اندلاع التظاهرات في العراق، لم يأتي بمعزل عن واقع المنطقة وسياسة المحاور التي تعيشها اقطاب دولية واقليمية، تسعى لبسط السيطرة والنفوذ، سلاح الجيل الخامس، هو الإعلام الإلكتروني، وسهولة اخضاع المتلقي لكميات هائلة، من الأخبار المزيفة والحقيقية، بما يسمح لتمويه عقل المتلقي، بين الكذب والصدق.
بعد أعوام عديدة، ترك الإعلام لمن هب ودب، فأصبح السلاح المحرك لعقول الشباب، من أشخاص يخضعون لأجندة خارجية، تعمل على تهيئة عقول الناس بقبول كل ما يقوله، حتى لو عارض نفسه و تناقض معها.
منذ الاول من اكتوبر 2019، حدثت صدامات بين المتظاهرين وقوى الأمن، وجرت خلالها محاولة لبعض الأفراد للهجوم على السفارة الايرانية وحرقها، ثم بنفس التوقيت سقطت صواريخ على السفارة الأمريكية، وكان هذا دليلا واضح لا يقبل الشك بأن صراعا أمريكيا إيرانيا يجري، حتى انتقل الى محافظة كربلاء، واحرقت السفارة الإيرانية، فقام الرئيس الأمريكي، بمشاركة صور وخبر حرق السفارة الإيرانية على حسابه الشخصي على تويتر، وهذا دليل آخر على صراع النفوذ في العراق.
انتقل بعدها الى الرد بحرق السفارة الأمريكية من قبل متظاهرين ومناصرين للحشد الشعبي، بعد قصف لقاعدة (K1) في كركوك ومقتل متعاقد أمريكي، ثم انتقل الصراع الى المواجهة العسكرية، بقصف لمواقع الحشد في مدينة القائم الحدودية، وآخرها هو اغتيال قادة الانتصار على داعش في هجوم استخباري شاركت فيه أكثر من 15 طائرة مختلفة المهام، محملة بالاسلحة الهجومية، نفذتها طائرة من دون طيار، بصواريخ مضادة للدروع، قرب مطار بغداد بعد لحظات من مغادرتهم بوابة المطار.
مع فرقة استخبارتية على الأرض، قامت في نفس اللحظة من التأكد من إصابة الهدف، وسرقة جهاز الحاسوب واجهزة الاتصال، مع دفتر ملاحظات خاص بالجنرال سليماني.
هنا.. تغيرت قواعد اللعبة، وأخذت أصداء هذه العملية، تنذر برد فعل، قد يؤدي الى حرب عالمية ثالثة، في منطقة الشرق الأوسط، وبدأت الأخبار تعصف، والبعثات الدبلوماسيّة تزدحم على المنطقة، لسحب فتيل الازمة، حتى تلك الليلة، انطلقت اكثر من عشرين صاروخا بالستيا إيرانيا ، على أهداف امريكية في العراق، كانت الحصة الكبرى منها لقاعدة عين الاسد، مخلفة أضرارا جسيمة مع عدد كبير من الجرحى، تم إخفاء تلك المعلومات، لامتصاص الغضب و عدم الرد.. حتى تبين أن الإصابات تجاوزت الخمسين، في درجات مختلفة .
هذه الأحداث في خضم تظاهرات، في معظم المحافظات الوسط والجنوب، تشتعل تارة.. ترافقها حالات اغتيال وخطف وتهديدات، ثم تعود الى سلميتها دون دماء.
هناك محركات لهذه الأفعال، وردود الأفعال، جهات تنتظر الفعل، كي تكون رد فعل يخدم مصالحها، وهي غالباً ما تكون جهات داخلية، اما الجهات الخارجية، أو المدعومة خارجيا، والمتوافقة معها، تصنع الفعل.. وتوجه لصناعة الحدث، المدروس جيداً، والمواكب لتلك التطورات، حيث ينتج اندفاع كبير لدى، الفئات المستهدفة، مع ترويج إعلامي ومحاكاة للعقل الجمعي البسيط، والعقول التي تفكر بآذانها اكثر من عينيها، وهذا ينتج زخم خادع يطول كثير من الطبقات؛ حتى الأكاديمية، والهدف هو صدام وفوضى، وتقييد لحريات الناس، وهذا يوفر بيئة لنشوء فرق الموت، والذي لم يحدث إلى الان، إلا أنه الخطوة الحاسمة، والتي حذرت منها المرجعية بشكل صريح.. وسمتها بالحروب الأهلية، وليست الطائفية، أي بعنى حرب لفرض الرأي والسلطة، بمنطق القوة وليس بقوة المنطق.
اليوم يعيش العراق، ظرف حساس جدا، وهو لم يتعافى من جراحه القديمة، ومراهنات الأعداء، على نفاذ صبره و وشوك سقوط المحافظات بيد المحتجين، ومما ينقل الوضع الى ما يحمد عقباه.. مع هذا التصور، هناك جانب وصورة اكثر اشراقا، وهي النزول الميداني للمتظاهرين السلميين ، حيث سيكون هو الورقة الضامنة الوحيدة، لإنقاذ العراق من تلك المخططات.
صراع “الفيسبوكيين” بين مؤيد ومعارض هو نتاج طبيعي و انعكاس، لمدى الدعم الخارجي لخلق ذاك التشتت، وترسيخ نغمة الحقد وتصنيف الناس على شكل جماعات يسهل تصفية بعضها بعض. فكلما تشتت الجمع كلما يسهل تصفيتهم و إنهاءهم علماً أن ما يحدث هو بايادي عراقية خالصة، لكن بعقل جمعي مدعوم، بمحترفين في بث كلمات وأفعال، تدل على التفرقة والتنازع بشكل غير مباشر.
لن يدوم هذا كثيراً، ستنتهي ولكن كما هي دائماً، تاخذ كل جميل ولا تترك لنا سوى الألم والذكريات والصور.. تلك هي النهاية.