30 نوفمبر، 2024 9:53 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. أمينة عبد الله: الكتابة سبيل خروجي من ذلك الحزن المقيم

مع كتابات.. أمينة عبد الله: الكتابة سبيل خروجي من ذلك الحزن المقيم

 

خاص: حاورتها- سماح عادل                              

“أمينة عبد الله” كاتبة وشاعرة مصرية٬ عملت مدير تحرير لسلسلة “عالم الموسيقى” بهيئة قصور الثقافة، وسكرتير تحرير للعديد من السلاسل والمجلات الثقافية كمجلتي “الثقافة الجديدة”، “عالم الكتاب”. صدر لها دواوين (“بنات للألم”، “بنت الشتا”، “كان الماء عبدا ساجدا”، “ألوان رغاوي البيرة الساقعة”٬ “سوبر ماركت”٬ “بروفة جنرال لدخول الجنة”٬ “سندات ملكية”).

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

  • أكتب منذ صغري لأنني من أسرة مبدعة، وكانت مجلة المدرسة الإعدادية أول مكان ينشر لي فيه قصيدة. وفي سن 16 كتب عني تحقيقا صحفيا عن فكرة أني أصغر شاعرة وعرفت بجرأتي في الكتابة، وكتبت أول دواويني (ألبوم كلام) في سن الـ 17 وكان مكون من 1000سطر شعري، كل سطر نص قائم بذاته مثل (صورتك دايما أكبر م البرواز)، (كل ما أقرب منك يقصر فستاني) وغيرهما.

ثم توقفت عام 1990 برغبة كاملة في ثقل موهبتي وعدت بعدها عام 2002 بقوة، ولم أتوقف عن الكتابة بل تكللت محاولاتي الكتابية ب6 دواوين بين العامية والفصحى، بدأت بديواني الأشهر (ألوان رغاوي البيرة الساقعة) وانتهت بديواني (سندات ملكية)،  وأثارت معظم عناويني الجدل. والتجربة السابعة (بنات للألم) سينزل في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

(كتابات) في ديوان (بنات للألم) قلت: سلام ٌعلينا/ طوبى لجروحنا/ من ثقب الأذن/ الختان/ غشاء البكارة/ الحمل/ الولادة/ الرضاعة../سلامٌ علينا بحجم النزيف.  هل يمكن تصنيف شعرك ضمن الكتابات النسوية التي تنتصر للنساء وتهتم بحقوقهن ووضعهن في المجتمع؟

  • أنا ضد التصنيف بشكل عام خاصة مع مصطلح ملتبس كثيرا ك”النسوية” أو “الفيمينست”، بين العنف والشراسة للتخلي عن فكرة الأنوثة كطريقة مباشرة ومجانية للتعبير عن الذات، لكنني بالأدق أهتم بآلام الإنسان خاصة المرأة لأنني أعانيها في مجتمع يأخذ الخطاب الديني المتشدد تجاه المرأة منحنى خطرا ومهما ضد المرأة، ويكرس له شعبيا بمنظومة متكاملة في التعليم والأمثال الشعبية والدراما.

(كتابات) في ديوان (بنات للألم) ما سر التكثيف والإيجاز؟

  • أميل إلي ملمحين في الكتابة: أولهما التكثيف لسرعة وصول ما أريد بدقة وتحديدا للقارئ الذي يمل من التكرار، والذي لا يمتلك الوقت للقراءة والاطلاع أصلا، خاصة وأنني اعتبر التكرار ضعف في الأسلوب إن لم يكن موظفا، والملمح الآخر هو التلميح لا التصريح خاصة في المسائل التي تحاكي التابو الديني أو الجنسي، حيث حاكيت شخصيات التراث الإسلامي ك”الحجاج والسيدة عائشة والإمام على ونائلة وعثمان” في نصوص عامية، ومع ذلك لاقت قبولا لدى العامة، حتى عندما ألقيت شعرا في إحدى المقاهي في منطقة شعبية كتجربة  لقياس تقبل قصيدة النثر شعبيا أو جماهيريا.

(كتابات) هل الكتابة بالنسبة لك تمرد، ومقاومة للظلم والإجحاف التي تتعرضين له باعتبارك امرأة في مجتمع منغلق؟

  • الكتابة دوما طوق نجاة، سبيل خروجي من ذلك الحزن المقيم، وأتصور أنني إن لم أكن أكتب لصرت مجذوبة في الشوارع أصرخ بآلام الإنسان التي لا تنته. الكتابة تعبير باق عن أفكارنا ومشاعرنا ومواقفنا إنها هبة الأيام لي.

