17 نوفمبر، 2024 5:27 م
Search
Close this search box.

الروائي العراقي المغترب شهيد شهيد للمدى : خلال الافكار التي انتجها واطرحها في رواياتي اسعى الى تحريك الوعي الجدلي

الروائي العراقي المغترب شهيد شهيد للمدى : خلال الافكار التي انتجها واطرحها في رواياتي اسعى الى تحريك الوعي الجدلي

– مشروعي الخاص مواجهة الأنساق الحاكمة وأولها النسق الاخلاقي
– وظيفة المثقف الأساسية ان يكون محرضا على الحياة
حاوره : عامر القيسي
روايتان لشهيد شهيد (كش وطن ، سرقة العمامة ) منعتا من العرض في اكثر معارض الكتب في البلاد العربية واثارتا جدلاً واسعا بين الاوساط الأدبية وتابوات المنع الفكري وسلطاته ، لان شهيد تعرض فيهما ، بمشروع جريء ، مواجهاً الانساق الحاكمة واولها النسق الاخلاقي ، ويقول شهد ،لم يكن المنع على مستوى المعارض فقط وانما على المستوى المجتمعي ايضاً..اقتحم شهيد في روايتيه المحظور وعبر الخطوط الحمر لسيادة آيديولوجية.. حساسية الموضوع والجرأة في الطرح جعلت روايتيه تحت سلطة المنع .

– انتقلت من الرسم الى الشعر ثم هجرتهما معا الى عالم السرد الروائي ما الذي اغراك في هذه المساحة؟
ــ من المعروف ان الانسان في سعي دائم لتحقيق وجوده , لذلك نجده في رحلة طويلة لابتكار وسائل تحقق له ذلك الوجود , لا يختلف اثنان على ان الوسيلة المثلى لتحقيق الوجود هو “التعبير” ولاشك ان “الفن” يمثل وسيلة التعبير الاكثر تاثيرا من ناحية التلقي , بالنسبة لي تنقلت في اكثر من مساحة فنية وكان لكل مرحلة عمرية جنسها الفني الملائم لها , مرحلة الطفولة كانت مرحلة “ملونة” لذلك كان الرسم وسيلتي للبوح بالخزين اللوني الذي يموج داخل ذاتي , بعدها بدات مرحلة الرومانسية او طغيان الشعور وهي مرحلة الشباب فلجأت الى الشعر , بعدها كانت مرحلة “الافكار” وفي هذه المرحلة ادركت ان الاجناس الفنية السابقة لم تعد تستوعب ما اطمح للتعبير عنه لذلك انتقلت الى السرد , ربما تكون هناك مرحلة اخرى فانا اعتقد بحركية الوعي ولانهائيته وضرورة عدم الوقوف في مكان واحد .
– – اولى رواياتك التي صدرت عام 2015 عنونتها بـ ” كش وطن ” التي اثارت جدلا واسعا في الوسطين الثقافي والديني، كما منع دخولها الى بعض معارض الكتب ..ماقصة هذه الرواية ولماذا منعت؟ هل كانت هذه الجملة في الصفحة 110 “ان رجل الدين قواد مقنع وانت ايضا ياسيادة القاضي\ وارجو ان لاتزعل مني \قواد مقنع” سبباً للمنع او احد اسبابه؟
ج ـ في البداية اود ان اقدم فكرة بسيطة عن مشروعي الكتابي , مشروعي الكتابي يتعلق بالوعي , حيث ادركت اننا بحاجة الى وعي جديد وهذا ما يتطلب انتاج مفاهيم جديدة , ادراكي لضرورة انتاج مفاهيم جديدة مثـّل الركيزة الاولى في المشروع الخاص بي ككاتب مما جعلني اختار طريق مواجهة ومصادمة “الانساق الحاكمة” , النسق الاول الذي اخترته للمواجهة هو النسق الاخلاقي , انتجت رواية كش وطن التي تتحدث عن سيرة مختصرة لسيرة قوّاد , من خلال تلك الرواية أردت توجيه عدّة رسائل اولها ان ماهو مرفوض اجتماعيا واخلاقيا يمكن ان يكون مقبول انسانيا وكذلك اردت ان انقل صورة توضح ضرورة التخلي عن الاحكام الصارمة فحتى المناطق التي نحمل عنها صورة سيئة يمكن ان نجد فيها النزعة الانسانية المثالية , حساسية الموضوع والجراة في الطرح جعلت الرواية تحت سلطة “المنع” , اعتقد ان الخطاب بمجمله كان سببا للمنع وليس الجملة التي ذكرتها في سؤالك فقط , لم يكن المنع على مستوى المعارض فقط وانما على المستوى المجتمعي ايضا , سمعت قصصا كثيرا بعضها يحمل شيئا من الطرافة , احد القراء حدثني عن الطريقة السرية التي ادخل بها الرواية الى بيته خوفا من تقع اعين زوجته عليها وكيف انه اتبع احتياطاته الكاملة لحين انهاء الرواية وبعدها تخلص منها , كش وطن حملت معها ردود افعال عنيفة وهذا ما شكل لي تجربة مركبة , الضغط النفسي كان عصيبا بالنسبة لي خصوصا واني كنت حديث العهد في الساحة السردية ولكن الدرس المهم الذي خرجت به هو ان دور الكاتب لا يقتصر فقط على الانتاج الكتابي وانما يجب يتعداه الى مرحلة اخرى اكثر اهمية وهي ان يكون متلقيا ناجحا عندما يكون تحت سلطة القارئ.
