في ذلك الليل الحالك والظلام المُطبِق الدامس والكابوس الجاثم على صدر العراق همس صوت بهدوء إني قادم لا تيأسوا ولا تقنطوا حينها لاح للناس بصيص أمل وشعلة من نور ووهج أخّاذ للنفوس ومُلهِم لها انه محمد الصدر نطق بعد أن تلعثم القوم وسكنوا واستكانوا وعلى صراخ بعضهم خلف الأسوار والحدود وأطراف العراق ولسنوات عديدة يبرقون ويرعدون بلا مطر وبقي الشعب المسكين مُدجّن وُمؤدلج ومغلوب على أمره فتمزّق ودجّل ونافق وكثرت فيه الخرافات وغاص في الجهل والتخلف والظلم وأصبح لا يرى إلا صورة واحدة هي صورة وفكر القائد الضرورة ولا يشم إلا ريح البعث ولا يسمع الا هتافا واحدا بالروح بالدم نفديك يا صدام في المدارس وفي المسيرات وفي التلفزيون وفي الماء والهواء ! سُلبت كرامته وُأُسُرِت حريته وبيع بالمزاد ولسنوات طويلة أكثر من ثلاث عقود من الزمن وفجأة ظهر ذلك الصوت وتلك السحابة المملوءة ماءا في زمن الجفاف لترعد وتبرق وتمطر فتروي عطش الناس لطريق الخير والحرية والشجاعة وتمنحهم الشعور بوجودهم المسلوب وبهويتهم الضائعة وبكرامتهم المهدورة اجتمع الناس وهتفوا للشهيد الصدر واخذ بأيديهم شيئا فشيئا إلى إنكار المنكر باللسان والقلب بعد أن تعذّر إنكاره في اليد وتدرج معهم في الإصلاح كما فعل نبي الرحمة محمد “ص” حيث بدأ الشهيد الصدر بتناول شتى المواضيع التي تمس حياة وواقع الفرد العراقي واستطاع ان ينسف الكثير من الأعراف والمباني الاجتماعية الباطلة والفاسدة وكان يعتمد طريقة إثارة الأسئلة والاستفهام الاستنكاري لإثارة ذهن المتلقي وتحفيزه حيث طرح هذا التساؤل وهو يتحدث عن عائلة مسيحية تريد الدخول في الإسلام ..هل كان عيسى يشرب الخمر وهل كانت مريم سافرة؟ والجواب لا اذاً مبادئ النبي عيسى هي ذات مبادئ الإسلام,, الذي يهمنا من هذه المقدمة هو سؤال من نوع آخر يطرحه السيد الشهيد بعد استشهاده! وهو هل كان علي بن ابي طالب والحسن والحسين “ع” يسرقون المال العام ويتاجرون بالدين بشتى الذرائع والحجج وهل كانوا يحابون فلان وفلان من اجل الحفاظ على السمعة ونحن نقول هل كان الشهيد الصدر يؤمن بالحقيقة أم المصلحة إذ لو كان يؤمن بالمصلحة على حساب الحقيقة لما دفع حياته ثمنا لها اذ كان بإمكانه ان يحابي النظام من باب المصلحة لكنه كان يؤمن ان الحقائق لطالما ذُبحت بيد المصالح وان التنازلات المستمرة عن الحقائق هي التي تنتج لنا إسلاما ومذهبا هجينا يُذبح في واضحة النهار وبصورة مستمرة دون أن يجد حراكا حقيقيا يناسب حجم البلاء والمحن التي يمر بها حيث لا يوجد شيء غير الاستنكار وبشدة!!وهنا اذكر قول للدكتور علي الوردي وهو يعلل سبب رفض الامام علي “ع “لبقاء معاوية في الحكم ولو ليوم واحد حيث يعلق علي الوردي على هذه الحادثة بقوله ان ((التنازل الأول يجر التنازلات ..)) ونضيف نحن ويقتل الحقائق ويؤطّرُها بغلاف المصالح لان حرب الأمام كانت حرب مبادئ وليست حرب مصالح ومناصب ..لذا نحن اليوم بأمس الحاجة إلى شخصيات إسلامية تعيد النظر بقراءة المعرفة والحقيقة وإيجاد توازن مشترك بينهما بحيث لانخسر الحقيقة وفي نفس الوقت نقدر طبيعة المرحلة التي تحتاج إلى توافق من اجل المصلحة ولكن بشرط أن لا تمس جوهر الحقيقة لان الحقائق مبادئ ثابتة والمصالح رؤى متغيرة ونحن لا نريد ان تكون المصالح المعينة التي تتطلبها مرحلة ما هي بمثابة مبادئ إذ انه سرعان ما تتغير الظروف التي أنتجت تلك المصالح حينها تتغير معها بينما تبقى الحقائق ثابتة لا تتغير ولا تتبدل إذ استطاع السيد الشهيد الصدر من إتبّاع منهج الحقيقة والمصلحة المتوازنة بحيث لم يفرط بالحقيقة وفي نفس الوقت قدّر المصلحة في بعض الأحيان كما في المسيرة الشعبانية وإلغائها وغيرها كثير لكن عندما مسّ النظام الصدامي الحقيقة التي آمن بها الشهيد الصدر حينها قدم نفسه الطاهرة فداءا لها..
[email protected]