تعد الكتابة تأريخا وليست فقط مخرج مناسب للألم، حتى أننا لو تنبهنا في رواية (الحب في زمن الكوليرا) ل”ماركيز” نجده يؤكد على أهمية الهدية التي أتى بها الطبيب لأجمل فتيات القرية بعبارة بشكير قطن مصري خالص وأتصور أن هذا الوصف تأريخا إبداعيا يؤكد على فخامة الصناعة المصرية وأهميتها في ذلك الوقت.

(كتابات) لما كتبت الشعر بالفصحى والعامية.. وأيهما تعبر عنك بحرية؟

  • العامية هي اللغة الأقرب لنفسي وذهنيتي وطريقة تفكيري، ولكنها الأصعب كوسيلة تعبير لأنني مطالبة كمبدعة أن أصيغ عباراتي بلغة متداولة ومتطورة وسريعة في تغيراتها الاجتماعية والدلالية والإشارية، أصيغ من خلالها أفكاري الإبداعية. والصعوبة الأخرى في شكل نصي المكتوب كقصيدة نثر عامية، وهو شكل كتابي صعب ولم يلاق التثبيت الزمني والإلحاح الوجودي كما الأشكال الأخرى.

أما اللغة الفصحى هي اللغة الأيسر في الكتابة، والتي تقوم على دعائم وركائز إذا التزمت بها كمبدعة صارت وسيلة آمنة للتعبير والمحاكاة والكتابة الإبداعية الخاصة.

(كتابات) حدثينا عن عملك في مجال الثقافة.. وهل أضاف لك ككاتبة؟

  • للأسف الشديد عملي في الحقل الثقافي أدخلني معارك جانبية مستهلكة لطاقتي في الكتابة، ككاتبة وكسيدة تدفع ضريبة إيمانها بأفكار، يراها البعض الكثير المزدوج ذهنيا، بأنها أفكارا تحررية، ولم يضعن العمل في المجال الثقافي في بؤرة الضوء والحركة التفاعلية كما فعل مع بعض القادمين من مدن أخرى غير القاهرة.

وإنما أدين برؤيتي وثقافتي إلى أبي وزوجي  السابق كباحث في التراث الإسلامي، وكل المهن اليدوية والأعمال التي تبدو متدنية اجتماعيا لما أكسبتني ـ الأعمال ـ من خبرات ورؤى مختلفة وواقعية وليست أفكارا في كتب، أو أحاديث الطرشان التي تدور في قاعات الندوات والمؤتمرات.

(كتابات) ما تقييمك لحال الثقافة في مصر؟

  • الحالة الثقافية ليست بمعزل عن الحالة العامة التي يسودها الفساد وأشباه المبدعين، وإحباط البعض وهروبهم للحياة السهلة، أو للتيارات المتأسلمة التي تعطي خلاصا زائفا، وأهمية كاذبة للشخص المحبط. وتحكم دور النشر واستغلال الكتاب والعلاقات المتشابكة في المصالح و العداوات.

ولكنني دائما أرى، بضرورة الحال، أن النماذج المبدعة ثقافيا لن تغيب كتجارب أو كأفراد، فالمبدع الشاعر(عبد الوهاب الشيخ) عبر تجربة بيت النص احتفى بتجارب إبداعية هامة، لولاه لما كنت اطلعت عليها مع زعمي أنني دؤوبة. أتصور أن الكتاب صغار السن يملكون تجاربهم الخاصة وآلامهم التي تؤهلهم لابتكار أنماط جديدة للتحايل على الواقع المظلم، خاصة مع غياب المؤسسات المنوط بها حماية المبدع  في حقوقه الملكية وفي صحته، وفي تأمين حريته الإبداعية وحرية إبداء رأيه وأداء دوره كمثقف في المجتمع.

ولعبت دار (هن) دورا هاما في الاحتفاء بالكتابات النسوية بشكل عام، وبالكاتبات بشكل خاص وقامت بتثبيت عدة أنشطة دائمة لدعم المرأة، خاصة المرأة المبدعة.

(كتابات) ما رأيك في حال النشر والغزارة في نشر الأدب.. وتفضيل أنواع بعينها من النصوص؟

  • بصراحة أنا مع الحركة وغزارة النشر لا تضايقني بالعكس، يكفي أننا نرى طالبات مدارس وجامعات يقرأن في المترو أو يستمعن لتجربة الكتاب المسموع. حتى وإن كانت نماذج تافهة لكنها على أقل تقدير ثبتت أهمية فعل القراءة. وعلى المثقف العضوي أن يقوم بدوره، أما تدنى وانتشار نماذج رديئة فهذا موجود طوال الوقت في كافة الأشكال الإبداعية، والشاعر (يونس القاضي) مؤلف النشيد الوطني هو نفسه مؤلف “دور ارخي الستارة اللي ف ريحنا”.

