29 نوفمبر، 2024 3:53 م
Search
Close this search box.

رواية خوفا من العادي.. اغتراب الريفي ووحدته في ازدحام العاصمة

رواية خوفا من العادي.. اغتراب الريفي ووحدته في ازدحام العاصمة

 

خاص:قراءة- سماح عادل

رواية “خوفا من العادي” للكاتب المصري “فريد عبد العظيم” تحكي اغتراب شاب من الريف في العاصمة الكبيرة والمزدحمة، القاهرة، يفشل في تحقيق انسجام معها رغم السنوات الطوال التي قضاها فيها.

الشخصيات..

كمال محفوظ: بطل ضد، يأخذ موقف المتفرج أو يقوم بالفعل بناء على تحريض ورغبة من الآخرين، تتبعه الرواية منذ بداية شبابه وبداية ذهابه إلى العاصمة.

ممدوح البطل: رجل طيب، يساعد أبناء بلدته على العيش في القاهرة، ويسهل لهم الأمور، رغم التسلط الذي يبديه نحوهم إلا أنه يرعاهم ويدعمهم.

ليلى: زوجة البطل وابنة عمه، تشعر هي أيضا بالاغتراب في القاهرة.

الراوي..

الراوي هو البطل الذي يحكي بضمير المتكلم، والذي يحكي مشاعره وانفعالاته ومخاوفه، كما يحكي عن باقي الشخصيات من الخارج، دون التطرق لما يشعرون به وقد يظهر ذلك من حواراتهم، كما استعانت الرواية بخمس رسائل ل”ليلى” تعبر فيها عن مشاعرها ومخاوفها ورأيها في زوجها وحياتها.

السرد..

الرواية محكمة البناء، تعتمد على الحكي المتصاعد في الزمن، وتجري الأحداث ببطء وتخص البطل بالأساس ومسار حياته، ويتخلل ذلك حكي عن بعض الشخصيات الأخرى، وتنتهي الرواية نهاية محايدة لا هي سعيدة أو حزينة، إنما نهاية تعتمد على اختيارات الشخصيات لحيواتهم.

اغتراب الريفي ووحدته في ازدحام العاصمة

أهم ما في الرواية رصد إحساس الاغتراب الذي يشعر به طالب ريفي يذهب للعاصمة لأول مرة، يلتحق بالمدينة الجامعية ويعاني من بعض العنصرية ممن يعيشون في العاصمة ويعدون أنفسهم أبنائها، لكنه يتعرض أيضا لعنصرية من أهالي المحافظات الأخرى مثل الإسكندرية، لكن البطل ضد سلبي لا يعبأ بأمر القاهرة، فقط كل ما يريده أن يحتفظ بموقف المتفرج المسالم، يعمل ويتعلم ويكون في حاله، يشاهد الناس وهم يعيشون حياتهم وهو منغلق على نفسه.

بينما صديقه والذي نعته ب”الأخرق” طوال الرواية يشتبك مع الحياة، يختلط مع القاهريين ويحاول أن ينسجم معهم، لكنه يصدم بمعاملة البعض منهم والذين يسعون لاستغلاله.

ترصد الرواية الجيتوهات، “التجمعات المغلقة” التي يعيش فيها الريفيون، فقد تخرج البطل والتحق بالعمل في إحدى المدن الجديدة بوساطة من أحد الموظفين من أهل القرية، والذي يساعد جميع أبناء القرية في العمل بهذه المدينة الجديدة، فوجد “كمال” نفسه أمام جيتوهات، شقة يجتمع فيها أبناء بلدته من محافظة المنوفية، وشقة تجمع العاملين من محافظة الشرقية، العاملين يجتمعون مع أهل بلدتهم ومحافظتهم في السكن، ويكون لهم كبير يرعى شئونهم، ويأخذ المرتبات بدلا عنهم، يقتطع منها أموال للطعام ولصندوق اليتامي الذي يستخدم للإنفاق على أهل أي عامل يموت.

هذا التكافل والتعاون بين الناس جيد، لكنه للأسف منقسم على أساس مناطقي، وهذا يعكس حقيقة قائمة على أرض الواقع في مصر، حيث يتجمع الناس في جيتوهات في العاصمة وفق أماكن نشأتهم، الصعايدة يتكاتفون سويا، وأهل محافظة المنوفية وباقي المحافظات كذلك.