– بطل ” كش وطن ” عبد الرزاق الجبران الذي حاولت ان تجعل افكاره مادة قابلة للاحتكام الجدلي،كما قلت في وقت سابق ، ماشكل ومحتوى العلاقة التي تربطك به خصوصا وانك بدأت وانهيت الرواية به؟
ج ــ الشخصية المحورية في رواية (كش وطن) شخصية موازية لشخصية الكاتب عبد الرزاق من حيث الاثر او دلالة المعنى , الرواية تتكلم عن شخص قرر ان يحول النظرية الى تطبيق على ارض الواقع وان ينقل بعض افكار عبد الجبران الى من الورق الى صورة عملية , وهذا ما جعل المتلقي يبحث عن تفسير للارتباط بين ثلاث شخصيات (عبد الرزاق الجبران , كاتب الرواية , بطل الرواية) ما اريد قوله هنا هو ان حضور عبد الرزاق الجبران في رواية كش وطن كان حضوريا رمزيا وانه يمثل فكرة متداولة تم الاشتغال عليها سرديا بابعاد فكرية تهدف لخلق رؤيا تتعلق بقيمة النظرية وما يترتب عليها في حالة تطبيقها على ارض الواقع .
– في قراءة للرواية نفسها ، الـ”كش” في الشطرنج تعني وجود ملكين ، لكنك في الصفحة 42 اهتممت باضافة ثلاث نقاط للحرف الاول الذي كان مكتوباً في غرفة عاهرة دون نقاط ، أي علاقة تربط بين المفردتين بالنقاط ومن دونها ؟
ج ـ هذا السؤال ربما يقودنا لقضية “الاحتيال على اللغة” , وسعينا الدائم الى تغطية ما نخشى ان يؤذي انساقنا الحاكمة , الفكرة النهائية التي قادنا اليها سؤالك تتلخص باننا عندما نحاول التخلص من مأزق قد نقع في مأزق آخر , بطل الرواية اراد ان يتخلص من ضغط نسق المصطلح المحافظ ولكنه عندما وضع ثلاث نقاط على الكلمة الاولى من العبارة المكتوبة على جدار المبغى وجد نفسه اسيرا لنسق اخطر يتعلق بمفاهيم العلاقة بالوطن حيث تحولت الدلالة الى عبارة مختلفة مضمونها يتعلق بموت الوطن.
– هل تتفق مع احدى التقييمات النقدية لرواية ” كش وطن ” التي وضعتها في اطار ” الواقعية النقدية” ؟
ج ـ نعم اتفق مع ذلك , رواية كش وطن لم تكن رواية احداث وانما رواية افكار , لذلك يمكن وضعها في خانة الروايات “الغنائية” التي تعتمد على التصميم اكثر من اعتمادها على الحبكة , سرديات “الذات الآثمة” منطقة مهمة وتقع ضمن المسكوت عنه بسبب الحرج الذي يسببه الخوض في هكذا مواضيع واقتحام هكذا منطقة يعتبر مجازفة كبيرة , الاطار النقدي في الرواية يتوجه للوعي العام الذي يكوّن احكام صلدة تجاه شريحة الخارجين على القوانين والاعراف الاجتماعية السائدة بدلا من البحث في المسببات التي ادت وجود تلك الشريحة التي يمكنني وصفها بالمظلومة.