تفضيل أنواع معينة من التجارب الإبداعية بعينها أمر طبيعي، أنا أسميها المدرسة الآمنة في الكتابة، وهي التي تحاكي النماذج الناجحة مسبقا، كمحاكاة تجربة “أحمد فؤاد نجم” أو تجربة “أمل دنقل” و”نزار قباني” وتحتل نماذج المحاكاة دائما الصدارة لأنها تشبه ما نعرفه، واتخذت من ثبات التجربة مركزا للتواجد.

وأتصور بشكل شخصي أن هذه النماذج تنتهي مع أصحابها حتى وإن تم توريث نمط الجوائز والوظائف والمشاركات، تبقى النماذج الحقيقية مهما ندرت، وأنا في رأيي كل جيل يفرز من يتبقى منه حتى وإن حدث تواطؤ بالصمت على التجارب المختلفة.

(كتابات) هل يعاني الشعر من أزمة وما هي ملامحها؟

  • أولا: الشاعر المنتج للشعر مأزوم فبالطبع ينتج إبداعا مأزوما أيضا، ولكن أزمة الشعر تتجلى بوضوح في ضعف التجارب الشعرية المكتملة، وعدم إلقاء الضوء عليها إلا من خلال شلة هذا الشاعر وهو ما يجعلنا جزرا منعزلة.

وثانيا: ترسيخ الشكل المدرسي التقليدي كنموذج للشعر، وهو النموذج المحتفى به خليجيا لتجريف وإحباط النماذج المختلفة والمتجاوزة لهذا النمط الإبداعي.

ثالثا: استثناء الدولة لبعض الأشكال الإبداعية من المسابقات، كاستبعاد دواوين النثر بشكل عام، والعامية النثرية بشكل خاص. وعدم تثبيت سن الجائزة فيفتح السن عاما ويغلق على سن ما عاما آخرا، مما يوحي بشبهة التواطؤ في منح الجائزة.

رابعا: ضعف الجماعة الشعرية نفسها وعدم قدرتها على اتخاذ مواقف من شأنها تعضيد وجودها، وغالبا يكون الموقف شخصي لا كجماعة ثقافية أو قوى ناعمة.

(كتابات) في رأيك هل طريق الكاتبة في مجتمعنا محفوف بالعوائق والرفض أم زادت مساحة الحرية والتقبل؟

  • زادت مساحة تقبل كل ما يحاكي ما يعرفه المجتمع، وتزداد المخاطرة بكسر التابوهات والاصطدام بها، وقد يدفع البعض حياته كالدكتور “فرج فودة” والبعض يدفع من أيامه ككل سجناء الرأي، وهذه أيضا ليست سمة هذا الوقت فقط حتى وإن ظهرت بشكل أوضح.

ولن تتقبل الجماعة الثقافية أي كاتب ضد مصالحها وضد منظومتها وبالطبع لفظه سيؤدي إلى لفظه مجتمعيا.

نصوص لأمينة عبد الله

النساء الفراشات

يتمتعن بخفة الأرواح، والذكاء الفطري

وحدس يمثل خطرا كبيرا على رجال مقهورين

رجال ينامون في حمى ذلك الجناح الرقيق

ويهابونه

ويدركون كل الحسابات المنطقية لخبرة النساء الفراشات

وعند المحك

يفرون بقسوة الفرار من أسد

لا من فراشات ملونات الأرواح، والأجنحة

هؤلاء النسوة الفراشات

يفزن بالاتساق الذاتي

والوحدة الأبدية.

………..

المرأة اللغز

ممنوع الاقتراب أو التصوير

تكتب عنها وكلك حذر

فهي الأقرب

لانفعالات الرجل الشرقي

المرأة اللغز

مخلوق غير متاح للأقربين

أيسر من تعقيدات البلاغة

وبناء الشعراء

وأحلام الموسيقيين الصغار،

هذى المرأة

تتحول إله للمودات التي

ينكرها الجميع

……

امرأة واحدة

في كل عصر

تلك التي يراها الناس مدينة مترامية الأطراف

ومتسقة الأرواح.

امرأة واحدة

يتناثر منها عطر نساء أخريات

تحمل فيها سذاجة النساء وقدرتهن المفرطة

على الضعف

وتملك نفس المرأة شجاعة المستأسدة

هذه المرأة بلا شك

ظاهرة ملغزة

هذه المرأة …..

أنـــــــــا.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة