تابعت من على شاشة قناة بلادي ليلة أمس برنامج ” المقهى البغدادي ” الذي استضاف فيه كل من الناقد فاضل ثامر رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في العراق والشاعر نوفل ابو رغيف مدير عام دار الشؤون الثقافية ومديرعام دائرة السينما والمسرح ، وذلك في لقاء كنا نتوقع منه تسليط الضوء على أبرز التوجهات الثقافية في حياتنا العراقية وكذلك الحديث عن دور المثقف العراقي في البناء الجديد ومشاركته الواعية الى جانب السياسي في ادارة النهضة الحضارية التي نتطلع اليها في ضوء الحياة الديمقراطية الجديدة ، الا ان البرنامج للأسف جاء مخيبا للآمال بالرغم من ادارته الناجحة من قبل مقدمه ” حسام البهادلي ” الذي كان متميزا في جرأته وحياديته حيث تمكن بفطنته ان بستفزويكشف خفايا نفوس ضيفيه .
فبالرغم من محاولة ابو رغيف الظهور بموقف الرجل المتزن والمهم وذلك من خلال جلسته الطاووسية وعدم ارتداءه للسدارة البغدادية ـ مثلما فعل الناقد ثامر ـ والتي هي جزء من اكسسوار البرنامج الا ان ملامح التوتر كانت بادية على محياه منذ اول ظهوره ، فقد كشف عن استعداده للمعركة كان يتوقعها وأعد اسلحته لها والتي لم نجدها الا عبارة عن سيل من الاتهامات التي صارت اشبه بالاسطوانة المشروخة من ان اتحاد الادباء مختطف من قبل الحزب الشيوعي العراقي متجاهلا عن عمد الهوية اليسارية للثقافة العراقية منذ مطلع القرن الماضي وحتى الفترة التي سبقت سقوط الدكتاتورية التي كان ابو رغيف وقتها يرتدي الزيتوني ويدبج بقصائد المديح للدكتاتور المقبور ونظامه وكان واحدا من الذيول الشعرية لذلك النظام الذي اذاق العراقيين مرّ العذاب ومتجاهلا الموقف النبيل للمبدعين العراقيين اليساريين وجلهم من الشيوعيين الذين آثروا الهرب واختيار المنافي وعذاباتها من ان يمدوا ايديهم لسلطة البعث الملطخة بدماء العراقيين . وبات معروفا للقاصي والداني ان ابرز اعمدة الثقافة العراقية قد خرجت من معطف اليسار العراقي .
ان احزاب الاسلام السياسي التي دخلت العراق بعد عام 2003 لم تكن لها قاعدة جماهيرية واسعة خصوصا بين اوساط الطبقة المثقفة وبالتالي وجدت في البعض من الاسماء الانتهازية التي نزعت جلودها بين ليلة وضحاها وتحولت من بعثية الى اسلامية وجدت فيها ركائز لتخريب الثقافة العراقية ودون حياء وخجل من تاريخ هذه الاسماء الغارق بوحل المديح لـ ( القائد الضرورة ) فالشاعر نوفل ابو رغيف الذي وبفضل بركات السيدعمار الحكيم صار اليوم يمسك بمفاصل مهمة من مسيرة ثقافتنا لم يكتف بما جاد عليه السيد بل ظل يرنو مع ثلة من التابعين الى رئاسة اتحاد الادباء فدخل الانتخابات الماضية هو ومن معه من الذيلية وفشلوا فشلا ذريعا في نيل ثقة الادباء ثم اسس له اتحاد خاص به لم نرى منه سوى اليافطة ، ولما ادرك ان لامكان له في بين صفوف المثقفين بادر في الانتخابات التي جرت قبل اشهر الى اصدار بيان مقاطعة ظهر فيه التزوير واضحا حيث انكر عدد كبير من الاسماء التي وردت في البيان صحة تأييدها للمقاطعة . ان ما أثار عجبي من هذا الرجل هو جرأته في مواجهة جمهور يعرف تاريخه جيدا في التملق وصناعة الكذب وتدبيج المدائح والانكى من هذا كله هو طريقة تهكمه على الحزب الشيوعي ورموزه الثقافية التي تتشرف الثقافة العراقية برصيدها من الاسماء الكبيرة التي قدمها لها هذا الحزب ، وما أثار استغرابي ايضا ان الناقد فاضل ثامر كان مبالغا في دبلوماسيته وتحمله لاتهامات ابو رغيف ولم يكن متصديا ومدافعا بقوة عن نزاهة الانتخابات ومسيرة الاتحاد بل حاول بصمته ترك عاصفة ابو رغيف تمضي دون مواجهة وهذا يحسب على الناقد ثامر المعروف بجرأته وخطاباته النارية في افتتاح المهرجانات الثقافية ، ومن تابع البرنامج يرى كيف ارتبك ابو رغيف عندما قدم ساقي المقهى الى مقدم البرنامج مجله صادرة عن الشؤون الثقافية ـ التي يديريها ابو رغيف ـ وفي صفحة واحده سبع صور لأبو رغيف ، اليس هذا مؤشر على مستقبل لدكتاتور ثقافي تقوم على صناعته احزاب الاسلام السياسي ، كان على ابو رغيف ان يكون متوازنا وان يدرك ان هناك جمهور يعرف تاريخه جيدا ويحتفظ له بالمدائح العديدة بحق ( القائد الضرورة ) ، وان يعرف قبل ان يرمي بحجارته على الاخرين ان بيته من زجاج ، وان مسيرة الثقافة العراقية لاتضم الا اصحاب الابداع الحقيقي النابع من معاناة الشعب ولا مكان فيها للعاهات الثقافية ولأصحاب التاريخ الغارق بالتملق والانتهازية .