كما يرصد البطل التعالي الذي يتعامل به القاهريون مع أهل الريف في تلك المدينة، والذي جعل “ليلى” وجعله هو أيضا يكره العيش في العاصمة ويشعر بالاغتراب والوحدة دوما، لكن البطل وقع في خطأ التعميم حيث اعتبر القاهريين، أو الناس الذين يعيشون في القاهرة، طبقة واحدة وفئة واحدة يمكن أن يتم التعامل معها ككتلة واحدة، فالناس الذين يعيشون في القاهرة أغلبهم وافدون من الريف في الستينات والسبعينات وحتى الآن، وخاصة مع سياسة الانفتاح، أي أنهم ريفيين هم أيضا، ولا يتعالون على أهل الريف باعتبارهم من أهل المدينة، وإنما الأمر يتعلق بالطبقة.

فهؤلاء القاهريين الذين تعامل معهم البطل وبلدياته من أبناء موظفين الحكومة الكبار، أي من طبقة أعلى، والذين يتم تعينهم بالواسطة والمحسوبية، كما أن السكان في تلك المدينة من الأغنياء أيضا والتعالي من أحد سلوكياهم السيئة. كما أنه لم يترك لنفسه الفرصة للتعامل مع فئات مختلفة ومع الكادحين وأبناء الطبقة الوسطى، الذين لا يتمتعون بامتيازات المحسوبية والواسطة، هؤلاء الذين يكافحون لأجل لقمة العيش، واتخذ أحكاما عامة حول اضطهاد أهل القاهرة لأهل الريف.

رصد البطل أيضا الفساد والتلاعب والرشاوي والتي تعطى لأجل تسيير مصالح الناس، والتي يتعامل بها بلدياته أيضا ويعرفون خباياها، فمن يعمل في المدينة لابد وأن يكون من أبناء العاصمة فيستخرجون بطاقة رقم قومي ثانية، و”ممدوح البطل” يستخرج شهادة ميلاد لابنه حتى يستطيع إلحاقه بأحد نوادي كرة القدم، الأمور تسير بالتلاعب وهم يتوافقون معها.

كما رصد أحداث ثورة يناير وصعود الإخوان لكن بتلميحات عامة دون اهتمام بالتفاصيل، وذلك اتساقا مع كونه بطل متفرج، يتفرج ويصدر الأحكام على الناس، فقد حكم أيضا على الثوار بأنهم همج، وتعجب حين اندفع أهل قريته لتحطيم مقر حزب الإخوان، وكأنهم يقلدون همجية القاهريين، وهو لا يتخذ موقف من الثورة لا مع ولا ضد، هو فقط يريد أن يعيش بهدوء وسلام، رغم أنه حين صادف “نور” الطفل السوري الذي جاء بصحبة جدته تعامل معه بإنسانية وساعده ودعمه، لكنه يحتفظ بموقف المتفرج للنهاية.

كما أشارت الرواية إلى شخصية الاونطجي “حمادة الاونطجي” وهي شخصية متواجدة بكثرة في المجتمع، ذلك الرجل الذي ينضم إلى الحزب الوطني وحين تقوم الثورة يعرف أنه أصبح حصانا خاسرا، فينضم لحزب الإخوان ليخسر أمواله ويضطر إلى السفر للخارج، بعد أن ثار الناس على حكم الإخوان.

الرواية مميزة تعتمد على  لغة سلسة، وشخصيات حية، ومعايشة للمجتمع، ورصد سليبات كثيرة بعيون شاب يكتشف الحياة في مجتمعه، ورغم أنه ظل متفرجا لكنه استطاع أن يرصد بدقة مشاكل دقيقة وحساسة في المجتمع، ويرصد تنوع الشخصيات التي حوله مثل شخصية المخبر والأخرق والبطل والأونطجي أم ليلى التي جعلها الفقر تصبح قوية رغم طيبتها وهشاشتها.

الكاتب..

فريد عبد العظيم، روائي وقاص مصري، من مواليد القاهرة 1983،  فاز بالمركز الأول في مسابقه مجموعة من وحي القلم الأدبية  للقصة القصيرة لعام 2016.

صدرت له رواية بعنوان ” خوفا من العادي” عن دار روافد 2019. ورواية بعنوان “يوميات رجل يركض” عن منشورات إيبيدي قبيل معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة