يعتبر القضاء هو الركن الأساسي للعدل في الدول , وينقسم القضاء الى عدة أنواع منها القضاء المدني ( محاكم البداءة والأستئناف ) والقضاء الشرعي ( الأحوال الشخصية والمواد الشخصية ) والقضاء الجنائي (محاكم التحقيق والجنح والجنايات ) وهناك محاكم الكمارك والمرور والمحاكم العسكرية , وطوال تأريخ القضاء في العراق كمنظومة متكاملة لم تكن هناك مؤاخذات سوى على القضاء الجنائي بأنواعه والمحاكم الأستثنائية والخاصة , لأنه أكثر أنواع القضاء تماسآ بحرية الأنسان وكرامته , والمواطن قد يذهب لتقييم القضاء بصورة عامة من خلال القضاء الجنائي , وقد يذهب البعض بمقولة التأريخ النزيه للقضاء العراقي , والحقيقة خلاف ذلك , والجميع يعلم الوقائع التي كان فيها هذا القضاء سيفآ مسلطآ على رقاب الشعب , ولأن تأريخ القضاء الجنائي العراقي لم يكن بالمستوى المطلوب أو الحيادية التامة أو القضاء العادل , حيث طالما كان القضاء الجنائي أداة بيد السلطة , يستخدمه الحاكم لتحقيق أغراضه بحق معارضيه , وللأسف كان (( أغلب القضاء الجنائي المدني والعسكري )) يذهب مع أرادة السلطة والحاكم بأصدار الأحكام , وقد تسبب ذلك بوصمة عار ألتحفت جبين المنظومة القضائية العراقية طوال تأريخها , مما ولد أزمة ثقة حقيقية بين المواطن والقضاء , وتسبب بصناعة حاجز جعل المواطن لا يثق بالقضاء نهائيآ ( رغم وجود حالات مضيئة ) ولأننا نتكلم لأن الآزمة أصبحت ظاهرة عامة وليست للحالات الفردية مكان فيها , تستطيع أن تسأل أي مواطن وتخييره بين الذهاب الى المحاكم العراقية أو القبور فأنه سيختار القبور , نتيجة ما تراكم من ظلم وعدم توفر ضمانات قانونية للمتهميم وعدم توفر المعايير العامة للمحاكمات العادلة , وهي سمة تمتاز بها المحاكم العراقية , حيث بأحسن ألآحوال تستند المحاكم الجنائية لنظام أنتداب المحامين ( وهو نظام فاشل بأمتياز ) لأنه يوفر الغطاء القانوني للمحاكمة مع عدم توفر العناية اللازمة للدفاع عن المتهم , وقد يؤاخذني البعض ويعتبره تجني بحق القضاء , فأسأله بموضوعية , كم من الأبرياء ذهبوا ضحية التعسف وعدم توفر ضمانات للمتهم , وكم من الأبرساء سجنوا وأعدموا بمحاكمات هزلية , وأن عدنا منذ أنشاء المحكمة العسكرية لمحاكمة ضباط ثورة مايس 1941 , وماهي الضمانات الحقيقية التي أستندت أليها المحكمة بأصدار قرارات ألأعدام بحق الضباط الآربعة , حيث قيدوا الى المشانق تنفيذآ لرغبة الوصي ونوري السعيد , وكم من الآبرياء وقفوا أمام المحكمة الهزلية المسماة ( محكمة الشعب – المهداوي ) وكيف كانت هذه المحكمة عارآ حقيقيآ بتأريخ القضاء العسكري العراقي , لعدم توفر أبسط ضمانات الدفاع أو المحاكمات العادلة , وأستمر التدهور والأنصياع من خلال محاكم الثورة واللجان الشعبية , والتي تصدر وتنفذ الحكم بالسحل والقتل مباشرتآ دون محاكمة أطلاقآ , وأنما مهازل للرعاع , ولم أسمع بحياتي أن القضاء الحنائي تحرك وأصدر قرارات بحق السلطة الحاكمة أو رعاياها ومريديها , وأنما بالعكس كانت هناك محاباة كثيرة للسلطة والحاكم وأعوانه , وجميعنا يستذكر كيف أن ضباط الآمن والمخابرات يأتون بأضابيرهم الى قضاة التحقيق وفيها قرارات مكتوبة سلفآ , وما مهمة القاضي سوى التوقيع عليها وختمها بوسم القضاء , وبالتالي يبقى المتهم تحت نير التعسف والسادية لضابط التحقيق يمارسها بحق المعتقل والمتهم دون حساب أو رقابة , وأتحدى أعضاء الأدعاء العام في محاكم التحقيق أن واحدآ منهم بتأريخه كله قد ميز قرارآ لقاضي التحقيق بدعاوى الأمن والمخابرات أمام محكمة الجنايات , وأن كان أحدهم قد فعل فليخبرني حتى أصنع له تمثال , فقد كان المتهمين يقبعون في دهاليز السجون وتمارس بحقهم شتى أنواع التعذيب السادي , وللأسف كان قضاة التحقيق متواطئين ومتعاونين مع ضباط الأمن والمخابرات , وعندما يحالون الى محاكم الجنايات فأن الحكم جاهزآ بحقهم , ولا تجري لهم سوى محاكمات شكلية