الفتنة الطائفية والثالثة عند فتوى الجهاد الكفائي، والرابعة اليوم في سلمية التظاهرات والاحتجاجات.. فانتصر العراق بحكمة قائده وصاحب الفتوى العظيمة.