– قلت في روايتك ” انا القواد المثقف الواقف في المنطقة الفاصلة بين ما هو اخلاقي ولا اخلاقي ، متسمرا في هذه المنطقة متجردا من اية قيمة وخاليا من اية ديانة …. انا اكره الاديان “..بالنسبة لي هناك التباس في المنطقة التي تقف عليها ،تبدو كشيء غير مفهوم ؟
ج ـ اولا انا اعتقد بمبدأ “نسبية القيم” ولا نهائيتها , الاخلاقي واللا اخلاقي مفهوم متغير ومختلف زمانيا ومكانيا , وماهو لا اخلاقي يمكن ان يكون مقبول انسانيا اذا نظرنا اليه من زاوية اخرى شريطة ان تكون الرؤيا متحررة من الاصنام المفاهيمية التي فرضها علينا الاسلاف , اما فيما يتعلق بكوني غير مفهوم فذلك راجع الى كوني انتمي الى واقع فانتازي , غرائبية الواقع الذي نعيش فيه فاقت كل تصور , هذا ما يجعل الصور التي نشكلها عبر سردياتنا تعكس جانب التشظي الذي نحن فيه , ما زلنا نعيش في مرحلة “التيه الوجودي” , ننظر الى العالم بذهول وهو يتقدم الى الامام ونحن ما زلنا متمسكين بموقعنا الذي رسمه لنا الاسلاف , المنطقة التي اقف عندها ملتبسة ويطغى عليها الغموض لكوني مازلت في مرحلة “التشيء” , مازلت في طور المحاولة , عبارة (متجردا من أي قيمة) تصور المأزق الكبير الذي انا فيه , اقول (انا) نيابة عن “ذات” وجدت نفسها معبأة بالاثم الوجودي الموزع بعدالة على مجتمع افراده ينتظرون حلا من السماء.
– روايتك الثانية التي صدرت 2017 ” سارق العمامة ” والتي افتتحتها بعبارة “لا يجوز شرعًا بيع هذه الرواية للمتدينين” ..وقعت في مساحة الممنوع في المعارض ..ماقصة منعها ؟
ج ـ اولا هذه العبارة التي افتتحت بها الرواية كانت جزء من المشاكسة للوعي المُحتكِر لسلطة المنع وفق مبدأ المقابلة بالمثل وكان القصد منها سحب ذلك الوعي الى منطقة يكون فيها تحت سلطة المنع لكي يعايش شعور الواقعين تحت وصاية الـــ(لا يجوز شرعا) , اما فيما يتعلق بقصة المنع فقد صادف صدور الرواية مع اقامة معرض للكتاب في احد المدن العراقية ذات الطابع الديني وقد اشتركت الدار الناشرة للرواية في ذلك المعرض وقد ادخلت الرواية الى المعرض بصورة سرية حيث تم اخفائها بين الكتب وعلى الرغم من ذلك كانت من ضمن الكتب الاكثر مبيعا.
– في هذه الرواية واصلت الابحار في اشكاليات التابوات الاجتماعية والسلطوية كالدين على سبيل المثال ممثلاً برجل الدين الذي تناولته كنموذج للخديعة والتزوير والخرافة والعنف ..أي رسالة تريد ان تبعثها في الرواية ؟
ج ـ الفكرة الاساسية لرواية سارق العمامة تتعلق بضرورة اعادة انتاج الفكرة الخاصة بالرب , اردت ان اقول ان بامكان كل انسان ان يكون نبي نفسه , وبالتالي تحرير تلك الفكرة من احتكار رجال الدين لها وجعل الرب متاحا للجميع بعيدا عن الصورة التي تم فرضها على البشر من قبل الانساق الدينية السلفية , هذه الفكرة لابد ان تجد مصدات عنيفة من قبل المؤسسة التي تعتقد بأن الرب حكرا لها ولا يحق لاحد الوصول اليه الا عن طريقها وبواسطتها وقد ظهر ذلك رسميا في احد المجلات التابعة لاحد المؤسسات الدينية وكانت تلك المجلة مكلفة برصد الظواهر الثقافية التي تشكل خطرا على الوعي التي تريد تلك المؤسسة المحافظة عليه وقد تم وصف ما ورد في الرواية بالاساليب الشيطانية , ما اريد قوله ان المؤسسة الدينية تضع حدا فاصلا بين المنتمي واللامنتمي وبعد ذلك تمارس صلاحيتها في اضفاء الصفات الاقصائية على المتجاوز لذلك الحد بما يحقق لها امكانية حرمانه من الحق الوجودي بكل تمظهراته.