بحضور محامي منتدب هو أقرب الى الخرس منه كمحامي , والجميع يستذكر محاكم الثورة , وعدم توفر أدنى أنواع الضمانات القانونية للمتهمين أمامها وكان هناك خمسة محامين منتدبين يحضرون جلسات المحكمة وقسم منهم يطلب من المحكمة أن تدين موكله , تصوروا محامي الدفاع يطلب أدانة موكله في مهزلة قانونية مضحكة مبيكية , وكم من الأبرياء سجنوا وأعدموا بمثل هذه المحاكم , وبعدها جائت المحكمة الخاصة لوزارة الداخلية , وما أدراك ما المحكمة الخاصة , والظلم والتعسف والمهازل التي كانت تجري فيها بقضاتها الجنائيين (( محي عذاب وفرمان )) حيث عاثوا بعباد الله ظلمآ وقسوة , حتى أن وزراء الداخلية كانوا يكتبون قراراتها بحق المتهمين , وقد وصل الأمر والعار لهذه المحكمة أن تحاكم بقضاتها الظلمة خيرة قضاة العراق في المحاكمة المشهورة التي جرت بحق القاضي الفاضل ( دارار نور الدين وزميله القاضي اليعقوبي ) حيث حاكمها القاضي فرمان بناءآ على أرادة ديوان رئاسة الجمهورية وأودعهما السجن مظلومين دون توفير أي ضمانات قانونية لهم , ومهزلة ألقاء القبض بحق القاضي الفاضل نوار الزبيدي وصالح الجبوري وزملائمها من القضاة حيث ألأقي القبض بحقهم وأودعوا السجن دون محاكمة لمدة ستة أشهر , وكانت السلطة القضائية ساكتة وتلتحف الصمت وقضاتها يودعون السجون دون محاكمة ( ويأتي البعض ويقول قضائنا نزيه ) , أما عمليات تغيير التكييف القانوني للقضايا والوقائع الجرمية فحدث ولا حرج , حيث يتم التلاعب بالمواد القانونية حسب أهواء السلطة لسجن بريء أو تسريح مجرم , وبعد الاحتلال عام 2003 , أنتهى الآمر بالقضاء لاالجنائي العراقي عندما دخل القضاة الدمج لسوح القضاء العراقي , فأصبحت الأعتقالات على قدم وساق , وأصبح القاضي يجلس بغرفة أمراء الألوية والأفواج ويصدر قرارات لتكييف الأفعال التعسفية لضباط التحقيق بحق المعتقلين والأبرياء , وكان جميع المعتقلين العراقيين بسجون الأحتلال الأميركي بناءآ على أوامر أعتقال وسجن صادرة من قضاة التحقيق الجنائيين العراقيين , فلا تتصوروا أن هناك معتقل عراقي بسجون الأميركان دون مذكرة قبض صادرة من قاضي عراقي , فجميع المسجونين من العراقيين والعرب بسجون ألآحتلال كانوا يعرضون على قضاة عراقيين , وشكلت محاكم خاصة ومحاكم بقضايا الآرهاب , وساعد القضاء الجنائي على نشر الجانب السلبي للمخبر للسري , حيث أ، أغلب القضايا المعروضة كانت تستند الى أ‘تراف المتهم تحت التعذيب والى تقرير المخبر السري , وعندما يحالون الى محكمة الجنايات تكون القضية جاهزة للحكم بأ‘تراف مقترن بدليل ويصدر الحكم بالأدانة , وبالتأكيد تستند أيضآ المحكمة الى نظام أنتداب المحامين وهو نظام فاشل كما ذكرنا , لأنه يوفر الغطاء لأصدار الحكم بحق المتهم دون بذل العناية اللازمة للدفاع عن المتهم , وقد وصل عدد المعتقلين العراقيين الى أعداد هائلة تجاوزت 500000ألف (خمسمائة ألأف معتقل ) بالسجون العراقية والأميركية , والسؤال هو من أمر بأعتقالهم , والجواب هو القضاء الجنائي العراقي وقضاة الدمج .
أذن علينا بوقفة جدية لتشخيص الخلل والأنحدار الذي يعانيه القضاء الجنائي العراقي بصورة موضوعية , حتى نصل الى أعادة بناء للمنظومة القضائية العراقية بصورة عامة والقضاء الجنائي بصورة مخصوصة , لأن العدل هو أساس الملك ومتى أستقر القضاء ونال أستقلاليته عن السلطة الحاكمة فأنه سيأخذ دوره الحقيقي بأقامة العدل , ولكن أذا أستمرت المجاملات بنصاعة تأريخه كذبآ وزورآ وبهاتنآ فأننا سنبقى بسكة الظلم والأضطهاد , ولكن متى أخذ القضاء أستقلاليته وأبتعد عن الضغوط , فأنه سوف يخرج من النفق النظلم الذي وضعته بها أرادة السلطان .
وأرجوا من كل زملائي القضاة أن كانوا ملائكة بمملكة الشيطان أن يخبروني بمواقفهم للتصدي للسلطان حتى أرفع لهم القبعة عاليآ , ومن كان منهم بلا خطيئة فليرمني بالحجر.
* رئيس التحالف العربي لمحكمة حقوق الأنسان