– صنّفت ايضا في بحث نقدي كرواية في خانة ” الواقعية الانتقادية ” هل تتفق مع هذا التصنيف ؟
ج ـ نحن بحاجة الى الواقعية “النقدية” وليس “الانتقادية” , مع الاشارة الى ضرورة ان نكون اكثر صرامة في هذا المجال , هنالك نوع خطر من العبودية مازال سائدا وهو “عبودية المفاهيم” , لابد من الانتقال الى مرحلة اخرى تكون فيها الوعي حاكما للمفاهيم وليس محكوما بها وفق ما يتناسب مع المثاليات الانسانية العقلانية , يمكن القول ان اغلب افراد المجتمعات التي نعيش فيها عبيد لمفاهيم لم يكن لهم دور في انتاجها , مفاهيم تم فرضها من قبل الاسلاف , تلك المفاهيم انهت منطق الحركيّة وجعلت الوعي ساكن وخامل وغير مستعد لتقبل ما هو غير مطابق لخزينه الاعتقادي.
– من سرق عمامة من ؟ فانت تبدو في الرواية عازلا بين عمامتين ، فيما قلت سابقا ، انك تقف في منطقة بين الاخلاقي واللااخلاقي ، من هو الاخلاقي في سرقة العمامة ؟
ج ـ لكي اتخلص من الاسلوب المباشر الذي قد يوقعني في اشكاليات قانونية لجئت الى اسلوب التشفير والترميز , ترميز السلوك وتشفير الدلالة على بعض الشخصيات , لم تكن الرواية موجهة للعمامة نفسها وانما للمفاهيم المرتبطة بها , وضعت بعض الاشارات داخل النص تمثل تساؤلات عن سبب سرقة العمامة , تلك التساؤلات كانت بقصدية اجرائية لتمهيد وعي المتلقي في سبيل الوصول الى الفكرة النهائية المراد ايصالها من خلال الرواية.
– في كلتا الروايتين تبدو وانت تخوض “صراعا فكريا وفلسفيا مع قوى الظلام والعسف والعنف ومصادرة الحريات الانسانية” ، وهذا ما سحب لغة السرد الروائي الى لغة السجالات الفكرية ، هل تتفق مع تقييم من هذا النوع ؟
ج ـ مشروعي ككاتب يتوجه لمواجهة الانساق الحاكمة وهذا ما جعلني انتج رواية تغلب عليها النزعية الفكرية , انت تعلم ان هكذا مشروع صعب جدا في بيئة مثل البيئة التي نعيش فيها والتي لا تسمح بمناقشة الثوابت الفكرية المتداولة وراثيا وخصوص فيما يتعلق بالثوابت الدينية , السجالات التي اشرت اليها في سؤالك مهمة جدا وهذا الشيء انا اهدف اليه , من خلال الافكار التي انتجها واطرحها في رواياتي اسعى الى تحريك الوعي الجدلي .
– في “سارق العمامة” تعرضت وناقشت نصوصا تأريخية ، هل اردت ان تقوم بدور المنقح للتأريخ ؟ وما علاقة الرواية بالتأريخ؟
ج ـ الاشارات التاريخية وردت في القسم الاخير من الرواية وكانت بقصد اجراء مقاربة بين ميتتات بعض الانبياء وموت بطل الرواية , اردت ان انقل صورة عن الطريقة التي تعامل بها اولئك الانبياء مع فكرة الموت , لم اقصد محاكمة تلك النصوص التاريخية وانما اشتغلت على تلك النصوص لدعم السياق البنائي للرواية
– رأيك أو تقييمك لدور المثقفين العراقيين على كافة اشتغالاتهم في الانتفاضة الشعبية في ساحات التحرير ، هل كانوا بمستوى الحدث أم انهم في مساحة اخرى ؟
ج ـ لنتحدث بشيء من الصراحة , موقف المثقف من كل حركة احتجاجية هو موقف اشكالي , لان المثقف يجب ان يظل دائما خارج السياق , صعوبة دور المثقف في واقع مثل واقعنا تكمن في نمط الوعي الذي عليه ان يتعامل معه , دراسة دور المثقف تتطلب اولا دراسة الوعي السائد في ساحات الاحتجاج , هل ذلك الوعي يستوعب الرأي الاخر , وظيفة المثقف الاساسية ان يكون محرضا على الحياة , كيف يمكنه اداء مهمته في وسط وعي خاضع لنسق يجعل من الموت وسيلة لارضاء الرب , هل يمكن للمثقف ان يوقف قوافل الساعين الى الموت , هنا يكمن المأزق.

أحدث المقالات